3- True Detective
لربما يندر أن نجد عمل تحقيقات بوليسي حظي بشهرة وشعبية ونجاح نقدي كالذي حظي به العمل الجديد على إتش بي أو والذي كان مخطط له بأن يكون لموسم واحد قصير ! لكن حجم ردود الفعل والجماهيرية اللتي نجح بتكوينها خلال حلقاته الثمان جعلت من القناة أن تقوم بعمل عقد مع مبتكر المسلسل نيك لعقد يمتد لثلاث سنوات! ما سر هذا المسلسل ومالذي جعله يترشح لتلك الجوائز والأهم لماذا إستطاع إقناع طاقم عمل الموقع المتشرط جداً وصعب الإرضاء بوضعه في قائمتنا السنوية لأفضل 15 عمل درامي الشهيرة جداً ! ترو ديتكتيف يتحدث عن جريمة قتل حدثت في لويزيانا في 1995 وهذا ما يفسر طريقة الإخراج التي إنتهاجها المخرج كاري فوجوناوا في تصوير العمل وإختياره لزوايا كامييرا وألوان وإضاءة مناسبة جداً لذلك الزمن ، المثير في الأمر هو أن العمل وعلى الرغم من أنه تنقل بين أزمنة مختلفة طوال الوقت خلال حلقاته الثمان لتتبع خيوط القضية وقصة العمل إلا أنه نجح دائما بالفصل بخط رفيع في درجات الألوان وطريقة الإخراج بين الماضي والحاضر لإبراز الفرق بين الأزمنة للمشاهد وبنفس الوقت أن لا يجعل الأمر مزعج للعين بخلق تباين شديد والحفاظ على روح العمل، ببساطة عند محاول نقل عمل يروي قصة تمتد خلال 17 عاماُ خلال 8 حلقات تواجه معضلة بسيطة في إستطاعة العمل ربط الخيوط كتابياً بشكل جيد بحيث أن لا تفقد الترابط في الأحداث وأن لا تأثر القفزات الزمنية على البناء الدرامي الصحيح للشخصيات وأيضا الحفاظ على قوة الحبكة وهو أمر نجح فيه العمل بشكل ممتاز جداً يحسب له.
الحديث عن الطاقم التمثيلي المتمثل بماثينو ماكونهي و وودي هاريلسون المسلسل أبرز امكانياتهم بشكل كبير، لذلك لا عجب أن محقق حقيقي أعطى من وقت الحلقات الكثير لإبراز هذه الشخصيات وتحليلها بشكل نفسي ممتاز، أعطاهم الوقت لتظهر إنفعالاتهم البشرية على فظائع الجرائم البشرية ولنرى تأثيرات هذه المهنة على حياتهم الخاصة وعلى علاقتهم ببعضهم البعض ! ولكن لم يكن هذا الجانب من العمل متفرد أو غير مسبوق، في النهاية هذا الوتر تلعب عليه الكثير من أعمال التحقيقات المتشابهة في الغالب، ككل الأعمال التي تتناول الجرائم تصر على إظهار فظاعة الحياة من منظور شخصياتها ، لذلك نجد أنه و كلما كتبت الشخصيات بتفرد أكثر نجد أننا أمام قصة متفردة أكثر ، لأن الحياة تنقل لنا من منظورهم هم ولم يكن ترو ديتكتيف في تلك مختلفاً عن غيره، إلا بقدر تفرد شخصياته . لربما إذاً بسبب الجريمة التي يتمحور حولها العمل وتلك الهالة من الغموض والرهبة أو الخوف التي تعتريك حيالها منذ أول نظرة تلقيها على جثة الفتاة العارية المجسدة لشكل قربان بشري ما يقوم به مجنون ومهوس تقرباً من شياطينه ، لكن كما أسمعكم تتمتمون هذا ليس كافياً ليكون مبرراً لشهرته أو نجاحه و معكم كل الحق في ذلك ! لكن الامر هنا لا يتعلق بالرهبة بحد ذاتها ، لكن بطريقة إستخدام ثيمة الغموض المرفوقة بلمسة رعب نفسي من حين لأخر لا يستطيع المشاهد مقاومتها ، فلو أردت رأيي فإن الفضول أحد اعتى العيوب البشرية المهلكة ! لربما ترون أن هذا لا يبرر هذه الشهرة أو هذا النجاح والأمر في النهاية كما هو دائماً عائد لكم لتقرروه بعد أن تشاهدوه.
– عبد الرحمن –