سواء كنت قد تعرفت على الموقع حديثاً أو تتابعه منذ سنوات، لربما لاحظت أننا نعطي اهتماماً خاصاً لمشروع اقتباس رواية نيل غايمان الفنتازية American Gods. لقد تتبعنا تطوير المشروع منذ أن كان مجرد فكرة لدى HBO، مروراً بطلاق مرير بين القناة والمشروع، ثم تَقَدُم Starz لإنقاذ المشروع (وشرفِنا كذلك). وتابعنا المشروع بترقب منذ الاعلان المبدأي، اعلانات الكاستينغ، مؤتمر كوميك كون وباقي الخرجات الصحفية… لدرجة أنني بدأت أشعر اننا وصلنا عند نقطة معينة قريبين من تنفير الناس من المسلسل بالحديث عنه بكثرة.
المشكلة هي أن كل شخص بنى تخيله الخاص لما سيكون عليه هذا المسلسل، سواء كان قرأ الرواية أو لا، وعيبنا أننا لم نتحدث قط عن ما يجعل هذا المشروع مثيراً للاهتمام أو ما يعجبنا فيه على الأقل. سنصحح هذا الأمر على الفور، وهذا الأمر سيتطلب طيار من نوع خاص. الحقيقة هو اننا نريد أن يكون كل طيار هكذا، لكن بدون مشاهدة الأعمال حقاً كل ما يمكننا قوله لك هو ”هذا المشروع فيه هؤلاء الأشخاص، وهو حول هذه الأشياء، ويبدو مثيراً للاهتمام، لربما تود أن تلقي عليه نظرة؟“ وهي العوامل التي نعتمد عليها جميعاً — على ما أعتقد — في تقرير ما نشاهده، مُجمّعة في مكان واحد. لكن هذه المرة سنتحدث بتفصيل زائد عن اللزوم حول مسلسل هذا العدد: American Gods.
لماذا أنتم مهتمون جداً بـAmerican Gods؟
الأمر يعود للعام 2011، نيل غايمان، كاتب لا أعرفه لا أنا ولا مصطفى، يعلن في إحدى خرجاته العلنية أن قناة HBO أبرزت إهتماماً في القيام باقتباس لروايته American Gods. عموماً، في تلك الفترة مع بروز الشيء الذي يدعى Game of Thrones بموسم أول أثار ذهول الجميع، أخذنا اهتماماً كبيراً بأي اقتباسات أدبية تعمل عليها HBO، بما في ذلك سلسلة روايات ستيفن كينغ The Dark Tower، التي كانت تملك حقوقها وارنر بروس (استوديو لديه تاريخ طويل بالتعاون مع القناة) وتبحث في امكانية تحويلها إلى مسلسل، طبعاً The Dark Tower أصبح الآن لدى سوني وتحول إلى فيلم يختزل 7 روايات في ساعتين (هناك كلام عن سرد القصة كاملة في مسلسل، لكن لا شيء مؤكد) وتلك قصة أخرى.
لست قارءاً كبيراً للروايات، وقتها لم أكن قارءاً لأي شيء حتى، باستثناء صفحات الكاريكاتير في الجرائد الوطنية، لكن نصف ساعة على متن القطار كل يوم كانت تصيبني بالضجر، كما قد يحدث لأي بشريّ سليم ذهنياً يضطر للنظر إلى نفس الأشجار والحقول كل يوم لمدة نصف ساعة، اتخذت قراراً عفوياً بأن أقرأ هذه الرواية التي يحدثنا عنها عبدالرحمن (لافابريك) كل مرة، وما الذي يعجبه فيها أصلاً؟
قرأتها، أعجبت بها، أيقنت أنها ستصنع مسلسلاً رائعاً، وكنت أتحرق شوقاً لأخبر الجميع عندما تصدر HBO تريلر المسلسل لأقول لهم ”لقد قرأت الرواية، أنا أعرف كل ما سيحدث، سأحرق عليكم جميعاً، السيد أربعاء ليس إلهاً، إنه بقرة هندية مصابة بجنون البقر“. للأسف لم تسنح الفرصة.
