يقال أن متع الحياة توجد في الأشياء الصغيرة، سماء صافية، زقزقة العصافير، الدقائق الخمسة الأخيرة من نهائي أبطال أوروبا 1999، الفقرة الأخيرة من الكتاب السابع من ”أغنية جليد ونار“، أو أشياء من هذا القبيل.
هذه على الأقل هي الفكرة المتداولة لدى أغلبية البشر حول ما يجعل المرء سعيداً، تلك الأشياء التي تكتبها في حقل ”هوايات“ عندما تملأ استمارة معينة. تكتب ”الرياضة، المطالعة، ركوب الخيل“ لكن ليس أبداً ”مشاهدة موسم كامل في يوم، تصفح الانترنت، تصفح الانترنت على الهاتف قبل النوم“ رغم انك تجد سعادة في هذه الأشياء، وكأنه يوجد اتفاق غير منطوق حول ما يعتبر هواية ”مقبولة اجتماعياً“، وإذا كنت تحب شيئاً غير كرة القدم فحظاً سعيداً في إيجاد شخص يشاركك ذلك الشغف.
هي أيضاً واحدة من متع الحياة الصغيرة، تلك اللحظة التي تجد فيها ذلك الشخص الذي يحب نفس الشيء بقدر ما تحبه، وإذا سألت أي شخص مرّ بهذه التجربة فإنه سيخبرك أن هذا النوع من الصداقة يدوم للأبد.
مسلسل Detectorists هو، من بين عدة أشياء، قصة حول صداقة من هذا النوع بين شخصين، لانس و أندي، يحبان التنقيب عن المعادن وحلمهما بالعثور على كنز كبير الذي يصطدم يومياً بواقع يجعلهم يشكون أنه ربما لا يوجد تحت التراب سوى عبوات المشروبات الغازية وحاملات المفاتيح.
عندما أقول ”من بين عدة أشياء“، فانا أقصد أنها ليست فقط حول شخصين يحبان التنقيب عن المعادن، بل هي أيضاً نظرة إلى حياة البلدة الصغيرة حيث يعرف الجميع بعضهم البعض وهناك ذلك الإحساس بالألفة الذي يختفي في المدن الكبرى. في البلدة الصغيرة لا يكون الجميع على عجلة ذاهبين إلى دواماتهم اليومية، بل يأخذون الوقت الكافي ليسألوا عن بعضهم البعض، ليتبادلوا الحديث على كأس من الجعة، غير مستعبدين من طرف هواتفهم الذكية. هناك شيء سحري حول هذا، وبه حنين إلى أيام كانت ترسلك فيها أمك إلى جارتكم لتستلف بعض الزيت والملح وربما حتى بعض الأواني. لم يعد أحد يفعل هذا بعد الآن.
هي دراما كوميدية، لكنها ليست جشعة في بحثها عن إضحاك الجمهور، بل إنها فكاهة موجودة لتخفف من خيبة الأمل الحاضرة دوماً في هذه الهواية. إحدى نكاتي المفضلة في المسلسل تتضمن مُنقبين من نادٍ منافس يدعيان سايمون وغارفنكل. الدراما أيضاً ليست منحصرة فقط في إحباطات هوايتهم الصغيرةّ، بل تمتد إلى حياتهم الشخصية. Detectorists هو أيضاً قصة حول زواج في صعود ونزول، ونظرة إلى الوحدة والعزلة، ورسالة حب إلى الريف الإنجليزي بسكينته الأخاذة.
قد يكون انطباعك عندما أتحدث عن هذه الشخصيات هكذا هو أن تظن أنها شخصيات ”فاشلة“ وأن المسلسل يهدف إلى السخرية منها ومن هوايتها العبيطة، على العكس تماماً. هذه شخصيات سعيدة، لأن سعادتها تكمن في الأشياء الصغيرة، لكن المشكلة مع السماء الصافية وزقزقة العصافير وبقية المتع الصغيرة أنها لا تدوم طويلاً، وهذا طبيعي وعادي وهو ما يعيشه معظم البشر، وهذا ما جعل الناس تحب Detectorists: إنه واقعي جداً.
هناك أيضاً تلك الفكرة المجازية لهذه القصة: ما الذي يبحثون عنه حقاً؟ ظاهرياً، هم يبحثون عن الذهب، لكن هذا يمكن أن يكون استعارة لأي شيء، يمكنك أيضاً أن تقول أنهم يبحثون عن هدف من الحياة، مثلاً، أو يبحثون عن الحب.
إنه ذلك النوع من المسلسلات الذي لا تسمع عنه كثيراً، لكن فور ما تكتشفه فإنك تكتنفه بشكل كامل ويصبح جزءاً منك. أغنية شارة المسلسل، من غناء الممثل والمغني جوني فلين (بطل Scrotal Recall أو Lovesick)، ظلت لوقت طويل على رأس القائمة الموسيقية التي استمع لها بشكل يومي، حتى بعد فترة طويلة من انتهائي من حلقات المسلسل الإثني عشر (وحلقة كريسماس خاصة).
قد يكون هذا مبتذلاً قليلاً، لكن Detectorists هو أشبه بكنز يكتشفه كل مشاهد للمسلسل، يجدونه بأنفسهم مخبأً في زاوية صغيرة من جدول قناة BBC الرابعة، ويصبح كنزاً ثميناً يضمونه إلى قلوبهم، والآن بعد ستة حلقات أخرى سيضطرون إلى توديعه للأبد.
التقييم النهائيّ
رأي شخصي: | إنه مسلسل هادئ، مضحك، حزين، وحنون، لا يوجد الكثير مثله، وهذا أمر لوحده يبعث على الحزن. | |
8 / 10 | ظاهرياً، لا يحدث أي شيء في Detectorists، لكن في لُبه هو مثل المعادن، يجب أن تبحث عنه أعمق من ذلك بكثير. لقد أخطأنا مرتين عندما لم نذكر موسمي هذا المسلسل ضمن قوائم أفضل مسلسلات الموسم، لكنني آمل أن هذه المقالة تعوض عن هذا الخطأ. لا تفوت فرصة مشاهدة هذه التحفة البريطانية الصغيرة. |