غيم أوف ثرونز، الموسم 8 الحلقة 3: الأمير(ة) الموعود(ة)

”اطعنيهم بالجهة المدببة“، ”ماذا نقول لإله الموت؟“ والمزيد في حوارات هذا الأسبوع على راديو الثرونز، الإذاعة الوطنية التي تقوم بإعادة تكرير أشياء من مواسم مضت لأن الكتاب يعجزون عن كتابة حوارات جديدة تخلد في الأذهان.

بعد حلقتين من تبادل التحايا والمجاملات، تبدأ الأمور بالتحرك في الموسم الثامن والأخير من غيم أوف ثرونز في المواجهة الكبرى بين الخير والشر. لطالما كان الثرونز قصة عن بشر في عالم خياليّ مليء بالسحر والمخلوقات العجيبة، حلقة هذا الأسبوع كانت نوعاً ما خاتمة للقصة الخيالية في المسلسل، مما يعني أنه بعد هذه النقطة سيعود البشر ليكونوا نقطة التركيز بدل السحر والتنانين، وإذا نظرنا لها من هذا المنظور فهي نهاية مرضية إلى حد كبير، المسلسل قام بإعطاءنا سلسلة من النبؤات وقام بتحقيقها في الأخير، لا يمكنك الاعتراض حقاً على ذلك. كما قام المسلسل بنفس الوقت بإعطاء بعض الشخصيات نهاية تليق بها، وقتل بعض الشخصيات الأقل شأناً والتي كانت لتثقل كاهل القصة لو بقيت على قيد الحياة، وهذا شيء أخر لا يمكنك أن تعترض عليه.

أحببت جداً أن المسلسل حرص منذ بداية الحلقة على رفع نسبة الخطر وتصعيب المأمورية على شخصياته بحيث يبدو الأمر مستحيلاً، وهذا منطقي، فمهما كثرت أعداد جنود وينترفل فإنه من غير المعقول أن يتفوقوا عددياً على جيش من الأموات الذين تم إعادة إحياءهم، كونهم أمواتاً لا يشعرون وتفوقهم العددي يعني أن الأمر مستحيل منطقياً، المسلسل لم يخرج عن هذا وحرص فوق ذلك على ان يتصرف الموتى الموتى كالموتى، أي يخمدون النار بأجسادهم ويتسلقون فوق بعضهم البعض ويقفزون من الاعالي بدل النزول من الأدراج، هذه كلها كانت أشياء جيدة من بين عدة أشياء جعلت اخراج هذه الحلقة جيد للغاية، اذا ما استثنينا القرار الاخراجي بجعل الحلقة مظلمة للغاية لدرجة يصعب بها مشاهدة أي شيء يحدث في أغلب أوقات الحلقة.

لكن كلما انقضى وقت أكثر في الحلقة كلما نقصت هذه الأشياء التي جعلت بداية هذه الحلقة رائعة، حيث انجلى ذلك الشعور بالخطر بسرعة بعد رؤية العديد من الشخصيات وهي تنجو مراراً وتكراراً من لحظات مميتة وكأن المسلسل لا يعرف هل يريدنا أن نعتقد أنها ستموت أم أن نعتقد أنها لن تموت أبداً، بنهاية المطاف المعركة كلها صارت هوليوودية وفقدت متعتها. بدل التركيز حول الأشياء السيئة، لنركز على الأشياء الجيدة في الحلقة (وهي كثيرة).