طبعاً هذا كله مجرد قصة خلفية الهدف منها القول ”HBO هي السبب الأول“ ولم يكن هناك أي داعٍ لأدخل في كل هذه التفاصيل، بدأتم تحسون بالضجر أيضاً من هذه المقالة، أنتم تريدون فقط أن تعرفوا لماذا هذا الـAmerican Gods مسلسل يستحق كل هذا الاهتمام، حسناً… لنتكلم حول ذلك…
أولاً، إنها قصة خلاقة جداً، عندما يتعلق الأمر بالتلفزيون هناك شيء منعش جداً في مسلسل يحاول الإتيان بشيء لم يتم عمله من ذي قبل، كم من مسلسل أحببته حقاً كان بقصة مكررة؟ الثيمات الدينية ليست بارزة جداً في المسلسلات وفي أغلب الوقت تكون ثيمة ثانوية في قصص أخرى، هنا الأمر مختلف، الدين (والتديّن) هو الثيمة الرئيسية، الأشياء الأخرى هي الثيمة الثانوية. لا أستطيع حقاً، بدون البحث في جوجل، تذكر أسماء مسلسلات درامية تتخذ الدين ثيمة رئيسية، كوميدية أو ساخرة ربما (بريتشر مثال حديث لهذا الأمر)، وحتى إن كانت فإنها جد تقليدية في طرحها. من جهة أخرى لديك قصة حول ألهة تعيش وسط البشر ومجرم سابق وزوجته الميتة ولُبرُكان ورحلة نحو قلب أمريكا، إنه شيء يصوب نحو القمر (ويُصيب في ذلك)، وهذا ما يجب أن نبحث عنه دوماً في مسلسلاتنا، القصص التي لا تخشى من أن تحاول الوصول إلى شيء يبدو من بعيد مستحيلاً أو صعب المنال، أو كبيرا للغاية على أن ينجح.
ثانياً، إنها قصة مكتوبة بشكل رائع للغاية. أنا لا أعرف لماذا لم أسمع بنيل غايمان من قبل، وتيري براتشيت، وتوم روبينز، وغيرهم من الكتاب الموهوبين الذين لديهم سمعة صغيرة خارج جمهور أصنافهم المعتادة (خيال علمي/فنتازيا)، أنا الأن في منتصف رواية Good Omens (والتي سيتم تحويلها هي الأخرى لمسلسل عما قريب) وأتمنى لو أنني محجوز على جزيرة مع طعام كافٍ وكل أجزاء Sandman و روايات Discworld و… كفانا حديثاً عني… الرواية مكتوبة بأسلوب ذكي، مرح، وعميق، أي هناك الكثير من الفكاهة لكن هناك لحظات معينة تأسرك. مع كل فصل هناك قصة من قصص Coming To America، والتي يتخيل غايمان في كل واحدة منها طريقة قدوم إله ما إلى أمريكا، وكيف أن أولئك المهاجرين جلبوا معهم ألهتهم إلى هذه الأرض، وكيف امتزجت كل تلك التقاليد والأعراف لتشكل مانعرفه الآن بالثقافة الأمريكية، إنه مزيج من كل أولئك الناس وما جلبوه معهم، كل واحد منهم يضيف شيئاً إلى تلك الثقافة. الزبدة، إنه شيء يستحق أن يُقرأ، ومن تعود على مشاهدة الأفلام والمسلسلات لن يشعر حقاً أنه يقرأ رواية، بل وكأنه يقرأ مجموعة حلقات، أو فيلما طويلاً (إن كنت ممكن يتظاهرون أن أي شيء أطول من ساعتين ونصف يمكن أن يطلق عليه شخص عاقل وصف ”فيلم“). نيل غايمان كاتب متمرس، ليس وكأنه لم يكتب للتلفزيون قط، روايته السابقة Neverwhere كانت في الحقيقة مسلسلاً، لكنه — بسبب محدودية التكنولوجيا في ذلك الوقت وكذا صغر الميزانية الممنوحة — قرر أن يكتب قصة المسلسل على هيئة رواية مضيفاً كل تلك الأشياء التي لم تظهر في المسلسل. هذا، أيضاً، شيء يستحق أن يُقرأ.
إذا الخلاصة هو أن اهتمام HBO بالمشروع جعلنا مهتمين به، وجودة الرواية زادت اهتمامنا به، ومجرد التفكير في جودة HBO + جودة الرواية يجعل الإجابة حول السؤال أعلاه بديهياً، نحن مهتمون بـAmerican Gods لأنه مشروع عالي الجودة.
إذا… ما الذي يمكن توقعه من المسلسل؟
من المهم أن تتضح الصورة لكم جميعاً، فقط أنه شيء يبدو جيداً لنا لا يعني بالضرورة أنه سيكون جيد بنظرك أنت عزيزي القارئ/المشاهد، الرواية بذاتها أثارت نفور الكثير من القراء الذين لم يعرفوا حقاً ما هذا الكتاب الذي اشتروه، فمن باب تبرءة الذمة وكذا تخليص أنفسنا من أي مسؤولية تجاه تعرضك الزائد لبروباغاندا أميركان غادز على صفحات هذا الموقع، سأتحدث بالتفصيل عن ما يمكنك توقعه من هذه القصة، هؤلاء الأشخاص، بدون الدخول في أي تفاصيل عن القصة، أنا حقاً لا أحب التحدث عن تفاصيل قصة أميركان غادز أصلاً، وأظن أن Starz بالغت قليلاً في الترويج له لدرجة شبه-حرقيّة، أما إذا كنت قرأت ريفيوهات النقاد فأنت محروق عليك الكثير سلفاً.
