من الأشياء التي جعلتني متحمساً لـAmerican Gods هو ذلك الوعد الدائم بوجود أشياء إضافية في المسلسل لم نقرأها في الرواية، لأن هذه الأخيرة تُقرأ من منظور شادو ونرى فقط ما يحدث لشادو وما يفعله شادو وما يفكره شادو، لا نقضي أي وقت مع أي من الشخصيات الأخرى، فلذلك فكرة اننا قد نتعرف أكثر بقليل على شخصيات مثل لورا والمعتوه سويني وباقي الشخصيات الجانبية هي فكرة تسيل لعابي، وفي حلقة هذا الأسبوع حصلنا على أول نظرة إلى ما خلف كواليس رحلة السيد أربعاء ورفيقه.
American Gods لحد الساعة كان يتبع هيكلاً معيناً لقصته، بداية بقصة ”قدوم إلى أمريكا“ حول طريقة قدوم أحد الألهة القديمة إلى أمريكا، ثم استكمال القصة الرئيسية من حيث توقفت، ثم توقف في المنتصف لأجل قصة ”في مكان ما في أمريكا“ لنلقي نظرة على أحد الألهة في الزمن الحالي للقصة، ثم نستكمل الرحلة من حيث توقفت. باستثناء حالات معينة تتطلب هكذا شيء، الإعتماد على هيكلة واحدة طوال الموسم تخلق نوع من الرتابة والملل، فلذلك التخلي عن هذه الهيكلة في الحلقة الرابعة، حيث ينتصف موسم American Gods المكون من 8 حلقات، هو فكرة مرحب بها جداً.
هذه الحلقة كانت أخر حلقة تم إرسالها للنقاد للمراجعة وهي أكثر واحدة تم مدحها من بين الحلقات الأربعة، وهي أيضاً أول حلقة من المسلسل من إخراج شخص أخر غير ديفيد سليد، وفوق ذلك، ليس فيها أي شيء من الرواية، فلذلك يمكن القول أن المشاهد كان موعود بشيء مختلف ومميز.
نفتتح الحلقة في مكان ذو ثيمة مصرية، يخيل للمرء للوهلة أنه على وشك أن يشاهد قصة ”القدوم إلى أمريكا“ الخاصة بأنوبيس، لكنه ليس سوى الكازينو الذي تعمل فيه لورا. تعيش لورا حياة كئيبة، عالقة في عمل لا تحبه وتعيش حياة غير مثيرة للاهتمام في مدينة صغيرة لا شيء يحدث فيها، كأبتها واضحة في جوانب حياتها اليومية، منزل فارغ، لا عائلة ولا حبيب ولا رفيق سكن سوى قط صغير تدعوه ”غبي“، وهو إسم يعبر عن انفصال لورا العاطفي عن القط، هي لا تكرهه لكن لا تحبه، ربما تحب وجوده في حياتها، فلذلك عندما يموت كل ما تستطيع قوله هو ”تباً لك“. كأبة لورا واضحة أيضاً في محاولتها لإنهاء حياتها باستخدام مبيد الحشرات في حوض الاستحمام المغلق الذي تملكه.
كل هذا يتغير عندما يدخل شخص أسمر يدعى شادو إلى حياتها ويحاول سرقة الكازينو، هنا نرى لأول مرة وجهاً أخر للورا، إذ تسدي لشادو نصيحة مهمة حول ما هو على وشك أن يفعله وما سيحدث له إن فعل، لطف غريب من هذه المرأة تجاه غريب تراه لأول مرة. المثير للاهتمام أيضاً في هذه اللقطة هو أننا نرى شادو ما قبل السجن، شخص مختلف كلياً وسعيد، وسعادته تزيد أكثر عندما ينتهي بالاثنان في علاقة توجت بزواج، في ما يبدو أنه محاولة جادة منه إلى تغيير صورته وقلب مسار حياته إلى شيء إيجابيّ أكثر. لورا وجدت ما تريده في شادو، لقد جعلها تشعر بشيء ما، ليس فقط من خلال الجنس العنيف الذي تبغيه أو الدعم العاطفي الذي يقدمه، بل بوجوده في حياتها لأنه على النقيض تماماً منها، شخص سعيد ومتفائل. إلا أن زواجهم، مثل كل العلاقات المبنية على سوء تفاهم، يصل إلى مرحلة ركود وتجد لورا نفسها في نفس الموقف الذي كانت فيه، حياة كئيبة وغير مثيرة بالمرة.