لنبدأ بأريا، أزور أهاي، الأمير الموعود الذي اتضح أنه أميرة. هذه من أقدم أساطير قصة جورج مارتن والتي خلقت الكثير من النظريات بحيث يمكنك أن تبحث عن (إسم أي شخصية في القصة) + ”أزور أهاي“ في جوجل وستخرج لك نظرية كتبها شخص ما مقتنع حقاً أن فطيرة ساخنة هو أزور أهاي. المسلسل اختار أريا (هذا لا يعني بالضرورة أنها أزور أهاي في الرواية) لتكون الأمير(ة) الموعود(ة)، وهو تويست جميل بحيث قتلت ملك الليل بنفس الخنجر الذي بدأ هذه الحرب كلها. الخنجر الذي أرسله الخنصر ليقتل به بران، وألصق التهمة بالزعبوب، الذي اعتقلته كايتلين مما أدى إلى جايمي بمهاجمة نيد ستارك في شوارع بوريال وهو ما ساهم في اندلاع هذه المصيبة برمتها، والذي بنهاية المطاف قتل به الخنصر وكان السلاح الذي أنقذ الستاركيين ومن معهم من موت محتم. هل قصد الكتاب أن يحدث هذا كله بهذه الطريقة ليؤدي إلى هذه النهاية الشاعرية؟ أم أنني أحاول الحفر عميقاً لإيجاد معنى شاعريّ أقنع نفسي به بأن هذه الحلقة جيدة؟ ﻻ أعلم.

توقعت أن تكون أريا هي من تقتل ملك الليل او أن تكون ذات دور مهم في قتله على الأقل، خصوصاً بعدما طلبت سلاح خاص بها، هذا يعني أنه الكتاب يرونها مهمة في هذه الحرب لدرجة أن يكون لها سلاح خاص بها (حتى وإن لم يكن هذا السلاح هو ما قتل به ملك الليل)، لكن هذه التوقعات لم تتأكد لدي إلا بعد ظهور ميليساندري فتذكرت نبؤتها تلك. لم أكن أحتاج لأن أتذكر ذلك ﻷن المسلسل قام بتذكير الجميع بنفسه، الأمر الذي أخرج عامل المفاجئة تماماً من هجوم أريا على ملك الليل وهو ما فاجئني في الحقيقة، لماذا قام المسلسل بإفساد مفاجئته بنفسه؟ هل حب الكتاب لتكرار جمل المسلسل القديمة يفوق حبهم للمفاجئات؟ غريب.

لطالما كانت ميليساندري من شخصياتي المفضلة بالمسلسل لأنها شخصية فريدة من نوعها بحيث أنها شخصية تتسبب في الكثير من الأشياء لكنها لا تقرر ما تفعله، بل إله النور هو من يقرر. هي إذاً امرأة طيبة قامت بأشياء مريعة في سبيل إنقاذ العالم، أو مجرد امرأة شريرة قامت بأشياء مريعة للأسباب الصحيحة، شيء من هذا القبيل. هناك صراع دائم بين الخير والشر والصالح العام داخلها، كما أن نبؤاتها الكثيرة تجعلها شخصية غامضة وبذلك مثيرة للاهتمام على الدوام. مع ذلك، تم إعادتها للقصة في هذه الحلقة لكي تكون، حرفياً، ولاعة. هذه الشخصية الكاريزماتية الغامضة تم اختزالها إلى عود ثقاب. إهانة كبيرة، وزد على ذلك طريقة موتها الغريبة التي لم يمنحنا المسلسل أي تبرير لها أو طريقة لفهمها. لقد جلست أحدق في الشاشة أحاول أن أفهم، هل اختارت ميليساندري أن تموت؟ هل حياتها كانت مرهونة بإنقاذ العالم؟ ماذا حدث بالظبط؟ إذا هاهنا ترقد ميليساندري، امرأة مليئة بالأسرار وموتها سرّ كذلك، الليل حالك ومليء بالمهالك.