أول شيء وأهم شيء يجب أن تعرفه: التفاصيل مهمة، الرحلة أهم.
القراء الذين تحدثت عنهم وعن عدم اعجابهم بالرواية ذكروا هذا كسبب لعدم اتمامهم قراءتها. القصة لا تبدو أبداً أنها في عجلة للوصول إلى نهاية واضحة، إنها متأنية في طرحها، هادئة وانسيابية، ولولا أن أحدهم أخبرك أن هناك حرباً قادمة لما عرفت حقاً ما الذي يحاول غايمان أن يصل له.
على قولة أحد الريفيورز على غودريدز، أي أحد يحاول أن يخبرك أن هذه قصة حول الألهة القديمة أو الجديدة، حول رجل يدعى شادو، أو حول خفة اليد، أو حول نتيجة مباراة شطرنج، فهو يكذب عليك، لأن هذه فقط تفاصيل القصة، وليست القصة ذات نفسها.
ما الذي يعنيه ذلك؟ هناك الكثير من الأشياء الصغيرة ستحدث على مدار الرحلة، والتي في وقتها قد تجعل هذه القصة تبدو غير مثيرة للاهتمام حقاً. أعني حقاً، ما المثير جداً للاهتمام في رجل عجوز وحارسه الشخصي ورحلتهما عبر أمريكا؟ لا تستطيع أن تقنع أي أحد بهكذا قصة، لكن ماذا عن الأماكن التي يتوقفون فيها؟ الأشخاص الذين يلتقونهم؟ والأسباب التي تدفعهم لفعل هذا كله؟
هذا ليس الهدف منه قول أن American Gods لا قصة فيه، بالعكس، القصة عندما تنظر إليها في كليتها ستصفها من دون شك بأنها قصة ملحمية، لكن هناك شيء ممتع حقاً في النظر إلى تلك التفاصيل، وشيء مرعب فيها عندما ترى نفسك فيها. ما يناقشه غايمان حول الدين والتديّن والقوة التي تعطيها الألهة للبشر والبشر للألهة هي شيء حقيقيّ بطريقة فلسفية، لكنها هنا ملموسة وحقيقية أكثر في هذه القصة. أنت لا تعبد تلفزيونك حقاً، لكنك تضحي (مع تركيز على كلمة ”تضحي“) بنصف راتبك أو راتبك كله لشراء تلفزيون جديد عندما يصدر موديل جديد، أو ينكسر تلفزيونك، أو أي سبب أخر. تلفزيون جديد يكلف تقريباً نفس ثمن أضحية عيد، أترون وجه المقارنة؟
طبعاً أنا أصيغ الأمر بشكل غبي هنا، والرواية أعمق من هذا بكثير. غايمان أراد أن يكتب رواية عن الألهة، لكنه بالصدفة كتب رواية عن لُب أمريكا، وما يجعل أمريكا ماهي عليه الآن.
الجميل أن القصة سيتم تحديثها للمسلسل، الفتى التقني تطور أكثر عن أيام 2001 وانترنت الدايل أب، وميديا لن يمكنها أن تغريك بفكرة مشاهدة نهديّ لوسي إذا كان الجميع على التلفزيون عارياً أصلاً (لا يعني هذا أنها لن تحاول)، وإضافة الإله Vulcan كتجسيد لعبادة أمريكا للسلاح هو فكرة رائعة ومناسبة للغاية، وضرورية أكثر من ذي قبل، كما أنه سيصبح ممكناً لنا أن نرى ما كان يحدث في أماكن أخرى عندما كان شادو والسيد أربعاء يقومان بأي ما كان يقومان به، عن طريق لورا زوجة شادو، والتي سيكون محورها مع المعتوه سويني هو نوعاً ما رحلتها نحو… اممم… هذا حرق، سنرى لورا وحسب. كل حلقة ستركز على أحد الألهة، وهذه فكرة جميلة جداً، حتى المعتوه سويني سيحصل على حلقته الخاصة.
