مسلسل روما (Rome) هو مسلسل درامي تاريخي من انتاج و تقديم الملكة HBO بالتعاون مع قناة BBC البريطانية، هو من كتابة كل من برونو هيلر، جون ميلاس و ويليام ماكدونالد و من بطولة الثنائي الرائع كيفن ماكيد و رايان ستيفنسون مع وجود الحسناء بولي والكر و المخضرم سياران هيند، يتكون المسلسل من موسمين (12 حلقة في الاول و 10 حلقات في الثاني) حيث تجاوزت ميزانية الموسم الاول 100 مليون دولار، و صور في جميع انحاء ايطاليا حيث ضم اكبر مجموعة من مواقع التصوير في العالم.
حاول الكتاب خلال 22 حلقة تقديم الواقع الروماني على الصعيدين الاجتماعي و السياسي، كما انهم حاولوا تسليط الضوء على البيئة الداخلية و الضروف الاجتماعية المختلفة التي رافقت الانتقال التاريخي لروما من الجمهورية الى الامبراطورية في القرن الاول قبل الميلاد، كما انهم جسدوا لنا الابعاد السيسولوجية و المفارقات الاجتماعية بشكل مثالي نظرا لطبيعة الطرح و تقسيم الادوار الرئيسية و كيفية الانتقال من الوسط البرجوازي الحاكم و الغالبية الاجتماعية المقهورة بدون ان ننسى الفساد و الانحلال الاخلاقي و كيف اثر كلاهما على الامبراطورية و تقدمها.
قبل مشاهدتي للمسلسل لم يكن عندي ادنى فكرة عن الامبراطورية الرومانية و نشاتها و البيئة التي عاشت في كنفها، فبعد قرائتي لمسرحية شكسبير ”يوليوس القيصر“ ادركت ان الواقع السياسي يومها لم يختلف كثيرا عن واقعنا السياسي اليوم حيث ان الفساد و المؤامرات لهما حيز واسع، و الاوضاع الاجتماعية قاسية رغم النضج الفكري و التوسع الجغرافي الهائل من اروربا الغربية الى آسيا مرورا بالشرق الاوسط ، مصر و المغرب العربي، فالجميل ان المسلسل يؤرخ مرحلتين مهمتين في تاريخ روما القديمة، فالاولى هي الحرب الاهلية بين يوليوس القيصر و شريكه في الحكم بومبي في الفترة الممدة بين 500 الى 510 قبل الميلاد، اما الثانية فهي مراحل حياة اول امبراطور لروما ”اوكتافيان“ وريث يوليوس القيصر، حيث ركز المسلسل على طفولته و شبابه ثم صراعه مع كليوباترا و مارك انتوني القائد العسكري المتمرد، كما ان المسلسل لم ينسى عاملي الدين و الثقافة فترى جليا سيطرة العقيدةعلى نفوس الرومانيين و ايمانهم المطلق بالآلهات باختلاف انواعها و اشكالها و كيف كانت للاهوتية مساحة واسعة في القلوب و تصديق جازم في العقول، بدون ان ننسى الاباحية بكل اشكالها من العلاقات الغير الشرعية الى الشذوذ و الطقوس الغريبة.