لحسن الحظ، أعطى المسلسل الشخصيات الأخرى نهايات لائقة، بالذات جوراه الذي مات وهو يدافع عن ملكته. لطالما وجدت قصة شخصية جوراه حزينة جداً، فارس يعشق ملكة لا تبادله المشاعر ولكنه رغم ذلك مستعد ليفعل المستحيل لأجلها ومهما ركلته بعيداً يعود لها في النهاية، هذا شيء حزين، حب جوراه كان نقياً، هذا النوع من الحب الذي نسخر منه في أيامنا هذه بحيث يعتبر كل من يحب هكذا مغفلاً. المشهد كان جميل جداً وإخراجه متقن، وفي هذه اللقطة أظهرت إميليا كلارك قدرة تمثيل وكيمستري تفوق بكثير أياً من مشاهدها مع كيت هارنتون، لقد أعطت المشهد ثقلاً مضاعفاً. الآن ستندمون جميعاً، خصوصاً انتم الذين سخرتم من جوراه، لم يعد هناك فارس لينصح دينيريس بالعزوف عن قراراتها المجنونة، لا أحد ليحمي مملكتكم الصغيرة من بطش التنانين، إذا كانت دينيريس فعلاً ستتحول إلى شخصية شريرة كما أتوقع (ويتوقع أغلبية الجمهور، حسب استطلاعات تويتر وفيسبوك التي قمنا بها) فإن وفاة جوراه ستكون سبباً كبيراً في ذلك. أنظروا إلى حاشية دينيريس، كلهم غرباء عنها، جوراه هو الوحيد الذي كان ولاءه دائماً لها، الآن ستندمون.

ثيون كذلك حضى بنهاية مرضية لشخصيته، بعد كل الأثام التي اقترفها حصل أخيراً على فرصة للمغفرة بافتداءه في سبيل حماية بران ستارك. نهايته كانت جميلة لأنه مثل جوراه قصته حزينة واستحقت نهاية لائقة، الميت لا يموت أبداً. بيريك كذلك مات في خدمة الإله الذي أعاده للموت مرات عديدة، وكونه مات في سبيل حماية الشخص الذي خلص وينترفل من الموت المحتم فإن وفاته أيضاً حملت ثقلاً عاطفياً مهماً بالرغم من أن مشهد موته لم يحتوي على موسيقى حزينة تخبرنا بذلك.

العامل المشترك بين كل هذه الوفيات هي أنه كان لها مبرر منطقي ووزن عاطفي وهدف تخدمه، أي أن ما أحزننا ليس وفاتهم بل للسياق التاريخي الطويل خلف وفاتهم، 8 مواسم من السياق، هناك معنى لوفاتهم. ملك الليل لا يملك أياً من هذا، هو بالكاد يملك حوارات فما أدراك بسياق وتاريخ، ما الذي يجعلنا نهتم له ولهذه المعركة؟

بقية الشخصيات التي ماتت كانت مجرد عبئ زائد على القصة، ليانا مورمونت كانت شخصية مزعجة أحبها الجمهور لسبب أجهله ووفاتها في قتال ”الصغير ضد العملاق“ (أو داوود ضد جالوت) كانت نهاية جميلة إذا كنت تهتم بتلك الأشياء، إد توليت مات دفاعاً عن سام الجبان (لا يستحق لقب قاتل السائرين والثين في هذه الحلقة)، كان بإمكان المسلسل قتل المزيد من الشخصيات في هذه الحلقة كتورموند، دافوس، بودريك، أو دودة رمادية، الذي خرج من المعمعة حوالي 3 مرات أو أكثر بشكل يثير الاستفزاز. موته كان سيعني أن ميساندي هي الشخص الوحيد المتبقي الوفيٍ لدينيريس، ربما سيموت في المعركة التالية بحيث ينال نهاية تليق به هو الأخر (ولو أنني لا أستطيع تخيل نهاية تليق به ﻷنه شخصية بالكاد أهتم لوجودها من الأساس وأمقت محور علاقته مع ميساندي). عندما تنظر إلى مقدار الشخصيات الرئيسية التي ظلت على قيد الحياة بعد هذه الحلقة يبدو جلياً بشكل أوضح ما كنت أقوله حول أن الحلقة بدأت بمستوى خطر مرتفع والذي تقلص بأعجوبه بحلول منتصف الحلقة.

