يستمر الموسم الأخير من Game of Thrones في رحلته عبر كل النغمات الكلاسيكية للمواسم السابقة، في هذه الحلقة: ”الأشياء التي نفعلها من أجل الحب“، ”لدى الموت عدة وجوه“، ”أموت في فراشي ببطن مملوء بالنبيذ وفم فتاة على فضيبي“… الخ.
النوستالجيا مخدر فعال، جرعات صغيرة منه كافية لخلق أجواء رائعة، لكن إذا أكثرت منه فإنه يفقد مفعوله بسرعة. هاتين الحلقتين من Game of Thrones كانتا مجموعة من اللحظات النوستالجية المتتالية، فور ما ننتهي من لقاء بين شخصيتين قديمتين نرى شخصيتين أخريتين تقومان بروتين ”شاااف من عاشك يا صاح“ لدرجة فاقت قدرتي على الاستحمال، أيعقل أن هذا هو Game of Thrones الذي نحبه ونعشقه؟
أعتقد أنه من العادل افتراض أننا نشعر جميعاً عند هذه النقطة بأن المسلسل فقد بعضاً من لسعته، هذا راجع لأن كل المشاهد وكل الشخصيات أصبحت أليفة وطيبة، حتى سيرسي أصبحت ترضخ لمطالب يورون. السبب في هذا هو أن الشرير في هذه الحالة هو كائنات غير بشرية فلذلك هي غير مثيرة للاهتمام ﻷنها أحادية البعد، وجودها في القصة هو فقط لتكون خصماً للشخصيات الرئيسية. هل تذكرون جوفري؟ رامسي؟ شخصيات متعددة الأبعاد والتي قضينا معها وقتا طويلاً بما يكفي لتتكون لنا مشاعر تجاهها، نكرهها، نفهمها، ونفرح لسقوطها. لا يمكنني التكلم بإسم كل المشاهدين، لكنني شخصياً لا أهتم لملك الليل لأنني لا أعرفه، لا أفهمه، وربما أشجعه قليلاً ﻷنني قتلني الضجر من هذه الشخصيات التي لم تفعل أي شيء خلال حلقتين سوى الغناء وشرب الكحول وتبادل نظرات مليئة بالارتياب لبعضها البعض، رجاء اقتلهم يا ملك الليل وخلصني منهم. ما زاد الطين بلة هو أن هذه الحلقة استقرت كلياً في وينترفل ولم تلق نظرة على سيرسي أو أي محور أخر.
لنبدأ بأفضل مشاهد الحلقة: فراسة بريان تارث. بدأت كمزحة وانتهت كمشهد قوي ومؤثر، قوة المشهد تتجلى في أن هذا اللقب هو شيء كان تطمح له بريان بشدة وكون جايمي، الشخص الذي تكن له مشاعر ﻻ تعرف ماهيتها، هو من أعطاها هذا اللقب يجعله أمراً جللاً بالنسبة لها. ما أحبه في بريان هو أنها لا تزال لحد الساعة لا تعرف كيف تتعامل مع نظرة الرجال لها، بعد أن كانوا ينظرون إليها باشمئزاز واحتقار، هاهي الآن في رفقة رجال يحترمونها، في حالة البعض، ومغرمون بها، في حالة البعض الآخر. هذا الأمر لا يمكنه أن يبدو جلياً اكثر من حوارها مع جايمي خارج القلعة حيث تنتبه أنه لم يتلفظ بأي شتيمة تجاهها، لأنها لا تتخيل أي عالم يعقل فيه أن يكلمها رجل أخر بدون ازدراء، خصوصاً رجل وسيم مثل جايمي. شيء أخر أحبه في بريان وهو التعابير الوجهية التي تعلي وجهها كلما قال تورموند شيئاً ما، وكأنها شمّت للتو ريحاً أطلقه شخص ما في نفس الغرفة.
آه وتورموند، دعونا لا ننسى هذا الرجل وقصته الرائعة التي جعلتني اشتهي بعضاً من حليب العمالقة رغم أنني لدي حساسية من اللاكتوز. من الواضح أن بريان ليست مهتمة بتورموند لكنها بنفس الوقت لا تعرف كيف تتعامل مع مغازلته المستمرة لها، وهو شيء يذكرني باقتباس جميل من كتاب اخر ”الشيء الوحيد الأسوء من فتى يكرهك: فتى يحبك“. لو كان حصل شيء ما بين بريان وتورموند في هذه الحلقة فلا أعتقد أن أي أحد منا كان ليمانع، هذه ليست قصة حديثة العهد وتم الاشارة لها في عدة مناسبات، للأسف لا يمكن قول المثل عن غيندري وأريا، الذي كان مشهدهما أسوء شيء في الحلقة.