ربما يقول الكثيرين ان هنالك الكثير من الاعمال الدرامية و الافلام الملحمية التي تتطرق الى روما الجمهورية و تحولها الى امبراطورية، لكن لم يتطرق اي عمل الى الحياة اليومية بادق تفاصيلها، فهذا العمل يؤخذك الى كواليس الحكم و يظهر لك الوجه البشع للسياسة، فالديمقراطية التي كانت تفتخر بها روما مجرد واجهة بيضاء لتاريخ اسود يكتب في السراديب و مؤامرات خبيثة تتشكل في الاذهان، فالحرب الاهلية لم تكن بسبب نزوة شخصية او رغبة جامحة بل من اجل تكريس الفساد الجماعي و تعويض الاحتقار بالفكر الاستبدادي، فيوليوس القيصر لم يكن يسعى لتوسيع روما فقط بل اراد ان يحكم الحجر و البشر معا، فغروره كان انعكاسا لانتصاراته، و حنكته كانت نتيجة لتعلمه من اخطائه، فهو من قال ”ما نفعله بسرعة لا نفعله باتقان“، لهذا يمكننا ان نتعلم الكثير من الدروس و ناخذ المئات من العبر، فالخيانة موجودة و الغيرة تسكن في ذواتنا و الوفاء ربما لا نمتك منه الا القليل، بدون ان ننسى كيف تراق الدماء و تنهب الاموال و تنتهك الاعراض، كل هذا و المزيد كان جزء من روما العظيمة التي لا يذكر التاريخ الا جمالها و لا يرى الى عفتها التي تلاشت في بحر من الرذيلة، فمن منا لم يتسائل: ما الذي حدث لروما؟ ما الذي قهرها؟ و الجواب ليس بذلك الصعوبة، ”الزمن“ هو عدو اي دولة، اي شعب، اي امة تعتقد لوهلة انها خالدة، فروما لم تغير عقليتها بل زادت في بطشها، لم تحسن اوضاعها بل استنزفت خيراتها، حتى وجدت نفسها مقسمة بين الشرق و الغرب، بدون هوية و لا ماوى، مجرد ذكرى يتغنى بها المؤرخين.
اذا تحدثنا عن السيناريو فهو قوي و يحمل في طياته الكثير من الافكار التقليدية سواء السياسية الدينية و حتى الاجتماعية و الثقافية، فتناول اي حقبة تاريخية يكون مرتكز على مرجعية قوية و ذات ابعاد مختلفة، فالمسلسل اعتمد الى جانب الطرح السلسل و الاحداث المتسارعة على القدرات التمثيلية للاسماء الموجودة، فالممثلين كيفن ماكيد و رايان ستيفنسون استطاعا ان يجسدا لنا الحالة النفسية التي رافقت الحياة اليومية لاعظم مقاتلي الفيلق الثالث عشر، و اظهرا لنا الاضطراب النفسي و الجانب العاطفي الذي رافقهما سواء في ميادين القتال او في العلاقات المختلفة بين الحب، الصداقة و الوفاء، فهما جسدا لنا الصداقة بابهى صورها و اكدا لنا ان الوفاء ليس شعور مؤقت او لحظة عابرة بل عهد متجدد و تعاون ابدي، كما انهما اظهرا لنا كيف يتغير المرء نتيجة الضروف القاسية، فالجندي ”بولو“ حول طيشه الى حكمة و تهوره الى حنكة، اما ”فارينوس“ فحول طيبته الى شر فداس على مبادئه السامية و و دفن ما تحمله ذاته من حب و رحمة، فهذه التغيرات ليست غريبة او مبالغ فيها لاننا نعيشها كل يوم و نتعامل معها في كل لحظة.
بالعودة لكل الاسماء الموجودة و الشخصيات المتنوعة فما سيلفت انتباهك هو شخصية ”آتيا“ التي جسدتها الممثلة بولي وولكر، فهذه الشخصية مزيج بين البراغماتية السياسية و الواقعية البحتة، فهي لا تشفق على احد حتى على ابنائها، لا تحب سوى المال و السلطة، لا تخشى المواجهة و تراجعها دوما يكون من اجل عودة اقوى، هي شخصية استثنائية استحقت عنها بولي والكر الترشح للغولدن غلوب كاحسن ممثلة، فمن اجمل اقتباساتها
”اعرف من انتِ، استطيع ان اراك، انت تقسمين الآن انك في يوم ما سوف تدمريني، تذكري، نساء افضل بكثير منك قد اقسمن على فعل نفس الشيء، اذهبي و القي نظرة عليهن الآن“.
