بعد يوم واحد من تجديد الثرونز لموسم خامس وسادس، كتبت مقالاً بعنوان ”خاتمة مسلسلك المفضل مُقيتة, رغم رأيك العظيم فيها“ تحدثت فيه عن تأثير الانترنت على رأي المشاهد في خاتمة المسلسلات الشائعة، الفكرة باختصار (في حالة ما إذا كنت مكسل تقرأ المقال) هو انه كلما زادت شعبية مسلسل ما وكثرت النظريات والتوقعات حوله كلما كبرت نسبة المشاهدين المحبطين من الخاتمة. هذا الأمر ينطبق في غالبه على المسلسلات التي تتبع سرد تقليدي يستلزم الوصول لنقطة معينة، أي أن مسلسلات مثل Mad Men أو The Deuce لا تتأثر كثيراً بهذا الموضوع سواء لأنها لا تولد نفس الكم من التوقعات أو النقاشات ولأنها أقل شعبية من… لنقل Vikings أو The Blacklist.
ما أقصده هو أن شريحة كبيرة من عشاق الثرونز كانوا على موعد مع الإحباط من نهاية المسلسل، قبل سنين من وصولنا لها. أضف إلى ذلك أن طريقنا نحو هذه النهاية كان مليء بالمشاكل في المواسم الأخيرة مما يعني أنه حتى لو كانت النهاية منطقية سيراودنا دائماً شعور بالنقصان لأنها لم تأتِ بطريقة مرضية.
شاهدت حلقة هذا الأسبوع بهذه الافكار في ذهني ووجدت فيها الكثير من الأشياء التي كنت سأكون مسروراً جداً لو تم الوصول لها بشكل متأنٍ ومنطقي، بعض الاشياء التي وجدتها مضحكة، وبعض الأشياء التي اضطررت لتقبلها حتى ولو لم أجدها منطقية. الكل في الكل، المسلسل وجد نفسه — أو وضع نفسه، بالأحرى — مضطراً للقيام بالعديد من المساومات مابين ارضاء الجمهور وختم المسلسل بشكل يثير حنق أقل عدد ممكن من الأشخاص على الانترنت.
شيء اخر يستحق الذكر هو سعي الكتاب في هذا الموسم بالذات بشكل متكرر ومستفز إلى ”مفاجئة“ الجمهور بهدف مفاجئته فقط لا غير، وهو ما يجعله مستفزاً. أنا أتفهم الأمر، هذا المسلسل بنى سمعته على القيام بأشياء لم يجرؤ أي مسلسل أخر على فعلها من قبله، وفعلها مخالفاً لكل توقعات المشاهد، لكن تلك المفاجئات كانت مبررة ومنطقية وجائت بعد خط سردي معين مؤدٍ إلى هدف معين وهناك فكرة خلفه. عندما تم قتل نيد ستارك، كانت هذه طريقة جورج مارتن في قول أنه في العالم الحقيقي لا مكان للشرفاء، وعندما تم قتل روب ستارك كانت هذه طريقة جورج مارتن في قول أن الثقة المفرطة تؤدي للهلاك… قس على ذلك بقية الأحداث الكبرى في المسلسل والرواية والتي لا يتم من خلالها تقديم القصة فقط، بل تحديد نوعية هذا العالم الخيالي الذي تعيش فيه الشخصيات، بمعنى أننا نفهم ويستيروس ككل من خلال الأحداث وطريقة تصرف الشخصيات.
لم يعد هذا ممكناً مؤخراً، الكثير من الأشياء التي تم تأسيسها حول هذا العالم في مواسم المسلسل الأولى تم الرمي بها عرض الحائط وحل مكانها نوع من الفوضى، حيث أصبح المسلسل متناقضاً مع نفسه، وزاد هذا التناقض كلما ابتعد المسلسل عن الكتب. بحلول النهاية بدا أن النصف الأول من المسلسل والنصف الثاني هما من مسلسلين مختلفين تماماً، وهذا باختصار سبب الإحباط المتزايد لدى الناس من Game of Thrones. مفاجئات ”من سيقتل من؟“ لا تخدم اي شيء أبعد من عامل المفاجئة، بل حتى إن وصفها بالمفاجئة ربما خاطئ، الأصح ربما هو أن الكتاب يحاولون مغالطة الجمهور.
لنبدأ بالأشياء الجيدة حول هذه الحلقة، الإخراج كان مذهل جداً وعديد من اللقطات أثارت إعجابي، الموسيقى التصويرية بطبيعة الحال كانت مبهرة، وهذين الشيئين هما الجانبان الوحيدان من المسلسل اللذان يمكنك توقع الكثير منهما بدون أن يتم خذلانك. بقية الأشياء كالكتابة والتمثيل… انت وحظك.