لا أعرف ما الهدف من الموضوع برمته، بجانب كونه بلا مقدمات وﻻ تبريرات، هذه العلاقة لا تقدم القصة بأي شكل وﻻ تضيف اي شيء للحلقة، ﻻ أحد كان يطالب بعلاقة جنسية بين هذين الإثنين، كما أن أريا ﻻ تزال تبدو طفلة وغيندري يبدو كرجل ناضج مما يجعل الموضوع يضايقني بشكل أكبر. المشكل يتعدى هذا، إذ أن شخصية أريا التي أصبحت، لغياب لفظ عربي ملائم، always-on بحيث تدخل كل مشهد بشيء ما لتثبته سواء عبر رمي الخناجر أو قول جملة تجعلها تبدو قوية وفهيمة، بصراحة ﻻ أفهم الهدف من هذا بل إنه ينتزع مني ردة فعل مضادة بحيث أصبح متضايقاً من شخصية أريا أكثر مما أنا مبهور بها. هل الفكرة هنا هو أن أريا لا تقوم بالأشياء الغزلية أو الرومنسية؟ إذا كان الأمر كذلك فإنه يتطلب الامر ممثلة أفضل بكثير من مايزي، أنا متأكد أن كاريس (ميليساندري) كانت لتصنع مشهداً أفضل من هذا في نفس السيناريو. آه، بالمناسبة، أين ميليساندري؟ كنت أمني النفس بأن نلقي نظرة عليها في هذه الحلقة، لكن يبدو أنها مشغولة بحرق الأطفال في مكان آخر.
الأمر الذي يتركنا مع دينيريس، التي اخذت حيزاً كبيراً في هذه الحلقة، والتي قد لاحظ بعضكم، كما أشرت مرات عديدة في المواسم الماضية، أن الكتاب يفعلون كل ما بإمكانهم لجعل شخصيتها مقيتة ومكروهة، وهو أمر أثار حيرتي لفترة طويلة لكنني ربما بدأت أفهم الهدف منه باعتبار اننا نقترب من النهاية. إذ حسب ما يبدو لي، فإن الكتاب يهيئون دينيريس لتصبح الشخصية الشريرة في نهاية المطاف، شريرة أكثر من سيرسي على الأرجح. الأمر ليس حديث العهد وإنما تراكمي منذ عدة مواسم، في كل مرة تقوم دينيريس بشيء صغير غبي أو مزعج مثلما فعلت في هذه الحلقة مع تيريون بحيث كانت على وشك أن تطرده بعد أن أخطأ بالرغم من الخدمات الكثيرة التي اسداها لها، وتطلب الأمر ان يتدخل جوراه لكي يقنعها بذلك. جايمي كذلك قام بالتشكيك في شخصية دينيريس وكونها مختلفة عن أبيها الملك المجنون.
أتعاطف قليلاً مع دينيريس، اذا ركزتم على شخصيتها في كل مشهد، المسكينة تبدو وحيدة في هذه البلاد الغريبة، جون سنو يهرب منها في كل مشهد ﻷنه يخشى مواجهته بحقيقة والديه، سانسا تكرهها لأنها تخشى على مصير الشمال، وتقريباً كل شخص أخر غيرها في هذه القلعة لديه شخص أخر يعتمد عليه، سواء لأنهم يعرفون بعضهم البعض منذ وقت طويل أو تربطهم علاقة دم، فيبدو وكأن الجميع ينحاز ضدها، حتى عندما جاء ثيون وخاطبها بصفتها ملكته جائت سانسا لتعانقه، لذلك يمكن تفهم وجهة نظرها نوعاً ما وكيف يمكن لشخص في مثل مكانتها أن يشعر بأنه محاط بالخونة، حتى جون — ثاني شخص تحبه في حياتها — يبدو وكأنه غدر بها عندما صارحها أخيراً بكونه تارغيرياً. بطبيعة الحال ستشكك في ما قاله، هذه ردة فعل طبيعية، الغير طبيعي هو أن كونها تجامع ابن أخيها لم يزعجها بقدر ما أزعجها كونه أحق بالعرش منها حسب تقاليد ويستيروس. ياجماعة، سيبكم من العرش الحديدي، أنا ﻻ أزال عند اقتراحي بأن يتم تذويبه وتحويله إلى ملاعق، أشواك، وسكاكين يتم توزيعها على المواطنين الناجين من المعركة عن طريق برنامج حكومي يقوده وزير الراحة والسياحة سامويل تارلي.
