PEAKY BLINDERS، نصول حادة ودماء.

لا أعرف كيف تبدو الحياة في المملكة المتحدة، فأنا لا استطيع إعتبار نفسي من النوع المغامر كثير الترحال، أنا من ذلك النوع الذي لا يخرج من منزله بسهولة ، لا يغادر غرفته إلا عندما تصبح الحاجة ملحة، وتتداعى عليه الأزمات وملمات الحياة فيخرج من وكره ليصلح ما يمكن إصلاحه ويقوم بما يتوجب عليه فعله يعد الدقائق لحين عودته، لذا أنا لا أعلم و لا أعرف من باب أولى كيف تبدو الحياة بالتحديد في بيرمينغهام في بدايات القرن التاسع عشر بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، ولا أظن أن هناك منكم  من يعلم أيضاً ! لذا سأدعوكم لرحلة سياحية بقيادة عصابات البيكي بلابيندرز ذات السمعة السيئة جدا والمشهورة بالشفرات والنصول الحادة التي لا تفارقهم، لكن لا تقلقوا لقد أبرمت لكم معهم صفقة جيدة ولن يتعرضوا لكم بإذى طالما أبعدتم انوفكم عن ما لا يعنيكم .

تدور حكاية المسلسل كما أسلفنا في المملكة المتحدة تحديداً في بيرمينغهام بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى، حيث يعود الناجون لأوطانهم وبيوتهم، أقصد من كان محظوظ منهم بالحفاظ على حياته وعلى جزء ما من عقله وروحه ليستطيع أن يكمل حياته، تلك الفئة المهمة والتي رويت وكتبت وصنعت عنها الكثير جداً من الأعمال الفنية إن كانت في السينما أو التفاز أو الروايات الأدبية، لدراسة وعرض وتصوير ما أسفرت عنه تلك الحرب من تغير فكري وثقافي في العالم وأوروبا بالذات، لكن لا أستطيع القول أن بأن المسلسل إهتم كثيراً بالإيدولوجيات المعاصرة المكررة أو أنه أمتلك أراءاً سياسية أو إجتماعية، نعم قد تطرق قليلاً وقد ظهر هذا مثلا في محور فريدي ثورن التي حولته الحرب والأهوال التي مر بها إلى محرضاً شيوعياً متحمساً لها، لكن القصة بالمجمل لم تحاول ان تكون أكثر من مجرد رحلة تشويق في ذلك العالم مغلفة بطابع إنساني بسيط، وباقي التفاصيل لم تكون أكثر من إكسسوارات للزينة تستخدم من حين لأخر.

ترتكز القصة على أفراد عائلة شيلبي التي بسطت نفوذها في المنطقة وصنعت لنفسها إسم في عالم الجريمة المنظمة، تبدأ القصة بعد عودة الشاب توماس شيلبي  بطل الحرب والحائز على وسام الشجاعة والعقل المدبر للعصابة والذي يقوم بدوره الرائع – كيليان مورفي – من الحرب لإدارة أعمال عائلته ومحاولة النمو بها عندما يخطئ رجال توماس ويقوموا بسرقة شحنة أسلحة مهمة من الميناء بدل شحنة دراجات، ترسل السلطات البريطانية رئيس المحققين كامبل – سام نيل – للتحقيق بهذه السرقة وإعادة الأسلحة ليصطدم مع مصالح عصابات البيكي بلايندرز وخططهم للتوسع في المراهانات والقمار وإدارة مضمارات سباقات الخيل .