يبدو غريباً أن أقول أن علاقة شادو ولورا مبنية على سوء تفاهم، يصعب التفكير في أن علاقة غرامية قد تبنى على شيء مثل سوء تفاهم، لكن منذ البداية كان شادو لا يفهم حقاً لورا وشخصيتها. انظروا إلى لقاءهم الأول في مركن السيارات، يقول لها أنها تبدو مثل ”شخص يمكنه الحصول على أي شيء يريده“، وهنا مربط الفرس، لورا لا تستطيع الحصول على أي مما تريده في الحياة، وإلا لما كانت تحاول الانتحار، وهذا ربما هو أكثر شيء محزن حول اكتئاب لورا: عدم قدرة شادو على ملاحظته. ما يراه شادو هو ما تبدو عليه لورا، وليس لورا الحقيقية، ووقع في غرام ما يراه في لورا، وليس في غرام لورا الحقيقية، فلذلك مع كل يوم يقضيه معها في هذه العلاقة يزيد حبه لها ويقع في غرامها أكثر فأكثر، لدرجة أن ”يؤمن بالكامل في الحب“، بينما لورا تهرب منه أكثر فأكثر، الأمر الذي يتجسد في إعطاءها له لقباً جد غير عاطفي كـ“جرو“، وهو أيضاً لقب خالٍ من الارتباط العاطفي.
لكن بينما تظل حالة لورا النفسية غير واضحة ومفتوحة لعدة تأويلات، خطابها لشادو على مائدة الفطور ذاك كان نظرة واضحة وضوح الشمس نحو ما يدور في خلدها، هي من الواضح أنها تهتم لأمر شادو، وربما تحبه، لكنها لا تحبه بقدر ما يحبها هو، والعيش في علاقة غرامية بها هذا النوع من الاختلاف هو أمر جلل، لا يعقل أن يعيش شخص ما حياته تعيساً بينما يرى رفيق حياته سعيداً تماماً وراضياً عن حياته. لورا ليست راضية عن حياتها، وإلا لما كانت قد طلبت من شادو أن يسطو على الكازينو في ما يبدو أنه محاولة بائسة لإعادة تلك الإثارة المفقودة إلى حياتها، حتى وان تطلب ذلك القيام بشيء هو في الواقع مضر بها، وهو ما يحدث عندما تفشل خطتها المثالية وتؤدي لاعتقال شادو وسجنه. إنها نظرة صريحة وصادقة إلى واقع أن يكون المرء مصاباً بالاكتئاب، وأداء إميلي براوننغ للشخصية كان متقن جداً وجميل حتى.
الحظ السيء كان من الأسباب التي جعلت الإثنين يجتمعان في المقام الأول، فلذلك هناك شاعرية غريبة في كونه الشيء الذي يؤدي إلى فراقهما بالنهاية. لكن هل كان كل ما حصل في الكازينو فعلاً مجرد سوء حظ؟
اذا انتبهتم في الحلقة، هناك غربان ظاهرة في بعض اللقطات، في البداية رأيت الأمر هو مجرد اشارة لكأبة لورا مثل الذباب الذي يلاحقها، لكن لنفكر في الأمر قليلاً: السيد أربعاء يظهر في بوستر شخصيته برفقة غرابين، ويعرف الكثير حول شادو وعلاقته مع لورا، وهو مستفيد مباشر من فقدانه لها، فلذلك قد لا أكون مجنوناً حقاً إن قلت أن السيد أربعاء كان يتجسس على شادو لوقت طويل، وربما له يد في فشل خطة لورا ووفاتها؟ الغربان ظاهرة في مشهد الموت بشكل واضح وهذه النظرية لا تبدو جد مستبعدة بالنسبة لي، وتفسر الكثير من الأشياء. هذه الحلقة لا تتضمن أي شيء من الرواية فلذلك أنا لا أعرف حقاً ما إذا كان لهذا الكلام أي وجه من الصحة، لكنه مجرد شيء جاء ببالي ورأيته يستحق الذكر. سواء بالحظ أو بتدخل إلهي، تفشل خطة لورا المثالية للسطو على الكازينو ويسجن شادو، الأمر الذي يبدأ سلسلة من الأحداث التي تؤدي إلى موت لورا.