تبدأ الحلقة بتأكيد موت سيرسي وجايمي تحت تحت الحطام، لقد كان مقدراً لهما دوماً أن يموتا معاً لكن طريقة حدوث الأمر لم تكن مرضية على الإطلاق، وهذا المشهد ذكرني بذلك مرة أخرى. تالياً، تقوم دينيريس بخطاب حماسيّ لجيش الدوثراك والطاهرين. تحية للدوثراكيين بالمناسبة، أول عشيرة في ويستيروس تكتشف المعادلة العلمية لنسخ البشر، إذ تزايدت أعدادهم شيئاً فشيئاً بعد أن قتلهم جميعاً ملك الليل. شيء مثير للإبهار. الطاهرين كذلك قاموا بالتكاثر بالرغم من أنهم مخصيين. هذه ويستيروس يا جماعة، هناك سحر، الليل حالك ومليء بالمهالك. طبعاً لا أحد يتحدث عن هذا، لو كان الدوثراك والطاهرين يحملون أكواب ستاربكس لانتبه الناس للأمر.
على أيّ، يتم اعتقال تيريون… يادا يادا يادا… يزوره جون في الزنزانة. يقول تيريون بعض الأشياء المنطقية، ويقابلها جون بالكثير من المقاومة. الأمر مزعج، علاقة جون ودينيريس دامت 5 حلقات، مقدار الحب الذي يبدو ظاهرياً أنه يكنه لها لا يوازي حقاً مقدار ما أظهره المسلسل لنا من ذلك، حب جون لدينيريس غير مقنع، ليس بقدر حبه ليغريت على سبيل المثال. لماذا هذا مهم؟ لأنه لو كان حبه مقنعاً للمشاهد لبدت مقاومته لكلام تيريون منطقية أكثر، بدون ذلك لا يبدو أنه لدى جون أي سبب منطقي للدفاع عن دينيريس في هذه الحالة. مرة أخرى، الفكرة جيدة ولا أعترض عليها، لكن لو قضى المسلسل وقتاً أكثر في بناءها وإقناعي بها لتفهمت كيف أن حب جون قد يطغى على شعوره بالواجب، بدلاً عن ذلك شعرت برغبة في صفعه وإخباره أن يكف عن هذا الهراء. هذا التناقض مهم، لأنه في المشهد التالي يطغى شعور جون بالواجب على حبه، فيقتل دينيريسن أم التنانين، محررة/مدمرة بوريال (سابقة من نوعها على ما اعتقد؟). مرة أخرى، المسافة القصيرة بين المشهدين تجعل تقلب الشخصية بين مزاجين متناقضين أمراً غريباً وغير منطقي، بنهاية المطاف لم نكن مقتنعين حقاً أنه أحبها، فلذلك كونه قتل حبيبته (فرضاً) في سبيل الوطن لم يكن له أي وزن عاطفي حقاً. حتى عندما نراه لاحقاً لا يبدو أنه كان متأثراً بالأمر جداً، إذاً هو لم يكن يحبها كثيراً لكنه رغم ذلك يدافع عنها وموالي لها؟ واط؟
يستشعر دروغون (لا أعرف حقاً ما إذا كان دروغون فعلاً، لكنه الإسم الوحيد الذي اتذكره من بين التنانين الثلاثة. لن تجبروني أبداً على تعلم أسماءهم أيها المتعصبون!) موت دينيريس ويأتي ليتحقق من الأمر. ما حدث تالياً كان أكثر مشهد ضحكت فيه وأنا أشاهد المسلسل، يقوم غيم أوف ثرونز أخيراً بتحقيق حلمي بتنفيذ واحدة من الأشياء التي أطالب بها في هذه التغطية: يقوم التنين بتذويب العرش الحديدي. هذا نصف الحلم، على الأقل، كنت لا أزال أمني النفس بأن يتم تحويله الحديد المذوب إلى مجموعة من الكراسي الصغيرة ليحكم ويستيروس مجموعة من الأشخاص بدل شخص واحد.
هذا ما كنت أخطط لأن أكتبه هذا الأسبوع في التغطية في إطار هذه النكتة السائرة (running joke) التي استحدثتها لتغطية هذا الموسم كنوع من المزاح، وأيضاً لأنني أرى أن Game of Thrones هو مسلسل يقول الكثير من الأشياء عن النظام الملكي وإذابة الكرسي هي بمثابة إشارة رمزية إلى إسقاط الملكية.
