إذا كنت قد سألتني في أي وقت من الشهور الماضية حول الشكل الذي سيتخذه American Gods كمسلسل تلفزيونيّ، ”مسلسل بطيء“ لم تكن حتماً لتكون إجابتي الأولى، لكن ها نحن ذا، أمام مسلسل لا أستبعد أن يكون أبطئ شيء على التلفزيون حالياً.
ليس وكأن هذا شيء سيء، البطئ يعني في غالب الأحيان أن المسلسل يركز على بناء الشخصيات وعالم القصة بهدف جعل المشاهد يفهم الشخصيات ودواخلها مما سيمكنه من الشعور بشيء ما (حب أو تعاطف أو كره…) تجاه هذه الشخصيات عندما تبدأ الأحداث بالحدوث لها أو حولها. توجد أيضاً عدة أمثلة عن مسلسلات استطاعت، بشكل شبه مثاليّ، الموازنة بين بطئ تطوير الشخصيات وسرعة الأحداث، أي أنه من الممكن — في حالات معينة — أن يتحرك المسلسل من دون أن يضحي بلب شخصياته. وهنا حيث يجد American Gods نفسه في معضلة حقيقية.
هناك الكثير من الشخصيات، الكثير من المفاهيم، الكثير من الدوافع والدواخل، لكن وقت قليل وشخصيات متباعدة عن بعضها البعض، مما يجعل تأثيرها على السير العام للقصة — خصوصاً عند هذه النقطة في القصة، البداية — صغيراً ومحدوداً جداً. في حلقة هذا الأسبوع، المسماة ”عطر الليمون انت“ (حسب ترجمة بعض الفلاسفة) يحاول المسلسل حلّ هذه المشكلة بجمع طرفيّ القصة المتنازعين في مكان واحد، ممكناً الجمهور من الحصول على فكرة أفضل (لكن ليست أوضح بكثير) حول عماذا يدور هذا المسلسل بحق الجحيم.
تفتتح الحلقة بمشهد أخر من ”القدوم إلى أمريكا“، حيث نرى هجرة مواطنين من سيبيريا إلى أمريكا الشمالية أخذين معهم إلههم، وكيف أن ذلك الإله مات عندما تم نسيانه من طرف المستوطنين. هذه الثيمة هي من بين الثيمات الرئيسية حول شخصية السيد أربعاء، الذي يخشى — فوق كل شيء — النسيان. كعادة مشاهد ”القدوم في أمريكا“، المشهد غير مرتبط بأي شيء من باقي الحلقة (أو باقي المسلسل، في الحقيقة) ولا يخدم أي هدف سوى تلك الاضافة الصغيرة التي يقدمها لتجربة American Gods الكلية.
نعود بعد ذلك مباشرة للنزل الذي تنتظر فيه لورا زوجها شادو ليعود. عندما يفتح الباب، يجد شادو نفسه أمام امرأة تركها 6 أقدام تحت الأرض، فلذلك ردة فعله الطبيعية هي أن يتسائل ما إذا كان ما يراه حقيقياً. طوال 5 حلقات لم يفعل شادو سوى التسائل ”هل هذا حقيقيّ؟“ في كل مرة يحدث له شيء، وكأن هذا أقصى ما يمكنه أن يفعل، وللمرة الوحيدة على الإطلاق يتجاوز حدود السؤال ويرمي بوساد على زوجته ليتأكد فعلاً أنها حقيقية. إنه أمر مبغض في الحقيقة، وكأن كتاب المسلسل يعجزون عن كتابة أية حوارات ذكية لهذه الشخصية تتضمن شيئاً أكثر من مجرد السؤال ما إذا كان شيء ما حقيقياً. أعني، قد ننتقد ريكي ويتل قدر ما نشاء، لكن يجب أن نضع بعض اللوم كذلك على الكتاب الذي لا يمنحونه المادة الكافية ليعمل بها في بعض الأحيان.