آه سامويل، لطالما اعترفنا في هذه التغطية بلقبه ”سام السمين قاتل السائرين والثين“ وأخيراً نراه ينال هذا الاعتراف رسمياً في المسلسل، نوعاًً ما، الرجل هو أول من قتل واحداً من السائرين واكتشف القوة الخفية لزجاج التنين. مشهده مع جوراه وإعطاءه سيفه الفاليريّ له كان أيضاً من المشاهد الجميلة في هذه الحلقة، وفي أي حلقة أخرى كان هذا المشهد كان ليكون أمراً جللاً، لكنه جاء في حلقة مليئة باللفتات الطيبة بحيث تشبع المرء من الطيبوبة.
واحدة من الشخصيات التي انا متفاجئ منها هذا الموسم هي سانسا، أحاول أن لا أتذكر الموسم الماضي وكيف جعلنا الكتاب نقضي موسماً بطوله نتسائل هل سانسا ذكية أم غبية أم ماذا بالظبط، يبدو أنهم قرروا أخيراً أن سانسا ذكية والنتيجة أن شخصيتها أصبحت أفضل بكثير ولها حضور قوي في المشاهد التي تظهر فيها، يمكن النظر إلى شخصيتها والقول أن هذه شخصية مرت بالكثير من التجارب السيئة التي جعلتها ترتاب من الجميع لسبب وجيه، تابعنا شخصيتها تتطور عبر المواسم وهذا يعطي المشاهد شعوراً بأنها اكتسبت أن تكون في هذه المكانة وبهذه القوة، وهكذا فإن شخصيتها أصبحت من بين أفضل شخصيات القصة حالياً وربما الشخصية المفضلة لدي من بين الشخصيات المتبقية (فقط ﻷن فطيرة ساخنة لن يظهر بعد الآن في المسلسل عى الأرجح).
في الكتب الأخيرة من السلسلة شخصيتي المفضلة كانت هي جايمي، جورج مارتن قام بتطوير شخصيته بشكل رهيب بحيث عندما نراه أخيراً يقوم بترك سيرسي تكون تلك لحظة مفصلية في شخصيته وأمراً جللاً، وفي كل موسم كنت أتأمل متى ستحدث تلك اللحظة في المسلسل، لكن عندما حدثت أخيراً كان الأوان قد فات ولم يعد الأمر مهماً حقاً ﻷن المسلسل حالياً في مكان به الكثير من الأمور الأكثر أهمية في طور الحدوث، بحيث يبدو ترك جايمي لسيرسي شيئاً صغيراً وغير ذا أهمية. رغم ذلك، بران (أو الغراب ذو الثلاثة أعين) يخلد رحلة تطور شخصية جايمي بجملة جميلة للغاية ”لو لم تدفعني من تلك النافذة لبقيت نفس الرجل وبقيت أنا بران ستارك“. في ذلك المشهد يتحدث الإثنان عن مابعد المعركة، بران يقول شيئاً حول احتمالية وجود ”بعد“، وهو شيء غريب، هل يقصد أنه لا توجد ”ما بعد المعركة“ للجميع أم لجايمي فقط؟
قبل أن نختتم هذه المراجعة، أعتقد أنني لست الوحيد الذي تفاجئ بمدى عذوبة صوت بودريك، الرجل يملك صوتاً جميلاً جداً، من يحتاج إد شيران عندما يكون لديك بودريك؟ يتضح أن بودريك لديه أكثر من سرّ، الآن كل ما يجب على المسلسل هو أن يخبرنا بسره الأخر.
الكل في الكل أعتقد أنها كانت حلقة لابأس بها باعتبار أن عيبها الوحيد كان مشهد جنسي لا داعي منه. من الواضح أن المسلسل لم يكن يريد أي شيء من هذه الحلقتين سوى تكوين بعض المخزون العاطفي لدى المشاهد لكي يتعلق قليلاً بهذه الشخصيات بالقدر الكافي ليهتم بما سيحدث لها في معركة الحلقة المقبلة، لكن لا أعتقد أن محادثة واحدة بين ميساندي ودودة رمادية حول ما سيفعلانه بعد الحرب ستجعلني أتعاطف معه أو أهتم لما يحدث له، خصوصاً وأنني لا أزال منزعج من محورهما ذاك برمته و الحيز الذي اخذه في حلقات المواسم الماضية. لكنني متأكد أن الكثير من المشاهدين الذين لا يضطرون للحديث عن المسلسل بشكل مطول في مقالات أسبوعية يتعاطفون مع الكثير من هذه الشخصيات وسيحزنهم أن تموت إحداهم في الحلقة المقبلة. شخصياً، سأكون حزيناً إذا لم يمت ما يكفي منهم.
في الحلقة المقبلة
هل سيركب جون تنيناً؟ كيف سيثبت جون لداني أنه تارغيريّ حقاً؟ هل أهتم؟ ﻻ أبداً.