يختار المسلسل أن لا يقوم بذلك، وهو شيء جيد (مزيداً عن ذلك في وقت لاحق). إذ في المشهد التالي، يتم اقتياد تيريون من زنزانته. لقد مر بعض الوقت، ندرك ذلك من خلال كثافة لحيته (اختصار المسافات والوقت في هذا المسلسل جعلني أبحث عن دلائل على مرور الوقت بين كل مشهد وآخر). في الحضور يوجد:
- روبين أرين وإدميور تولي، الذي لم نره منذ تم اختطافه وهو ضحية أخرى من ضحايا استراتيجية المسلسل في تهميش الشخصيات تماما وإعادتها عند الحاجة لها وليس قبل ذلك بأي وقت.
- دافوس، رغم أنه ليس سيداً على أي بيت
- بريان، اللذان مات والداها فجأة قبل بداية الحلقة بخمسة دقائق جاعلاً إياها سيدة على بيت تارث
- أمير دورنا الجديد الذي لم يتم ذكر إسمه حتى
يقترح تيريون أن يتم تعيين بران ملكاً وأن الملك الآن يتم اختياره من طرف النبلاء بدل أن يكون متوارثاً. انتابني الهلع للحظات قليلة عندما اقترح سام السمين قاتل السائرين والثين أن يتم انتخاب الملك من طرف الشعب، أعني، أصبحت أتوقع أي شيء من هذا المسلسل لكن أن يتم إدخال الديموقراطية لعالم فنتازي مبني على العصور الوسطى؟ لا كده كثير. لحسن الحظ، تتم السخرية من تارلي ويتجنب المسلسل سخرية أكبر.
رد فعل بران على الاقتراح غريب، أقول غريب لأنه قبل بضعة حلقات قال بران أنه لم يعد يرغب بأي شيء، ثم فجأة أصبحت القصة هي أن بران كان يقوم بكل ما قام به لكي يصبح هو الملك بنهاية المطاف. الأمر محير. الفكرة من جعل بران ملكاً بدل جون هي واحدة من تلك المفاجئات التي قام بها الكتاب ليخالفا توقعات المشاهدين فقط لا غير، وهي الخيار الأمثل من بين كل الخيارات المتاحة لأنه الخيار الذي سيزعج أقل عدد ممكن من الأشخاص ويعطي تفسيراً لرحلة ”الغراب ذو الثلاثة أعين“ الخاصة ببران ويحول شخصيته من غامضة/عديمة الفائدة إلى محيرة/ذات فائدة.
هل كان جون سنو ليكون ملكاً أفضل؟ هراء. جون سنو لا يمتلك أي مهارات قيادية حقيقية، بل إن محاولته الدائمة لتجنب المواجهة أو إتخاذ قرارات حاسمة تعني أنه جبان، كل المعارك التي خاضها سواء معارك ذهنية أو على أرض الواقع تم اقتياده لها ولم يختارها. بالنسبة لي، جمالية قصة جون ودينيريس هو أن جورج جعلهما شخصيتين متضادتين، كل واحدة هي نقيضة الأخرى في كل شيء، هي طاغية وهو جبان، وتتبع مسيرتيهما كان مثيراً للاهتمام. بران هو نوعاً ما نقطة الوسط بين الإثنين، هو يريد التاج أقل من جون سنو حتى، ولديه المعرفة الكافية حول ماضي المملكة ليحكم بشكل أفضل، لكن هذا لا ينفي أنه كان قراراً غريباً وأن المسلسل كان عليه أن يفعل ماهو أفضل ليجعل الأمر أقل غرابة.
يوافق النبلاء جميعاً على تعيين بران ملكاً، باستثناء الشمال الذي يعتبر نفسه مملكة مستقلة. طيب لماذا لم يقل الجميع أنهم يريدون أن يكونوا مستقلين كذلك وتنشب مشكلة كما هو مفترض في مثل هذه الحالات؟ آه، المسلسل في عجلة وهذه الأشياء تأخذ وقت. خليهم راضيين. ثم إن تصوير الأمر بهذه الطريقة يعني أن المحسوبية والواسطة موجودة في ويستيروس كذلك، نقاط إضافية لواقعية هذا المسلسل العظيم.
يتم أيضاً الإتفاق على إرسال جون سنو نحو السور لأن جيش الطاهرين يريد العدالة لمقتل دينيريس، لكننا نرى بعد ذلك الطاهرين وهم يهزون الرحال إلى جزيرة ناث، الأمر الذي يجعلك تتسائل لماذا لم يرسلوا فارسا يعترض جون في طريقه ويقول له ”يمكنك الخروج من غرفتك الآن، لقد غادر الضيوف“.