لأول مرة نرى شادو يقوم برد فعل، ونرى أداء مميز من ويتل أمام لورا إميلي براونينغ، التي تحاول — مثلما فعلت مع أودري — تجاوز الحديث عن خيانتها مستخدمة معجزة عودتها للحياة، لكن لا شادو ولا أودري يجدان الأمر مبهرا كفاية لتناسي خيانتها البشعة. يجد الإثنان في الأمر برمته فرصة للتشكيك في كل الاشياء التي كانوا يعتقدون أنها مسلّمات في الحياة والموت، لكن إن كانت لورا تظن أن عودتها للحياة كانت بهدف كسب مسامحة شادو، سيتطلب الأمر منها معجزة أكبر من مجرد العودة من الموت.
في مكان آخر من النزل، يتلقى السيد أربعاء زيارة من أحد غرابيه، في ما أعتقد أنه أكثر مشهد مضحك للسيد أربعاء لحد الساعة. الأمر الذي يثبت ان نظريتي حول الغربان في الحلقة الماضية صحيحة وأن السيد أربعاء لديه أعين في كل مكان، أعني ”في كل مكان“ قد تبدو مبالغة لكن انتم تفهمون مقصدي. السؤال يبقى الآن: بماذا أخبر الغراب السيد أربعاء؟ قدوم لورا؟ قدوم الشرطة؟ أم شيء أخر كلياً استدعى السيد أربعاء ليفصح عن بعض الأجوبة لرفيقه وحارسه شادو مون؟
نكتشف في هذه الحلقة أيضاً لماذا كان يختبئ شخص يفترض أنه قوي وجبار مثل السيد أربعاء من كاميرات المراقبة في البنك: الألهة الجديدة. نظراً لقوتهم الاعلامية والتكنولوجية والعالمية، تملك الألهة الجديدة وصولاً غير محدود للمعلومات، وصول يمتد أبعد بكثير من السيد اربعاء وغرابيه، فلذلك بائت محاولة هذا الأخير بالفشل وتم اقتيادهما لمحطة الشرطة رهن الاعتقال، حيث يلتقون لأول مرة وجهاً لوجه بالعدو.
يتعرض الفتى التقني للاختطاف من طرف ميديا، التي تظهر في هذه الحلقة بمظهرين، الأول هو ديفيد بوي، مغني وممثل بريطانيّ مشهور، والثاني هي ماريلين مونرو، أشهر مغنية أغنية عيد ميلاد في التاريخ. في لقائها بالفتى التقني، تظهر ميديا بهيئة شخصية زيغي ستارداست التي ابتدعها ديفيد بوي لألبومه الخامس، لتطلب من الفتى التقني، باستخدام أكبر قدر من الاستعارات من كلمات أغاني الألبوم ذاته، أن يعتذر من السيد أربعاء ورفيقه. الفتى التقني بغباءه المعتاد لا يستطيع فهم لماذا تعجز الألهة عن قتل الإثنين معاً، غير مدرك أن قتل أي منهما سيكون له تأثير عكسيّ بالكامل، فكما تشرح ميديا: الاستشهاد أداة تجنيد شائعة.
السبب خلف اختيارات المنتجين لهذين الشخصيتين المشهورتين كهيئة تتشخصها ميديا في هذه الحلقة غير واضح بالمرة، أعني من بين كل شخصيات التاريخ لماذا ديفيد بوي لتخاطب الفتى التقني؟ وماريلين مونرو لتخاطب شادو والسيد أربعاء؟ ديفيد بوي أو زيغي ستاردست، هذه شخصيات كانت مشهورة في السبعينات، وبالكاد يكون لديها أي تأثير على الفتى التقني في زمننا هذا، والتحدث بكلمات أغاني الألبوم شيء ذكي لكنه غبي في نفس الوقت، إذا لم تكن من كبار عشاق ديفيد بوي فإن طريقة الكلام تلك تبدو عبيطة للغاية وغير ذات هدف. ثم ماريلين مونرو، إذا كان الهدف من تدخل الثلاثيّ في الاستجواب هو استمالة السيد أربعاء، هل سيقتنع السيد أربعاء بخطتهم من خلال الاغراء؟ ثم الطيران… لا تدعوني أتكلم عن الطيران… الأمر برمته كان بهرجة زائدة ولم تحقق أي فائدة تذكر.
