ها نحن ذا، أخيراً، بعد موسم عسير من الفنتازيا الواقعية American Gods، نصل للحلقة الأخيرة، التي لا تبدو حقاً وكأنها الحلقة الأخيرة، وذلك بسبب المشاكل المذكورة سابقاً في هذه التغطية والتي واجهها إنتاج المسلسل مما استدعى قصّ محتوى وصل مقداره إلى حلقتين من الموسم الذي كان من المفترض أن يكون مكوّناً من 10 حلقات.
إن كان هذا يبدو وكأنني ألتمس العذر لبراين فولر ومايكل غرين في ما أل إليه هذا الموسم، فهو كذلك، لكن هل هذا يعني أنني أعفيهما من المسؤولية؟ لا، أبداً. كل مشاكل الموسم لحد الساعة تمثلت في طريقة التنفيذ أكثر من أي شيء. التمثيل ممتاز، الاخراج لا غبار عليه، السينيماتوغرافيا ممتازة… الخ، بينما معظم الشكوى كانت من طريقة تقسيم الحلقات وطريقة توزيع القصة على الحلقات، والسير العام للقصة بشكل عام.
سأكون مبالغاً في كلامي لو قلت أن American Gods يبدو كإجهاض لفكرة خلاقة، لكنه يبدو كذلك في بعض الأحيان، يحسب له أنه في أحيان أخرى يبدو أفضل من أي شيء أخر على التلفاز حالياً في صنفه، لكن هذه الأحيان قليلة ومتباعدة، كما أن نصب المسلسل لنفسه مدافعاً عن حقوق الأقليات والمظلومين لم يساعده حقاً. من الجميل أن يكون لدى عمل فنيّ ما ضمير اجتماعيّ، لكن هذا يجب أن يكون شيئاً ثانوياً بعد الشيء الرئيسي الذي هو الحرص على صناعة أفضل مسلسل ممكن.
الحلقة الأخيرة من موسم American Gods الأول لم تبدُ أبداً كحلقة ختامية، لم تمنحنا أي خواتيم، لم تكشف لنا عن أي شيء جديد، وبالكاد شرحت لنا أي شيء، في أي من محاور المسلسل الكثيرة.
المحور الأول في هذه المعمة الغير منتهية يبدأ مع السيد نانسي، الحكواتيّ الذي لديه ألف قصة وقصة، في هذا المسلسل الذي يبدو في كل حلقة أن أخر شيء يحتاجه هو قصة جانبية أخرى. القصة هي قصة بلقيس، ملكة شيبا، وكيف تحول بها الأمر من ملكة إلى متشردة، وكيف استطاع الفتى التقني ضمها إلى فريق الألهة الجديدة باعطاءها معبداً جديداً. الأمر كان واضح من بعيد إذا كنت مركزاً مع المسلسل، أي شيء له علاقة بالتقنية فهو مرتبط بالفتى التقني، فلذلك كون بلقيس تجلب أضحيتها من على الانترنت كان مؤشراً واضحاً لارتباط الفتى التقني في وضعيتها الحالية، رغم ذلك، فشل المسلسل في تفسير الغاية من وجودها في القصة، وهذا أول محور نتركه تقريباً كما بدأناه.
بل يمكن القول أن هذا المحور وقصة السيد نانسي زادتنا حيرة أكثر، ماذا تمثل ”الملكة“ هنا بالظبط؟ وكيف يمكن أن يكون فولكان ”ملكة“ في هذه الحالة؟ غير مهم، لا حاجة لأن نركز كثيراً في الأمور التي انقضت وانتهت.
شادو لديه الكثير من الأسئلة، كانت لديه أسئلة منذ الحلقة الأولى، وحتى بعد 8 حلقات لا نراه يسأل أياً منها، وحتى عندما يسأل وييجبه السيد أربعاء ”لن تصدقني لو اخبرتك“ لا يلح بالسؤال. هذا ليس شخصاً محتاراً، هذا شخص عبيط. نعم، نحن نفهم أن السيد أربعاء شخص محتال، ومجال خبرته هو تفادي الاجابة عن الأسئلة التي لا يريد أن يجيب عنها، لكن هذا مسلسل، لا يمكنك أن تتوقع أن تتفادى الاجابات لموسم كامل وتتوقع أن يربت المشاهد على كتفك يا عزيزي المنتج ويقول لك أحسنت صنعاً. إن مشاهدة هذا المسلسل تجربة محبطة جداً، وإذا كان المنتجون يعتبرون اعتراف السيد أربعاء لشادو بأنه إله الحرب ”أودين“، فلابد انهم يستغبون جمهورهم كثيراً لدرجة ان يعتبروا ان هذا شيء كافٍ. لا أحد يهتم حقاً لأسماء السيد أربعاء الكثيرة، حتى عندما تضعها في مشهد مليء بالمؤثرات البصرية الغير ضرورية، وهي بالتأكيد لا تشكل مفاجئة كافية لتختم الموسم بها.
هذه أول مرة بالنسبة لي شخصياً أرى فيها الوصف الرسمي لمسلسل ما يلخص بشكل كامل موسماً كاملاً من مسلسل ما، أعني، ماذا كنا نعرف قبل أن يبدأ المسلسل؟ شخص يدعى شادو يخرج من السجن، يوظفه شخص يدعى السيد أربعاء، الذي هو في الحقيقة إله، وستكون هناك حرب بين الألهة القديمة والجديدة. ماذا يمكن أن نضيفه على المسلسل من حلقاته الثمانية؟ القصص الجانبية؟ الشخصيات التي لا أهمية لها؟ محبط جداً.
