لطالما كانت أعمال الويسترن الأمريكي محط إعجاب للمشاهد، كقصة وأجواء بغض النظر عن النواحي الفنية (المهمة بطبيعة الحال) ، فالقصص هذه بحد ذاتها مشوقة، وتعتمد على الشخصيات وكاريزمتها بشكل رئيس، لربما يعاني التلفاز من نقض في هاته الفئة، ولعل مسلسل الويسترن الأبرز هو Deadwood من إنتاج الملكة، لكن في حضرة مسلسلنا هذا والذي تدور المقالة حوله، سنرى خلطة سحرية جميلة، ناتجها قليل من الويسترن في العصر الحديث!

شخصية العمل الرئيسية هي رايلين غيفنز، هو رجل قانون، او كما يُلقب (مارشال) في الإف بي أي، مهام رايلين تنقسم، فمنها ما هو روتيني، ومنها القضايا التي يتعامل معها بشكل دوري في كل يوم وكل لحظة، مثل العصابات ورؤسائها، والقتلة، فالكلاسيكو الحاضر بين الشخصيات المتضادة لا يمكن تجاهله اطلاقاً، فعلى الضفة الأخرى يوجد بويد كراودر، افضل متفلسف وملقي خُطب في التلفاز، شخصية يمكن اعتباراها مثال حي لـل Anti-Hero، الشخصية (الشريرة) والسيئة كأفعال، لكن بكل بساطة لا يمكن ان تكرهها، وما يجعل ثنائية رايلين-بويد رائعة بشكل اكثر، هو التاريخ الحاضر ما بين الشخصيتين، فبويد ورايلين هم أصدقاء طفولة، فالأول إختار طريق الجريمة، والأخر اختار طريق القانون…

العمل يخوض في مواضيع عديدة متداخلة، وفي اجواء اقل من يقال عنها (ممتازة) برأيي ما يميز العمل هو انه استطاع ان يقدم لنا شخصيات رائعة للغاية في محيط العمل، ورأينا بناء درامي مميز لهذه الشخصيات على مدار خمسة مواسم، دون ان نرى مبالغة في التركيز على الشخصية، فالعمل يعتمد على الأحداث، ولا يعتمد على الشخصيات، كطرح وسرد درامي، لهذا البعض سيعجبه الأمر، بالأخص من يبحث عن التشويق والتركيز على القصة، عوضاً على التعمق بالشخصيات، طبعاً كلامي هذا لا يعني ان الشخصيات بسيطة كتابياً، فكما قلت سابقاً واوضحت، المسلسل استطاع ان يقدم لنا شخصيات مميزة للغاية عن طريق معادلة ناجحة وموازنة رائعة ما بين احتياجات القصة واحتياجات الشخصية.

 

ذا أردنا ان نتكلم بالعموميات فجستيفايد هو عمل تم بثه على قناة FX، تم بث خمسة مواسم إلى يومنا هذا، ومن المخطط أن يكون الموسم السادس هو الموسم النهائي للعمل، كل موسم من هذه المواسم يحتوي على ثلاثة عشر حلقة، العمل هو من إنتاج وتطوير غراهام يوست، مبتكر مسلسلات The Pacific و The Americans و مسلسلات أخرى والفائز بجائزتين للإيمي عن مسلسل The Pacific ومسلسل أخر قصير From Earth To The moon ، جاستيفايد مبني بالأساس على عدة روايات للكاتب إيلمور ليونارد مثل (Pronto 1993) و (Riding The Rap 1995) والقصة القصيرة (Fire In The Hole).

ترتيب المواسم والحلقة المفقودة

الجميل في جاستيفايد هو طريقة التعامل مع المواسم من طرف الكتاب، فكل موسم تميز فنياً، وكل موسم اضاف بُعد جديد على بناء القصة، فكل موسم من المواسم الأربعة تميز بتعمقه في مجال معين، (على غرار الموسم الخامس وهو ما سيجرنا للنقطة التالية) فالموسم الأول عانى قبل ان يطلق عنفوانه، ولنقل ان الست حلقات الاولى لم تكن مفيدة وكان قطار العمل يسير على السكة الخاطئة، قبل ان يتدارك الكتاب هذه القضية ويتم التركيز على محور العائلة مع بويد كرادودر، ومحور العائلة بشكل ابسط مع رايلين، ثم في الموسم الثاني رأينا دخول عائلات اخرى (محور العائلة سيتم التطرق له في نقطة منفصلة هو الأخر) لمجال الجريمة، ورأينا تحولات جذرية في شخصيات معينة، الموسم الثالث كذلك سار على نهج الثاني، والموسم الرابع كان متماسك للغاية وربط بشكل مميز جداً اطراف مترامية من كل موسم وركز على محاور كانت ثانوية، مع بناء درامي ممتاز، نتج موسم رائع للغاية يضعه البعض ويصنفه كالموسم الأفضل في العمل درامياً.