لكن قبل دخول الثلاثي، هناك الكثير من الأشياء في مشهد الاستجواب ذاك تستحق أن ننظر إليها بعمق، بداية بوفاء براين فولر الدائم نحو ممثليه السابقين، بعض منكم يتذكر أن المحققة السمراء التي استجوبت شادو كانت في Wonderfalls، ولا عيب في هذا الوفاء، إذ أن معظم الممثلين المشمولين بهذا الأمر هم ممثلون جيدون. لكن الأهم من هذا هو عودة السيد أربعاء لشخصية العجوز التائه، بادعاءه بأن شادو اختطفه من مكان ما، وأداء إيان مكشين الرائع الذي يقفز من شخصية الإله الواثق والوقح إلى شخصية العجوز التائه بكل سلاسة، هذه قوة تمثيل مبهرة.
عندما يسأله المحقق عن إسمه، يجيب السيد أربعاء مقتبساً قصيدة للشاعر وليام إرنست هنلي حول الحياة والموت، إغراء الحياة ووحشية الموت، أشبه بروتين ”شرطي جيد، شرطي سيء“ الذي نراه في المسلسلات عادة، وربما شبيه قليلاً بما سيحدث تالياً في محطة الشرطة تلك.
أيضاً عندما يسأله عن حقيقة ما كان الاثنان يفعلانه في شيكاغو، يجيب السيد أربعاء بصراحة تامة لأنه يعرف أن لا أحد سيصدق الحقيقة وسيتناسب ذلك تماماً مع شخصية ”المخرف“ التي يلعبها. لكن في باطنها، هذه اللقطة هي محاولة المسلسل الواضحة لتفسير القصة للمشاهد بشكل مباشر جدا، السيد أربعاء يحاول تجنيد ألهة قديمة تخشاها الألهة الجديدة أكثر مما تخشاه، ويضيف، ”رغم أنهم يجب أن يخشوني“. نرى لأول مرة هنا أن أهداف السيد أربعاء هي أنانية قبل كل شيء، هو يخشى النسيان، وقوته ضعيفة الأن لقلة إيمان الناس به، لكن بقوة الألهة القديمة مجتمعة قد تكون لديهم فرصة في إيجاد مكان لأنفسهم في هذا العالم الجديد.
ثم يستكمل حديثه بذكر نانسي، الذي وافق على الانضمام لهذه الحرب نظراً لعلاقة السود السيئة بكل ما تمثله الألهة الجديدة، ميديا على وجه الخصوص؛ و المعتوه سويني، ”اللُبرُكان كان ضد الأمر برمته منذ البداية، لكنه مظلوم، لكونه غبياً لعيناً“، يقول السيد أربعاء، وهو ما يظهر جلياً في المشهد التالي حيث يصل أخيراً إلى النزل الذي لا تزال لورا باقية فيه بانتظار شادو، ليجد أن مهمة استعادة تلك القطعة النقدية ستكون أصعب بكثير مما يتخيل. فبالفغل يبدو سويني مظلوماً في كون وجوده في خطة السيد أربعاء مقتصراً — على ما يبدو — على أن يتعرض للضرب والركل وكافة أنواع المصائب.
وكان من المبهج رؤية أول لقاءات لورا بسويني، التي لأكون صادقاً معكم هي الشيء الوحيد الذي أنا متحمس له من بين الاشياء المضافة للقصة، المشهد كان كوميديّ للغاية والممثلان قدما دورهما ببراعة للغاية، عصبية اللُبرُكان تصطدم بلامبالاة لورا، التي منذ عودتها للحياة أصبحت لا تخشى أي شيء. مستخدمة قدراتها الجديدة، تستخرج لورا بعض الأجوبة من سويني ونكتشف أن السيد أربعاء مكار للغاية ولا يجب أن نثق به. وبقدر ما كانت هذه الإجابات مفيدة لنا في فهم القصة، إلا أنها — وأظنكم تتفقون معي جميعاً في هذا — ليست ممتعة بقدر رؤية لورا وهي تجد سعادة في تعذيب سيرجيو راموس وإبراحه ضرباً والتلذذ في عجزه عن استعادة القطعة النقدية إلا بالطلب والتوسل.