حتى عندما تجتمع الشخصيات كلها في مكان واحد، في ما يمكن وصفه انه المواجهة الكبرى، لا يحدث أي شيء كبير، يتم تبادل بعض الشتائم والتهديدات، يموت بعض البيادق، لكن لا مواجهة فعلية تحدث. أي أن الألهة الجديدة أتت لحفلة إيستر فقط لتقول للسيد أربعاء وشادو ما قالوه قبل بضعة حلقات في محطة الشرطة تلك، مرة أخرى. وعندما تلتحق لورا بالحفلة مرفقة باللُبرُكان سويني، وتكتشف أنه قتلها بإمرة من السيد أربعاء، تنتهي الحلقة وهي على وشك إخبار شادو بما اكتشفته.
ليس وكأن هناك أي أحد يصدق أن شادو سيعرف في أول حلقة من الموسم القادم هذه المعلومة الخطيرة التي من شأنها أن تنهي أي شيء، أعني، ماذا تتوقعون؟ ستخبر شادو وسوف يصدقها وتنتهي الحفلة؟ لا، بالطبع لا يزال هناك الكثير من القصة، فلذلك أول شيء سيحدث هو أن لا تحدث تلك المحادثة بين شادو وزوجته الميتة.
هناك الكثير من الأفكار المميزة في هذه الحلقة، مثلاً استخدام أوستارا لقوتها وتحويل الربيع إلى خريف قاحل، مستخدمة فكرة أن الإنسان عندما يكون في أشد حاجته فإنه لا يلتف لهاتفه المكلّف وتلفزيونه الغالي، بل إنه يتركها عند أول فرصة ممكنة لأنها زوائد، الحصاد من جهة أخرى هو شيء أساسي، وهنا حيث تفشل قوة الألهة الجديدة، هم أقوياء، لكنهم غير أساسيين.
طبعاً إذا كنا سنتحدث عن القوة والجاه، فيسوع هو أكثرهم قوة على الأرجح (ومجموعة منه هي على الأرجح أكثر قوة من الألهة الجديدة والقديمة مجتمعين)، وهو لا يبدو مهتماً حقاً بحرب المنسين والجدد هذه، فالسؤال هو: ماذا ستكون ردة فعله على ما فعلته أوستارا؟ وماذا سيفعل عندما يبدأ عباده بالدعوة له؟ هل سيلغي ما فعلته أوستارا؟ من غير المرجح أن يحدث ذلك، لأن المسلسل لا يبدو جد مهتم بإدخال يسوع في قصته كثيراً سوى بشكل عرضيّ أو جانبيّ، وهو ما يجعل ما حدث امراً محبطاً أكثر.
كنقطة أخيرة أود أن أشير لها في هذا الموسم، ريكي ويتل (ممثل شخصية شادو مون) تلقى في هذه التغطية الكثير من النقد سواء مني او من المعلقين، لكن عندما فكرت في الامر فهو ربما يملك أصعب دور في المسلسل كله. شخصية شادو ليس لها أي تأثير مباشر في القصة، هو لا يُحدث أي شيء من نفسه، دوره في القصة هو أن تكون لديه رد فعل على الأشياء التي تحدث، وهذا في الحقيقة أصعب بكثير من أن تكون لديك أسطر واضحة وأن تكون أنت المحرك في القصة. في الحقيقة هذا دور يتطلب ممثل خبير وذو باع طويل في التمثيل والذي يملك رينج كبير يستند عليه في تمثيله، ريكي ويتل ليس سيء لكنه للأسف لا يملك ذلك الرينج، ردود فعله متفاوتة وفي غير محلها أحياناً. أنا لا أقول أنني غيرت رأيي حول الممثل، لكن غيرت رأيي حول مدى صعوبة دوره.
على ذكر التمثيل، من المحبط أيضاً رؤية مواهب غيليان أندرسون التمثيلية تذهب سدى في شخصية تشبه فرداً في طاقم ساترداي نايت لايف والذي حركته الوحيدة هي تقليد أوباما أو دونالد ترامب. ليس وكأنها لا تستطيع ان تجعل الدور أفضل، لكن الشخصيات التي يتم اختيارها لها والحوارات التي تعطى لها كلها محبطة جداً، والحوارات عموماً — لكل الشخصيات، ربما باستثناء أورلاندو جونز — عندما تخرج عن ما كتبه نيل غايمان يسقط مستواها كثيراً، وقد أكون منحازاً في كلامي هذا لأنني أحب الرواية وأحب أسلوب غايمان إلا أنه هناك فرق واضح بين ”هل تريد رؤية نهدي لوسي؟“ والقيام بلكنة بريطانية أو صوت عذب.
كان هناك الكثير من الانتقاد في هذا الموسم، أتمنى أنه في الموسم القادم نتوقف عن الانتقاد ونبدأ بالاستمتاع بالمسلسل فعلاً، لأنه ما رأيناه هو شبيه بالنصف الأول من الموسم الأول وهذه النهاية هي النقطة التي تنتهي عندها مسلسلات الشبكات عادة قبل التوقف الشتوي. كل الأشياء التي أحبتتها في American Gods هي موجودة في الموسم الثاني، فلذلك اذا كنت تفكر في التوقف الآن عند هذه النقطة، استهدي بالسيد اربعاء وارجع.