الحلقة المفقودة كانت في الموسم الخامس، والذي حاول تكرار ما حدث في الموسمين الثاني والثالث بادخال طرف جديد على المسلسل، الموسم كان يمكن اختصاره بست حلقات،  مع ذلك لا يمكنني القول بأن الموسم كان سيء، لانه لم يكن، فالقصص كانت جيدة لكن لنقل انها لم تكن ذات اهمية ولم تدعم مسار القصة بشكل واضح، فمقارنة مع المواسم الاخرى، اعتقد ان الموسم الخامس كان الأقل فنياً، واعتقد ان هذا الأمر كان ناتج عن تشتت الكتاب ما بين بناء أحداث الموسم النهائي، والموسم الخامس نفسه، لذا فلنأمل ان يكون هذا الامر تمهيداً لموسم ختامي مميز يستحقه العمل.

العائلة

من الصعب للغاية ان ترى مسلسل لا يتطرق لمحور العائلة، وجاستيفايد ليش بشاذ عن هذه القاعدة ، فالعائلة تأخذ حيز كبير هنا، ولا ترتكز على الاطفال والزوجات، فالصراع يشمل العائلة جميعها، فكل عائلة مشهورة في منطقة هارلن، وكل عائلة لها وزنها في المنطقة، ولها صلاحيات، ولها قادة، الاعتداء على احد الافراد قد يشكل حرباً على العائلة الاخرى، وتشتهر العائلات بنشاطتها الاجرامية، من تهريب سلاح، الى المتاجرة بالممنوعات، إلى القتل في بعض الأحيان، ومن الممتع ايضاً ان والد رايلين غيفنز هو رجل عصابات ايضاً، فرايلين اختار ان يبتعد عن والده بالإلتحاق بالقانون والذهاب الى ميامي، قبل ان يعود مرة اخرى إلى كنتاكي لتبدأ قصة جاستيفايد، فرايلين هو العالم بخفايا كل عائلة، فهو مر بالتجربة مع ابوه عندما كان صغيراً، ولا يخفى عنه طبيعة العائلات وافرادها وقادتها، فالتاريخ السابق ما بين رايليلن ومقاطعة هارلن يجعله عالماً بجميع خفايا المنطقة.

---

 

فنياً

 

الإنطباع الاول الذي ستأخذه من المسلسل سيبقى راسخاً بذهنك، فمشهد العمل الإفتتاحي كان مميز وجاذب للأهتمام، ولعل المشهد الأخراجي كان لافت أيضاً، لا يمكنني ان اقول ان اخراج العمل هو الافضل حالياً ما بين المسلسلات، ولا حتى من بين افضل 5، لكن مع هذا لا يمكنني ايضاً ان اقول ان الاخراج كان مقبول ولم يضف قيمة فنية ايجابية، لأن المستوى الإخراجي عالي، فتصوير عادات مدينة كنتاكي كان بارز ولافت للغاية، وتصوير الحوارات والمنواشات ولحظات اطلاق النيران كان ممتاز.

واذا انتقلنا لمحور اخر مهم في التقييم، وهو الطاقم التمثيلي، فلا يمكننا تجاهل جائزتي الإيمي التي مُنحتا لفردين من افراد طاقم التمثيل، ولا يمكن ان نتجاهل الدور المهم لبطل العمل، تيموثي أوليفانت، والذي استطيع القول بأنه ظلم لوجود خيرة من الممثلين على الساحة، امثال براين كرانستون وجون هام، ولا اعتقد ان الفارق الفني كبير كفارق الترشيحات والجوائز بينهم، لكن الفرق يبقى جودة  المسلسل، فالمسلسلات الأخرى عميقة درامياً ويوجد حيز كبير لإبداع الشخصية بمشاهد وانفعالات درامية تعتبر من اساسيات المسلسل، عكس جاستيفايد الذي يعتمد على الأحداث بشكل رئيس .  يوجد لدينا ايضاً والتون غوغينز،وجيريمي ديفيز الفائز بإيمي افضل ممثل مساعد ، و مارغو مارتيندال، صاحبة الظهور المتواصل على الشاشة الصغيرة، والتي اكتسبت جائزتها الأولى من خلال دورها المهم في الموسم الثاني ، كأفضل ممثلة مساعدة، الكلام عن كل ممثل سيجرنا للحديث عن طاقم كبير يستحق كل تقدير، وتميز كل فرد منهم بتقمص جيد لدوره.

نسبة للكتابة، فأستطيع ان ارفع القبعة لجميع الكتاب الذين تعاقبوا على العمل، فحورات العمل كانت ممتعة للغاية، ومليئة بالإقتباسات، والنص لم يكن بخيلاً واعطى كل شخصية حقها، فكل شخصية كان لها حدث مهم وقوي استطاع ان يبرز لنا الطبيعة البشرية لها، واستطاع ان يعطيها ابعادها الدرامية المطلوبة، فالكتابة ايضاً كانت مميزة للغاية ككتابة تعتمد على الأحداث، ففي اسوء دقائق العمل (نسبياً) ستشعر بالإثارة والتشويق، والذان يعتبران من اهم سمات العمل، فالقصص دائماً ما كانت محبوكة ومثيرة.

---

في النهاية..

لطالما تعجبت من الشعبية القليلة لهذا المسلسل، ولا اعلم السبب صراحة، فمن يبحث عن الدراما سيجدها، وسيستمع بعمل فني ممتاز، ومن يبحث عن الحركة والأكشن سيجدهما ايضاً، والعمل بعيد كل البعد عن أن يكون عمل ممل، او غير جاذب،، تستطيع متابعته في اي وقت، وفي اي مزاج..