ليس أفضل مسلسل في التاريخ: عودة بريزون بريك

بصفتي مؤلف تاغ لاين الموقع والتي يزعم الكثير منكم أنها السبب الرئيسي وراء عمل ”فولو“ لحساب الموقع على تويتر، ارتأيت أنه من اللازم توضيح تلك الجملة أكثر، وما المكان الأفضل لفعل ذلك غير تغطية تعرية خاصة للمسلسل على الموقع؟ ظاهرياً هي مجرد نكتة، باعتبار أن المسلسل هو ربما أشهر مسلسل في المنطقة العربية، وهو المسلسل الوحيد الذي قد يتعرف عليه أي شخص حتى ولو لم يكن مشاهد كبير للمسلسلات، لكن خلف النكتة هو انتقاد لفكرة ”أفضل × في التاريخ“.

نحب أن نقول هذه الجملة كتعبير عن إعجاب كبير بشيء ما (وأنا مذنب بذلك شخصياً، أمر جعلني عرضة للمسخرة من مصطفى وأصدقاء كثر) لكنها في الحقيقة تعبير مزعج جداً. لا يوجد حقاً أفضل شيء في التاريخ في أي مجال. إذا كنت قد عشت تجربة ”أفضل × في التاريخ“ فما الهدف من عيش بقية حياتك؟ يمكنك أن تموت الآن بعد أن تذوقت أفضل طعمية في التاريخ، أو تجشأت أفضل تجشؤ في التاريخ، أو شاهدت أفضل كام باك في التاريخ (وهو لمنع اللخبطيشن و طرد الكنفيوجن: نهائي 1999 في النو كامب، أولي غونار سولشاير يضعها في الزاوية العليا)، أو، بكل بساطة، شاهدت أفضل مسلسل في التاريخ.

إذا هذا هو مصدر الازعاج الأول هنا. ثانياً، مسلسل بريزون بريك ليس سيء، على العكس، موسمه الأول كان مبتكر جداً واستطاع بأعجوبة أن يجعل نظام الـ24 حلقة ينفعه، إذ سَرَد قصة صلبة ومترابطة كان يمكن أن تخلد نفسها في كتب التاريخ حقاً لو كانت لديها نهاية حاسمة (وسوداوية، ربما)، طبعاً كانت هناك بعض العيوب في القصة وأشياء مكتوبة بركاكة، لكنه كان مسلسل ممتع وذكي، والأمر برمته كان مسلي كفاية لجعلك تتغاضى عنها، وهو كموسم أول من أفضل القصص في صنفه. المشكلة، وهي نفس مشكلة كل مسلسلات الشبكات العظيمة، هو أن القصة لم تنتهِ هناك واستمرت لثلاثة مواسم أخرى (والآن، أربعة). أعني، أتفهم أن المسلسل اسمه بريزون بريك، لكن شخص يهرب كل موسم من سجن مختلف هي قصة سخيفة ومبالغ فيها، ولو كتبها أفضل كاتب في التاريخ (اللي هو طبعاً السيد… حسناً سأتوقف عن دحش أرائي هنا في كل فقرة) لخرجت بنفس النتيجة، هناك حد معين لهذه الأشياء، لأنها تتطلب قدر معين من تغييب العقل (أو ما يعرف بشكل أكثر دقة بالـSuspension of Disbelief) ويصبح الأمر مستحيل عند نقطة معينة.

مما يعيدنا للجزء الحالي من بريزون بريك. من الواضح أنه مجرد عمل يهدف إلى كسب المال باستغلال الشعبية الكبيرة للمسلسل والنزعة النوستالجية الدائرة حالياً في كل مجالات الترفيه (أفلام، ألعاب فيديو، ومسلسلات) بإعادة المسلسل بنفس الطاقم والكاتب الرئيسي وعمل مقابلات يقولون فيها أنهم ما كانوا ليقوموا بالمسلسل لو لم يروا أن هذه قصة تستحق أن تحكى وما إلى ذلك من هذا الهراء. أنا متيقن أنهم كانوا ليمثّلوا سطوراً من خلف علبة حبوب الاسهال مقابل المبلغ المناسب من المال، التفكير في المترسبات التي ستظل تدخل حساباتهم البنكية حتى بعد انتهاء عرض المسلسل بسنوات تسيل لعابي، هذا وأنا شخص ينتقد المسلسل في موقع لا يقرأه سوى 3000 شخص، فما أدراك بهم.