ثاني أهم شيء يجب أن تعرفه: هؤلاء أشخاص يعرفون ما يفعلونه
أوكي، دعونا نكن صريحين هنا، عندما تسمع أن مشروعاً انتقل من HBO إلى Starz ردة فعلك لا تكون ”إفتحوا الشمبانيا! الليلة خمرون ونسائون!“، لكن تعيين براين فولر ومايكل غرين كان ضربة معلم من دون شك.
براين فولر هو طبعاً العقل خلف Dead Like Me (المسلسل الوحيد الذي لديه إنترو أفضل من غيم أوف ثرونز) و Wonderfalls (الذي تحدثت عنه في بدايات الموقع) و Pushing Daisies (ضحية إضراب الكتاب) ومسلسل أخر لا أحد يهتم له. هي ليست مسلسلات ”نخبة“، لكنها (1) كلها ذات افكار خلاقة (2) ممتعة في طرحها وذات قصة محكمة (3) تم إلغاءها 😀 المسكين فولر هذه قد تكون أول مرة له ينهي فيها مسلسل على مزاجه، هذا إن لم تقرر Starz أن المسلسل مشروع فاشل ومضيعة فلوس وتلغيه قبل أن نصل إلى الموسم الثالث حيث تنتهي قصة الرواية، أعني، Starz ألغت Boss وهو في قمة عطاءه نقدياً، توقع أي شيء يا فولر. الزبدة هو شخص تثق فيه لقيادة هكذا عمل، من الواضح أنه شخص شغوف بعمله ويتقن ما يفعله. ليس أرون سوركين لكن لديك مادة خام مكتوبة بشكل ممتاز سلفاً، كل ما تحتاجه هو الأشخاص المناسبين لإعطاء تلك الكتابة حياةً.
ومرة أخرى، عندما تسمع أن بطل مسلسلك المنتظر هو ممثل ثانوي في مسلسل على CW لا تكون ردة فعلك ”إفتحوا عصير التفاح! الليلة نوم بدري عشان ورانا دوام بكرة!“… لا، مهلاً، هذه هي ردة فعلك بالظبط. لكن بالنظر إلى مشاريع فولر السابقة كل الكاستينغ الذي قام به كان مناسب للغاية للأدوار، وبالكاد أستطيع أن أعيب من كل تلك المشاريع السابقة على أي اختيارات الكاستينغ، فلذلك أنا متفائل، وحتى لو تناسينا الممثلين الغير معروفين، فإنه يوجد في هذا الكاست أمثال إيان مكشين وغيليان أندرسون، إثنين من أعظم ممثلي التلفزيون، الأول مشهور بشتائمه الكثيرة في ديدوود والثانية هي تجسيد حقيقيّ لميديا إذا سبق لك ورأيت كمية الاعجاب المهولة التي تحضى بها على الانترنت، والتي تشابه نوعاً من العبادة.
والأفضل من هذا كله، نيل غايمان موجود في المشروع ومرتبط به جداً، وإذا كان هو بعد أن أحبط بالبايلوت المبدأي والقص الكثير الذي تعرضت له روايته الغالية، وغيّر رأيه فيما بعد عندما رأى الشكل الكامل للعمل وكيف ينسجم مع بعضه، فأنت أيضاً يمكنك أن تغير رأيك، وربما لن تحتاج موسماً كاملاً لذلك.
أما Starz فمن الواضح أنها لم تقصر فيما يخص تمويل المسلسل، كمية المال المصروفة في الترويج لوحده تُبرز بوضوح أنه لم يتم إدخار أي فلس في سبيل إخراج هذا المسلسل بالشكل الذي هو عليه.
طبعاً لدي مخاوف حول المسلسل، طريقة التصوير أجدها غريبة ولا أفهمها كلياً، وهناك أشياء كثيرة تجعلني أتوقف لاتسائل كيف سينجحون في فعل هذا أو ذاك، لكنني مستعد لاستقبال هذا المشروع بالأحضان، لأنه أياً ما كان ما صنعته Starz فهو بالتأكيد أفضل من أن تجلس الرواية لدى قناة تخاف أن يختلط الأمر على الناس بين الألهة والأديان، والنهود والتنانين.
سؤال أخير: هل ستكون هناك تغطية؟
أنا مرعب من الفكرة، لا أعرف ما سيمكنني أن أكتب عنه أصلاً، الأمر سهل مع الثرونز لأنه مسلسل مباشر ومعظم الحديث يكون عن الأحداث، الأمر مختلف هنا لكنني متحمس لاستكشاف هذه الفكرة معكم، فقط لأثبت لكم أنني أستطيع أيضاً الحديث بالسلب عن الأشياء التي أحبها إن استلزم الأمر ذلك.
لذا، نراكم في 30 أبريل.