البيكي بلايندرز كأي عمل قصصي أخر يرتكز على شخصية واحدة أو يدور في فلك شخص واحد فإنه غير قادر على مفاجئتك بالحد الكافي ، بالنهاية أنت تعرف بأن هناك شخصية ستنتصر في النهاية دام أن هناك قرار بتجديد المسلسل لموسم أخر ، ستتأزم الأمور وسيقترب من الموت أبطال القصة لكن في النهاية سيكونوا قادرين على شق طريقهم للخارج من أي أزمة يمرون بها ، لكن مع ذلك لا يمكن القول أن المسلسل كان متوقع به وأنه كان يمشي بطرق متوقعة لك ، بالنسبة لي على الأقل إستطاع أن يفاجئني بشكل إيجابي عدة مرات من خلال الكتابة الجيدة للأحداث ، وعندما أقول الكتابة الجيدة للأحداث فأنا أقصد أن المسلسل كان يتحرك للأمام بشكل إيجابي وممتع ، لكن هذا لا ينفي بالمجمل أن الكتابة لم تحكم حلقاتها في الذهاب بالأحداث للمكان الذي ذهبت إليه ، هل هذا أمر سيء ؟ إلى حد ما نعم فالمسلسل على الرغم من إستمتاعي به بأغلب الوقت إلا أنه وللحظات متقطعة ومنفصلة كنت مغتاظ ومحبط من الكتابة ، على الرغم من أن مبتكر المسلسل – ستيفن نايت – كاتب جيد وله عدة أعمال جيدة وشارك في كتابة أعمال أخرى معقولة جداً وحظي بالترشيح للأوسكار في فئة أفضل كتابة في فلم – ديرتي بريتي ثينغز – وأيضا حظي بترشيحات متفرقة عن كتابة فلم – إيسترين بروميسس – ومع ذلك أجده هنا لم يقدم عمل كتابياً بالجودة المطلوبة من حيث إحكام الحبكة ، فنجد أن تغيرات الأحداث وموازين القوى في المسلسل كانت تحدث بشكل مفاجئ جداً ربما تعمد هو ذلك لمفاجئة الجمهور لكن بنفس الوقت عدم تقديم تبريرات كافية في النص لما يحدث وعدم البناء الجيد للأحداث أضعفه بطبيعة الحال حسب رأيي .

 

العمل حتى الأن صدر منه موسمين كل موسم جاء بست حلقات فقط هذا ساعد في جعل رتم العمل سريع وأن عجلة الأحداث في تسارع دائماً ولا تكاد تتوقف، لكن السيء في الأمر أن هذا التسارع بالأحداث لم يعطي فرصة لبناء الشخصيات بشكل جيد أو إعطاء القصة عمق درامي أو حتى عرض تأثير حياة الجريمة على أفراد العائلة إنما كانت فقط سلسلة من الإثارة والأحداث مستمرة بعيدة عن القيمة الفنية الحقيقية، لذا لا تنتظر عمل مثل الإمبراطورية مثلاً رغم تشابه العملين في الخطوط العريضة.

الطريف في الموضوع وأنه على الرغم من المسلسل يمشي على نسق أعمال رجل شرطة – رجل عصابة ثنائية الخير والشر الشهيرة في أبسط صورها إلا أنك لن تستطيع أن تقول بأن رجل الشرطة يمثل الخير أصلاً، لن تستطيع أن تقول أني أبحث عن عاقبة أخلاقية ويجب أن يسقط رجل العصابة في النهاية في قبضة القانون، لكن هذا لم يحدث، إذ أن ممثل القانون هنا يقوم بأفعال شنيعة لا تقل إجراماً عن رجل العصابة الذي يفترض أن يمثل الشر، لا أعرف ولكن بالنسبة لي هذا كان أمر سيء.

 

بصرياً نجح العمل في نقل المشاهد لأجواء تلك الحقبة كما أفترض – بالنهاية كما قلت منذ البداية لا أعرف كيف تبدو الحياة هناك في بيرمينغهام – لكن كنت مقتنعاً تماماً اثناء العمل بأن القصة تدور هناك وكنت مستمع بالأجواء والديكور والأزياء العشرينية والسواند تراك المعقول جداً،  لذا لا أظن أن فكرة مشاهدتك للعمل ستكون سيئة بالمجمل، فقط عليك أن تعرف ما تنتظر من العمل وما لا تنتظره وحينها ستكون تجربتك معه معقولة، بقي أن أنبه أن العمل يحتوي على كمية دماء كبيرة، شتائم، ومشاهد إباحية، لذا لن يكون مناسب لكل أفراد العائلة ولن يكون مناسب للجميع.

 

 

التقييم النهائيّ

الكتابة:
التمثيل:
الإخراج:
رأي شخصي:
7 / 10 مسلسل إثارة معقول، تشاهده، تنساه، تمحوه ، بهذه البساطة .