يحين موعد الوداع، جون سيذهب للسور، سانسا للشمال، وأريا للغرب نحو قارة جديدة حيث ستنقل لهم أمراضاً معدية تقتل نصف السكان الأصليين مما سيجعلها قاتلة وسفاحة أكبر من دينيريس.
كل هذه الشخصيات تشعر أنها انتهى المطاف بها في مكانها الصحيح، جون في السور، سانسا ملكة للشمال، أريا في مكان غريب تقوم بمغامرات عجيبة وتضاجع الحدادين، تيريون في منصب قيادي في ويستيروس، جايمي وسيرسي موتى بجانب بعضهما البعض، ثيون دفاعاً عن شرفه، جوراه دفاعاً عن ملكته… الخ، هذه كلها نهايات على الورق لا يمكن الاعتراض عليها حقاً، إنها مثالية، ياليت الوصول لها كان مثالياً كذلك.
الكل في الكل كانت نهاية قريبة قدر الإمكان من النهاية المثالية لكن كونها جائت متسرعة وبدون أي بناء عاطفي جعلها نهاية بعيدة كل البعد عن المثالية. النهايات يجب ان تكون مستحقة، يجب أن نشعر أن هذه الشخصيات وصلت إلى تلك النهاية لأن الأحداث أدت إلى ذلك، وليس فقط لأن ذلك هو مصيرها المفترض. أظن أن الكتاب يعتقدون أنه فقط لأن هناك نبوءة ما في الموسم الثاني حول النهاية فهذا يعفيهم عن البناء، على العكس تماماً، النبوءة تعني أنه على المشاهد أن يشعر عند تحقيقها بأنها كانت محتمة، وليس أن تحدث فقط لأنه تم التنبؤ بها.
لقد قضينا 8 مواسم ونحن نشاهد مجموعة من الشخصيات تتنازع على التاج، وبعد عدة حروب ومعارك، يتم اختيار ملك في 5 دقائق. شيء كهذا يجعل لعبة عروش تبدو تافهة، هل الأمر بهذه البساطة حقاً؟
بالرغم من أنني كنت أود أن يحدث تغيير جذري على نظام الحكم في ويستيروس، من المنطقي جداً أن ينتهي المسلسل بدون أن يتم ”كسر العجلة“ كما تقول دينيريس. المسلسل استحدث عجلة جديدة، لكنها شبيهة بالعجلة القديمة. إحداث تغيير جذري في نظام حكم 7 ممالك (أو 6، الآن) ما كان ليكون منطقياً جداً في عالم القصة، وبعدم إحداث تغيير كبير يقوم المسلسل بإعطاء تعليق سياسي مبطن، أو ربما غير مبطن إذ أن برون اصبح سيد قلعة علارياض وقهرماناً، ونقاشه في آخر الحلقة حول أولوية بناء المواخير على إصلاح السفن ليس مختلفاً حقاً عن أولويات رجال السياسة المدفوعة في غالب الأحيان برغباتهم أكثر من الصالح العام.
بهذا قد نكون اختتمنا هذه التغطية، أنا مسرور أن المسلسل كافئني أخيراً بتحقيق واحد من مطالب التغطية، الأمر الذي جعلني أشعر بأن كتابة هذه التغطية هي مصيري وأنني بكتابتها أقوم بشيء مهم بدل كتابة مشروع تخرجي، كما أود أن أشكر كل شخص قام بالتعليق على التغطية خلال السنوات الستة الماضية منذ بداية التغطية لأن تعليقاتكم هي الاخرى جعلتني أشعر بأنني أقوم بشيء مهم، وأنا أعني بذلك حتى الاشخاص الذين كانوا يدخلون التغطية ليعترضوا عليها إذ جعلتم هذه التغطية مهمتي الشخصية وبصراحة افتقدتكم خلال هذين الموسمين الأخيرين (ألوم كتاب المسلسل على هذا)، التغطية بدونكم غير.
كما أود أن أشكر الأشخاص الذين انتظموا على التعليق ومناقشة الحلقات معي وهم يعرفون أنفسهم، لا أكذب عندما أقول أنني كنت أكتب التغطية فقط لكي أناقشكم، بل إنني كنت أحب كتابة التعليقات أكثر من كتابة التغطية. أيضاً جديرون بالشكر الأشخاص الذين ضحكوا على نكاتي وجعلوني أشعر بأنني شخص مضحك (عائلتي لا تزال لم تقتنع بالأمر)، وأشكر عبد الرحمن لافابريك الذي لولاه لما اعترض الناس على ترجمتي للأسماء كـ ”بوريال“، ”علارياض“، و ”الزعبوب“.
وشكراً لك انت بالذات باعتبارك جلست تقرأ إلى هذه النقطة. دعونا لا نفعل هذا مجدداً، نراكم على خير.