لنتحدث أولاً عن حيث تركنا الأشياء، في الموسم الرابع زادت حالة مايكل الصحية سوءاً، رأينا الرجل ينهار وما الى ذلك من الهراء الذي يأتي مع الأمراض القاتلة التي تصاب بها الشخصيات الرئيسية في اللحظات الحاسمة، الآن تقول لي أنه لا يزال حي بعد 7 سنوات، سليماً معافى، وأنه زوّر موته لأي سبب من الأسباب. أوكي، ماشي. تالياً، تقول لي أن الطبيبة سارة تانكريدي تعيش حياة عادية في شيكاغو غير هاربة من القانون رغم أنها هربت من سجن كانت مسجونة فيه بتهمة القتل. أوكي، ماشي. ثم بعد ذلك تقول لي أن هؤلاء الأشخاص الذين لم يروا بعضهم البعض منذ 7 سنوات يعرفون أين يقطنون وماذا يفعلون وإلى أي ديانات تحولوا. أوكي، ماشي. وفوق هذا كله، تقول لي أن سي-نوت بعد قضاء نصف ساعة مع لينكون بعد غياب 7 سنوات يقرر أن يترك حياته الجديدة المليئة بالتصالح مع الذات والخالية من المشاكل ليرافقه إلى بؤرة حرب لأنه ”سيموت في لحظات إذا ما ذهب لوحده“. أوكي، برضو ماشي. بس أنك تقول لي أن هناك منظمة أخرى تجري وراءهم وتريد قتلهم؟ كثير ياخي.

ماذا يفعل هؤلاء الناس بالظبط ليصبحوا متورطين في مؤامرات دولية تهدد حياتهم وتجعلهم يعيشون حياة هروب من الخطر؟ وما القصة خلف كل هذه الرموز؟ أقول رموز وليس رمزية، لأنه من السهل الخلط بين الشيئين. بول شورينغ يحب هذا الهراء، يسمي السجن اليمني أوغيغيا، وهو شيء ما من الميثولوجيا الاغريقية حول أوديسوس، ملك إيثاكا، التي يصادف أنه نفس اسم الجامعة التي يُدرّس فيها زوج سارة، والمتبرع لتي-باغ بالذراع الالكترونية (والذي قد يكون سكوفيلد أو ليس سكوفيلد، بانتظار ما سيتم الكشف عنه لاحقاً حول هذا الكانييل أوتيس) يسمي نفسه بكلمة اغريقية تعني ”لا أحد“… الأمر يصبح متعباً عند نقطة معينة، والمسلسل لديه تاريخ طويل مع هذه الأشياء، هل تذكرون الموسم الرابع عندما كانت المنظمة الشريرة تدعى ”الشركة“ والجهاز الذي يبحثون عنه ”سيلا“ بدون أن ننسى شخصيات تدعى ”الجنرال“… يجب أن يكون هناك حد معين لهذه الأشياء وتوازن، وإلا تصبح مجرد خدعة فارغة و gimmick. طبعاً لا تحلوا مثل هذه القصص من دون اللحظات المفاجئة والتي يضرب فيها البطل على رأسه بعد اكتشاف حل اللغز أو معنى الرمز وهيييه ننطلق إلى السباقات (!Off to the races). أعني، ماذا تكون قصص المغامرات المليئة بالألغاز إذا لم تكن هناك حلول مفاجئة تأتي من العدم؟

(الجواب هو: Lost)

كانت هناك لحظات مضحكة في الحلقة، مثل طريقة استخدام تي باغ للابتوب، عن طريق خبط زر ما في اللابتوب في كل مرة، وهي الطريقة المستخدمة عادة من طرف… لا أحد، لا أحد يستخدم لابتوبه بتلك الطريقة، ربما باستثناء تلك اللابتوبات المتواجدة في مخازن السجون والتي يتم اختراقها بطرق سحرية لإضافة مواعيد غير متوقعة إلى مفكرة المستخدم. بدون أن ننسى اللحظة المضحكة رقم إثنان حيث تحاول المنطمة الخطيرة قتل لينكون ليس باستخدام المسدسات بل باختراق سيارته الالكترونية وجعله يسير بسرعة عالية ويفقد التحكم بالسيارة، القاتل كان يحمل مسدس لكنه فضل أن يستخدم الطريقة المعقدة والتي قد لا تضمن موته من الأساس، أما بالنسبة للقاتلة التي تم ارسالها لمنزل سارة فإنها تحب التصويب على الأقدام بدل… مثلاً… الصدر، والذي هو منطقة أسهل للتصويب من القدم، بدون أن نتحدث عن جزئية أنه كان لديها وقت كافٍ للهروب وليس لإطلاق طلقة أو طلقتين على الباب، أعني، إذا تكبدت كل ذلك العناء ماذا ستخسره بإطلاق طلقة أو طلقتين في طريق خروجك؟ وطبعاً سيفضل القاتلون المأجورون اليمنيون قتل لينكون وسي نوت باستخدام الطرق البسيطة، فنحن لا نزال في العصور الوسطى طبعاً، وإذا أردت أن تتأكد من قتل شخص ما في بؤرة حرب، حيث الأسلحة النارية نادرة جداً، فاقتله باستخدام السلاسل الحديدية، الكل يعرف هذا.