تعود كأبة لورا لتتجسد في حياتها اليومية، سواء بردود فعلها على اتصالات شادو من السجن، او تعابير وجهها عندما تزوره، أو وفاة قطها، هذا الأخير تراه عذراً مثالياً لبدء شيء مثير مع زوج صديقتها المقربة وصديق شادو المقرب روبي. من المخطئ القول أن وضعية حياة لورا، سواء كانت سعادة او تعاسة او غيرها، في أي وقت من الأوقات، هي نتاج محض لأشياء خارجة عن سيطرتها، في الواقع، هي نتاج مباشر للقرارات التي تتخذها، هي عامل مسيطر كلياً (أو جزئياً، إذا أردنا تصديق نظرية التدخل الإلهيّ) في ما ألت إليه حياتها. هذه السيطرة تتجسد أيضاً في علاقتها مع روبي، فكما نرى، هي لا تسمح بهذه العلاقة أن تحدث سوى تحت العذر الخادع أن روبي يستغل وحدتها في غياب زوجها، كما تقول له وتخبره عندما يقف عند بابها، ونحن لا ندري هل هي تحاول إقناع نفسها بذلك أم روبي، وحتى عندما تحاول انهاء علاقتها بروبي تقوم بمحاولة اخرى لفرض سيطرتها، بإخبار روبي كيف سيتوجب عليه أن يتذكر علاقته بها:
”يجب أن تفكر في هذا على أنه سرّ فاحش، شيء تتذكره في وقت متأخر من حياتك عندما تفكر أنك لم تفعل شيئاًّ فيها، لكنك فعلت، لقد قمت بخيانة زوجية دون أن يتم كشف أمرك.“
لورا لم تنظر الى علاقتها مع روبي على أنها خيانة لأنها لم تكن تحب شادو، ليس حقاً، وبالتأكيد ليس بنفس الطريقة التي أحبها بها، وتطلب الأمر موتاً وعودة للحياة لكي تصبح حقاً السيدة مون، وتبدأ بشكل حقيقي بالاكتراث لشادو ومشاعره وما يحدث له. الموت أيضاً حرر لورا بشكل غريب من حياتها البئيسة وسعيها المضني نحو إيجاد هدف تعيش لأجله، إذ أصبح لديها هدف واضح ومضيء يدعى شادو مون، وهي الآن نوعاً ما ملاكه الحارس.
هناك شيء محيّر حول وفاة لورا، إذا كان أنوبيس مرتبط بالسيدة فاضل من خلال جدتها التي علمتها معتقدات المصريين القدامى، ما علاقته بلورا إذا؟ لماذا تقع تحت مسؤوليته؟ هذا تفصيل صغير وغير مهم خصوصاً وأن لقاءهما الطريف ينتهي بسرعة بعودة لورا للحياة بفضل القطعة النقدية المحظوظة التي رماها شادو على قبرها. أيضاً، نحصل أخيراً على إجابة على سؤال كان بذهن الجميع منذ الحلقة الأولى حول هوية منقذ شادو من الموت، والذي ليس سوى لورا، التي أصبحت تتمتع الأن بقوة خارقة بفضل القطعة النقدية السحرية.
هناك مشهد أخر لدي اعتراض بسيط عليه، مشهد لورا تمشي في وسط شارع حيّها مضرجة بالدماء بدون أن ينتبه عليها أي أحد، المشهد كان طريف وغريب لكنني لا اعتقد انه كان ضروري ومن الأفضل لو أن المسلسل تخلى عنه. على ذكر المشاهد الطريفة، المشهد التالي الذي يجمع لورا بأودري من جديد كان رائع ومضحك جداً، والممثلة بيتي غيلبين اعتبرها من أفضل الممثلين في المسلسل لحد الساعة وتلعب دورها ببراعة فائقة.
يذهب الاثنان في رحلة بالسيارة بحثاً عن شادو، لكن يقطع طريقهما السيد جاكل وشريكه السيد إيبيس، يدير الإثنان دار جنازة حيث يقومان بمساعدة لورا على تثبيت ذراعها من جديد إلى جسدها. على طاولة الموتى تكتشف لورا واقع مشاعرها تجاه شادو عندما يسألها أنوبيس عما إذا كان الحب هو ما أعادها للحياة، وتجيبه ”لم يكن كذلك، لكنني أفترض أنه كذلك الآن.“، وهي بنت ذلك الافتراض على كون كل شيء الآن في حياتها خافتاً إلا شادو، الذي يشع نوراً وكأنه — حرفياً — نور حياتها. وهذا هو ما تظن لورا أنه هو الحب.
نحن نتكلم عن امرأة مصابة بالكأبة، هي لا تعرف ما يعنيه الحب، بل فقط ما يصفه الناس عندما يتحدثون عن الحب، ويقولون أن الحب هو أن يصبح شخص واحد أهم لديك من كل شيء أخر، ولأنها لا تعرف حقاً ما هو السبب الذي أعادها للحياة، فمن المنطقي أن تبحث عن تبرير سهل ومنطقي مثل الحب، لأنه لا يوجد في أي لغة كلمة تصف ”أن تموت خائنا وتعود للحياة لتقتل أطفال الفتى التقني وتنقذ زوجك المشنوق“. هذا الواقع الجديد سيتطلب بعض التعود من لورا، التي لا تزال تحاول فهم موقفها العاطفي من شادو الآن، تصفه بأنه ”نور حياتها“ و ”شمس سمائي“ لكنها تتلكأ وهي تقول ”أحببت شادو، أحب شادو، أحب شادو“ كما لو أنها تحاول اقناع نفسها بتكرار الجملة أكثر من مرة.