في محطة الشرطة، يتلقى شادو ورب عمله زيارة مفاجئة من ماريلين مونرو، التي تستخرج من شادو ردة فعل تفوق أكثر بكثير ردة فعله على رؤية زوجته الميتة على قيد الحياة، ورب عملها المدعوّ السيد عالم. على عكس ميديا والفتى التقني، ماهية السيد العالم غير واضحة ومعقدة كثيراً، لكن من خلال المشهد يمكننا الاستنتاج ان لديه قوة عظيمة جداً ولها علاقة بالعولمة والمعلومات والرأسمالية، وأن لديه قدرة على تغيير وجهه أو التحول، وأن لديه وصولاً غير محدود للمعلومات حول كل شيء وكل شخص.
يقوم الثلاثيّ بعرض بصريّ للسيد أربعاء (لأول مرة يُذكر في المسلسل إسمه الشائع: أودين) في محاولة لضمه إلى صفوفهم وتفادي حرب لا يريدها أحد، لكن أودين ليس من النوع الذي يمكن استمالته بسهولة، وسيتطلب الأمر أكثر من مجرد صاروخ وأحصنة كرتون وقوس قزح لجعله يتخلى عن مسعاه. هل يخشونه؟ أتخيل أن بعد هذا اللقاء، السيد أربعاء يظن هذا حتماً، لكن أياً ما كان يعرضونه عليه، فإن السيد اربعاء يظن أنه يستطيع أن يحصل على ماهو افضل بكثر من تلميع صورته لدى عامة الناس.
وطبعاً، عندما يغادر الثلاثيّ الغرفة، يسأل شادو: هل حدث هذا حقاً؟
هناك الكثير من الأشياء الأخرى في هذه الحلقة والتي يتعين عليك إيقاف الحلقة لتفهمها، الكثير من الإشارات والتلميحات والاسقاطات، لكن ما الفائدة من التذاكي عندما يعجز الجمهور عن فهم الاشارات إلى أغاني السبعينات، واقتباس الأشعار، وممثلات الستينات؟
هناك مشكل واضح في النص في هذا المسلسل، الإخراج جميل، المؤثرات البصرية جميلة، الممثلين من عيار ثقيل، لكن لا يتم استخدامهم بالشكل الذي ينبغي باستثناء ربما السيد أربعاء. أعني لديك غيليان أندرسون، لديك كريسبين غلوفر، الذي كان رائعاً في أداءه لكن حواراته كانت غريبة جداً وغير مفهومة أحياناً (ماذا كان ذلك الهراء حول الصلصة؟) وكأن المسلسل يعتمد أكثر على تشخيص غلوفر المعتاد في الأدوار الشريرة لإنجاح هذا الدور دون الاعتماد على قدراته التمثيلية في الحقيقة. لا شيء مما قاله كان مروعاً في الحقيقة، لكن طريقة كلامه جعلته يبدو كذلك… إلى حد معين.. نوعا ما.
وبدأت أشك من هذه الحلقة ما إذا كانت مادة نيل غايمان الأصلية تصلح كرواية أكثر مما تصلح كمسلسل، بغياب اقتباس أخر لهذه الرواية لا يمكننا قياس ما إذا كان هذا اقتباسا ناجحاً أم لا، هناك عيوب في طريقة التقديم، لكن في اللب توجد الكثير من الأشياء الإيجابية، فقط يجب أن تُقدم بشكل أفضل. لنأمل أن نرى تحسنا بحلول نهاية هذا الموسم.
بريفيو الحلقة القادمة
تستمر رحلة لورا وسويني التي من الواضح انها ستكون أكثر شيء ممتع في الحلقات الثلاثة المتبقية، ويلتقي شادو والسيد أربعاء بإله المسدسات: فولكان.