لكن لن نغفل الدور الذي قدمه سياران هيندز بدور القيصر سيرز، فانا اعتقد انه استطاع اظهار ذكاء سيزر الكبير و كاريزمته العظيمة و غروره النرجسي، و اجمل مشاهد المسلسل هو مشهد اغتياله في وسط البرلمان، مشهد مثالي جسد النهاية الشكسبيرية بادق تفاصيلها.
بغض النضر عن العمق الدرامي و الاحداث المشوقة، فستستمتع بالديكور الخرافي من شوارع روما الى قصورها و صولا الى ازياء روادها، كلها كانت مؤثرات مبهرة، فالقائمين على هذا المسلسل خصصو اكثر من 4000 زي روماني و 1250 زوج من الاحذية، و اكثر من 500 درع و خوذة مخصصة للجنود في المعارك، كما تم استيراد الحرير من المغرب و تونس و الهند لتصنيع ملابس الاغنياء، كما تم اعادة بناء اهم معالم مدينة روما في مساحة تقدر بحوالي 5 فدادين، و تم الاستعانة بالعشرات من خلفيات التصوير و 6 منصات للصوت من اجل اغراق المشاهد بالتفاصيل الدقيقة و الصور الحية للعاصمة التاريخية روما.
هذا المسلسل يبدوا لك من الوهلة الاولى انه متكامل من ناحية الطرح و المضمون، لكنه افقتد للسرد الصحيح، فالكثير من التفاصيل تم اهمالها و العشرات من الاحداث تم تجاهلها، فالموسم الثاني بالتحديد كان سريعا للغاية، افتقر للمساحة اللازمة للسرد، فانا اعتقد انه كان من الافضل اضافة موسم ثالث كي يتم تغطية اغلب الاحداث، فمعارك اوكتافيان ضد ماركوس مثلا كانت تحتاج لاكثر من حلقتين او ثلاثة لانها شملت مطاردات واسعة على الصعيدين الداخلي و الخارجي، فالامبراطور اوكتافيان شدد على تصفية المعارضة الداخلية قبل ملاحقة المتمرد ماركوس و اعوانه في الخارج، فهذه التصفيات تم استئصالها ليس عن قصد او من اجل تعديل الرسالة الدرامية بل لضيق الوقت و التركيز الكبير على صراع اوكتافيان مع مارك انتوني و ملكة مصر، كما ان المسلسل بطابعه التاريخي كان شبه خالي من المعارك و المشاهد القتالية الواسعة و الشرسة، فحملات يوليوس القيصر كانت مجرد مشاهد عابرة للجنود ثم اخبار الانتصارات، بدون معارك حقيقية، وهذا ما جعل العمل يتمسك بابعاده الدرامية بدون حركة واسعة او عنف ضروري.
في النهاية يمكن ان نعتبر مسلسل روما عملا استثنائيا استحق بكل جدارة اشادة النقاد و المشاهدين معا، فهو مجرد رحلة الى الماضي و تذكرة عودة للتعرف على امبراطورية روما بكل ما حملته من حسنات و سيئات، لهذا اذا كنت من المتعطشين للمعرفة و من عشاق المغامرات فانا انصحك به لانه يقدم افضل صورة عن روما بكل ابعادها و بادق تفاصيلها.
التقييم النهائيّ
الكتابة: | السيناريو كان واقعي للغاية لانه يؤرخ مرحلة مهمة من مراحل التحول التاريخي من روما الجمهورية الى روما الامبراطورية | |
التمثيل: | كان متفاوت المستويات من ممثل لآخر فالبعض تقمصوا الشخصيات بشكل خرافي بينما البعض الآخر كان تقمصهم نسبي ما اثر على الكثير من المشاهد. | |
الإخراج: | كان رائع لكنه لم يضف الكثير. | |
رأي شخصي: | مسلسل ممتع للغاية يضعك في اجواء روما العظيمة بكل ما حملته من سيئات و حسنات. | |
7.75 / 10 | مسلسل درامي تاريخي و في غاية التشويق، ببساطة لن تندم على مشاهدته. |