طبعاً لا يمكن قتل الشخصيات الرئيسية في الحلقة الأولى، هذا ليس غيم أوف ثرونز، وهنا المشكلة. ما الفائدة من وضع هذه الشخصيات في خطر إذا كنا نعرف سلفاً أن لا شيء سيحدث لها؟ هناك مشكلة حقيقية مع فكرة إعادة شخصيات من الموت، هذه القضية تكررت أكثر من مرة في السنتين الماضيتين، مرة مع الثرونز ومرة مع الموتى السائرون (بصيغة مختلفة: ”هل نجى فلان أم لا؟“) ومرة مع ذا ليفتوفرز، وفي هذه الحالات الثلاثة كلها كان هناك مشككون حول صدق موت هذه الشخصيات، وإذا كانت ردة فعلك الأولى على مشهد وفاة شخص ما هي: أنا لا أصدق هذا. فهذه مشكلة حقيقية في كتابة المسلسل. نفس الشيء مع مشاهد الأكشن والقتال، يصعب الاستمتاع بمشاهد القتال إذا كنت تعرف سلفاً أن البطل سيخرج سليماً منها على أية حال، لأن قصته لا تزال لم تنتهي، مما يجعلها مشاهد حشو فقط لا غير، والحشو مش حلو يا جماعة.

ثم بربكم، ما القصة مع الأطفال الأذكياء بزيادة عن عمرهم؟ أولاً يفعل Big Little Lies هذا الهراء ثم الآن بريزون بريك. لا أحد في العاشرة من عمره يتحدث بهذا الشكل، لا يعقل أن يكون لطفل صغير ذوق موسيقي مشابه لدي جي إذاعة راديو في منتصف عمره. أعني، كيف يمكن لطفل صغير لم يعرف أباه أبداً أن يستنبط أن هذه المشاكل التي تحدث الآن لها علاقة بوالده، لا وفوق ذلك يقول أنه يستنبط ذلك من تعابير وجه أمه، يا فرويد إنتا!

طبعاً نصل لجزئية سي-نوت وتحوله للاسلام، ودحش الإسلام والإرهاب في هذه القصة من الأساس. دعونا نكن صريحين، هذه ليست سوى محاولة غبية لجعل المسلسل مُعاصر للأحداث و Edgy، ”أنظروا إلينا، لدينا مسلم مسالم في القصة، ولدينا مسلمين أشرار، نحن أشخاص رائعون ونعرف أن ليس كل المسلمين سيئين“، وطبعاً المساجد النيويوركية مرتبطة جداً بالقضايا الكبرى التي تشغل الشرق الأوسط وساكنته، ألا يعرف الجميع هذا؟ مرة دخلت مسجد في نيويورك ووجدتهم يتجادلون حول من يستحق التصويت في أراب غوت تالنت. والجميع يعرف أن السجون الشرق الأوسطية، بالذات التي تقع في بؤر حرب، مزودة بإنترنت فائق السرعة وتستقبل طلبات التعرف على الهوية عبر الإيميل من المواطنين الأمريكيين العاديين بكل رحابة صدر مع إجابات أسرع من التي تتلقاها على صفحة دليل التلفزيون العربي عل فيسبوك، سجن أوغيغيا لديه تلك الإشارة الخضراء على صفحته على الفيسبوك والتي تعني ”نحن نجيب بسرعة“.

ليس لدي مشكلة مع قصص الارهاب، لدي مشكلة مع قصص الارهاب المصنوعة بركاكة. هل تتوقعون أن مسلسل شبكات سيهتم بمدى واقعية تمثيله لصنعاء والارهاب والحرب وكل تلك الأشياء؟ لا طبعاً، وبالطبع هذا خيال وليس حقيقة، لكن برأيي إذا كنت ستأخذ أشياء من الواقع وتدمجها في قصتك الخيالية أنت ملزم بأن تكون وفيّ لها وتظهرها بشكل صحيح وسليم، وإلا فأنت تستخدمها لغرض إعطاء قصتك واقعية مزيفة. هل من غير العادل أن أتوقع من بريزون بريك أن يكون بهذه الجودة؟ لما لا؟ إنه أفضل مسلسل في التاريخ قبل أي شيء.

أنا من كبار المعجبين بالفكرة الأصلية باستخدام وشم الجسد الخاص بمايكل كمحرك للقصة (Plot Device)، هذه فكرة خلاقة نوعاً ما، لكن العودة لنفس الفكرة مرة أخرى بدا لي مثيراً للشكوك، وبدأت أظن أن هذا الموسم الجديد لن يكون سوى إعادة للموسم الأول بقصة ”معاصرة“ في حلقات أقل. بدأت أرى سلفاً أوجه التشابه (تشابه وليس تقارب) بين هذا الموسم والموسم الاول، الجديد هنا طبعاً هو ما إذا كان مايكل ”الإعصار“ سكوفيلد هو نفس الشخص، أي أنه سيتم تحويله إلى أنتي-هيرو، سنرى في الأول أنه شخص فعل أشياء سيئة وسيحاولون جعل المشاهدين يكرهونه، ثم بعد ذلك نكتشف انه لا يزال طيب وكيوت وأنه فعل كل هذا في سبيل الحب، وأن كل هذا ليس إلا تمثيلية كبيرة في سبيل الغاية النبيلة، والتي هي… لا أعلم… لكنني سأشاهد بقية الحلقات وسأخبركم عندما أعرف.