دافوس ظل على قيد الحياة لكي نراه يشاهد الساحرة الحمراء وهي تموت، جون ودينيريس بقيا على قيد الحياة لأن المسلسل يحتاج شخصيات تركب تلك التنانين الباهظة التكلفة، جايمي لأن بران يراه مهماً لسبب ما (سيقتل أخته ربما؟ خصوصاً عندما يكتشف أنها أمرت بقتله)، بريان لأن جايمي يحتاج شخصا ليحبه بعد اخته، بودريك ﻷن شخصاً ما يحتاج أن يغني موالاً عن موتى الحرب، سانسا وتيريون لأنه ربما يحاول المسلسل أن يعيدهما لبعضهما البعض (لا أمانع ذلك في الحقيقة، ذلك المشهد بينهما كان جميل)، ساندور لأنه لا يزال أمامه قتال منتظر مع أخيه (والذي سينتصر فيه على الأغلب… ويموت بنفس الوقت، ربما)، غيندري لأنه لو مات لكان مشهده مع اريا في الحلقة السابقة عديم الفائدة… الخ، هناك الكثير من الشخصيات ولا تزال أمامنا 3 حلقات… حسناً، ربما هناك شيء من الحكمة في عدم التضحية بهم جميعاً في هذه الحلقة.

كتلخيص للموضوع برمته، احتوت القصة على الكثير من الشخصيات الرئيسية المتنازعة فيما بينها فلذلك كانت هناك حاجة إلى إعطاءهم جميعاً هدفاً واحداً يجمعهم ويوحد صفوفهم، لهذا السبب تم اختلاق ملك الليل والغراب ذو الثلاثة أعين وكل هذا الحوار الفنتازي. لقد كان الأمر برمته تشتيتاً مطولاً عن اللعبة الحقيقية التي هي لعبة عروش، وعلى حسب مقدار استمتاعك بالمعارك والعوامل الفنتازية في المسلسل فإنه سيختلف تقديرك لهذا التشتيت، هل كان شيئاً جميلاً في حد ذاته أم أن الموضوع برمته كان مضيعة للوقت؟ هل كان ملك الليل مجرد فزاعة؟ هناك أسئلة كثيرة تنبثق بعد نهاية هذا المحور الطويل، جوابها يعتمد مباشرة على مدى رضاك عن ما أل إليه.

من الأفضل أن لا نقوم بالتدقيق كثيراً في الأحداث، أو في الأمر برمته في الحقيقة، لأن التدقيق سيؤدي بنا إلى الإحباط فقط بينما نتسائل لماذا لم يمكن قتل ملك الليل برمح أو سهم مجهز بزجاج التنين؟ أو لماذا لم تؤذ ملك الليل نار التنين بينما قتله خنجر من صنع بشريّ؟ لماذا كان هناك عملاق واحد فقط؟ لماذا كانت الخطة تتطلب أن يضرم التنين النار في الخندق بدل البشر؟ ماذا كان الهدف من وجود ذئب جون سنو في الحلقة؟ اسئلة كثيرة من هذا النوع ستنبثق وستجعل المرء ينفعل وحسب، فلنركز بدلاً من ذلك على الأشياء الجيدة، بعض الشخصيات حصلت على نهايات مرضية، تخلصنا من محور ملك الليل ويمكننا العودة لمحور البشر، الموسيقى التصويرية كانت رائعة، ولدينا الكثير من الأشياء الجيدة التي يمكننا التطلع لها بعد أن اختتم هذا المحور، من بينها البرنامج الحكومي الذي سيقوده وزير الحدادة والتجديف غيندري والذي سيحرص على تذويب العرش الحديدي وتحويله إلى سحابات بنطلون لتسهيل عملية التعري لأجل الجماع.

الكل في الكل، قدم Game of Thrones أفضل حلقات The Walking Dead لحد الساعة. لكن حقاً؟ ميليساندري؟ ولاعة؟ بربكم!

في الحلقة المقبلة

التريلر يقول: معركة، معركة، معركة. خبرتي تقول: المزيد من النوستالجيا، تحضير وتمهيد.