كيف ستنتهي رحلة لورا؟ هذا سؤال سيتوجب علينا أن ننتظر لنعرف جوابه، الأكيد هو أن أنوبيس سيكون بانتظارها عندما تنتهي.
الحلقة أحتوت على الكثير من الأشياء بين السطور والتي أنا متأكد أنني فوتتها حتى بعد مشاهدتها مرتين، وكثير من المشاهد يمكن فهمها وتأويلها بأكثر من طريقة واحدة. هناك شيء رائع دوماً في المسلسلات (والقصص عموماً) التي تخصص حيز كافي لاستكشاف الشخصيات وتحليل شخصياتها ودوافعها وما يحركها، ومن الواضح من حجم هذه المراجعة أن هذه الحلقة احتوت على الكثير من هذا، لكن يجب أن نطرح السؤال: هل هذه هي أفضل طريقة للتطرق لهكذا شيء؟
الموسم به 8 حلقات، نحن الآن في منتصف الموسم ولا أظن أن أياً من المشاهدين يعرفون ماهذا الذي يشاهدونه على وجه التحديد، فلذلك تخصيص حلقة كاملة لسرد ماضي شخصية يبدو حركة غير موفقة تماماً، خصوصاً وأن كل شيء حدث في هذه الحلقة ليس له أي تأثير على الأحداث المستقبلية في نطاق أن كل أو معظم ما رأيناه في هذه الحلقة هو أشياء نعرفها سلفاً، والحصول على معرفة أفضل حول شخصية لورا، التي هي شخصية مهمة في القصة لكن جانبية لمعظم الوقت، لا يساهم بأي شكل في جعل تجربة American Gods تجربة أفضل.
لا يمكنني حقاً انتقاد الحلقة من أي جانب إذا ما نظرنا إليها كحلقة منفردة (أو فيلم قصير)، هناك عمق، هناك تمثيل ممتاز، هناك إخراج جميل (مشهد لورا وهي تتدحرج خارج السيارة كان لقطة جميلة)، هناك موسيقى خلابة، هناك دراما، هناك كوميديا، هناك أكشن، كل شيء في هذه الحلقة يعمل بشكل رائع، لكن الحلقة ذات نفسها لا تعمل في المسلسل، خصوصاً وأننا إذا حذفنا هذه الحلقة من الموسم ما كان ليتغير أي شيء في فهمنا للقصة وما كان ليكون ذلك أي تأثير. في الكتابة دائماً ما يتم إخبار الكاتب: إذا كان بإمكانك حذف شيء ما، احذفه.
أيضاً يتم اخبار الكتاب أن ينثروا المعلومات حول شخصياتهم بشكل متباعد في القصة بدل القيام بطرح المعلومات دفعة واحدة لكي تحافظ على اهتمام القارئ بعدم إيقاف القصة لأجل الشرح، يعني امشي واشرح، لا تتوقف وتشرح.
عموماً المسلسل في موسمه الأول يمكن وصفه على أنه ولادة عسيرة لفكرة خلاقة، كلما قرأت مقابلات أكثر من غايمان والمنتجين يزيد تأكدي من ذلك. أوكي، لننظر للأمر، الموسم الأول كان من المفترض أن يتكون من 10 حلقات وينتهي عند نقطة معينة من الرواية، في الحلقة الأولى يتدخل نيل غايمان لتغيير لقطة كان من المفترض تصويرها والتي تجعل مشهد الجنس في المقبرة يحدث فعلاً بدل ما رأيناه في الحلقة، يعني فولر وغرين لا يبدو انهما يفهمان كلياً المادة الاصلية، وياليته كان تدخل غايمان الوحيد، اذ انه تدخل مرات اخرى لحذف اضافات اخرى من فولر على القصة، وانتهى الّأمر بحذف ما يوازي حلقتين من المحتوى وثم دمج ولصق بعض الحلقات المصورة مع بعضها لتشكيل حلقة واحدة، بما في ذلك الحلقة الاخيرة التي لم يكن هناك رضى تام حولها من كل الأطراف على ما يبدو، فلذلك بدل أن ينتهي الموسم عند النقطة المتفق عليها، سينتهي في الطريق نحو تلك النقطة، مما يعني اعادة كتابة الحلقة وتصويرها… الخ. عند هذه النقطة، أظن أننا يجب ان نكون شاكرين لان نيل غايمان مرتبط جداً بالمشروع ولديه قوة تنفيذية حقيقية، على عكس بعض الكتاب.
بريفيو الحلقة القادمة
https://youtu.be/F9_BXHq7OVw
نستأنف القصة من حيث توقفنا ونخصص بعض الوقت للألهة الجديدة، الفتى التقنيّ، ميديا، والسيد عالم.