SHERLOCK , جنون العبقرية !

كل الحيوات تنتهي , وكل القلوب تنفطر , و العاطفة لن تجلب لك نصراً ,,

التحري الخاص شيرلوك هولمز ,, أعتقد – بلا مبالغة – أن الكل يعرف هذا الإسم ,, بغض النظر لو كنت قرأت رواياته ,, أو شاهدت أفلاما أو مسلسلات تتناول قصته وشخصيته المثيرة والمميزة ,, أو فقط سمعت أحدهم يذكر إسمه هنا أو هناك ,, المهم انك بالتأكيد سمعت بالمحقق البريطاني العبقري ,, لربما أشهر إسم لمحقق وتحري في التاريخ ,, لربما فقط نستثني –  المحقق كونان –  كعلامة بارزة عند أطفال هذا الجيل في هذا المجال في عصرنا الحالي 🙂 ,, لذا لا عجب أن نعرف أن محاولة تحويله للشاشة وإخراجه من الورق متعددة ,,

لكن اليوم الحديث هنا عن أحد أجمل الأعمال اللتي تناولت هذه الشخصية و حسب رأيي وأعتقادي أفضلها على الإطلاق ,, الحديث عن – شيرلوك – المسلسل البريطاني من قناة البي بي سي ,, لماذا أعتبره الأفضل , حسنا , العمل الهوليودي الشهير من تمثيل – روبرت داوني  جونيور –  حول قصة الرجل لعمل أكشن بالدرجة الأولى , الكثير من القتالات والكثير من الإنفجارات هنا وهناك والقليل من نباهة شيرلوك , لا يمكن أن تستغرب ذلك الأمريكان لديهم حب واضح لإفساد بعض الشخصيات الأسطورية التي لا تكون أمريكية !  أيضا إلمنتري عمل بعيد جدا على أن نضعه في منافسة فعلية مع شيرلوك  يكفي أن نقول أنه حول الدكتور واطسون لإمرأة  من أصول اسيوية –  Asian-American –  لسبب لا يعلمه احد على ما أعتقد ,, ولكن المكان لا يسع للتعمق في طرح مفاضلة بينهم .

القصة معروفة للكل ,, شيرلوك المحقق البريطاني العبقري ,, هنا سنتابع تحرياته الغير عادية ,, لكن المميز أنها ستكون في لندن المعاصرة , نعم قد يبدو الأمر غريبا ومستهجناً – أعرف ذلك – لكن صدقني ستغير رأيك تماماً عندما تشاهده ,, ,

لا يحتاج المشاهد الكثير ليلاحظ تفرد وتميز العمل عن باقي الأعمال الأخرى التي تناولت شيرلوك ,, فمنذ اللحظات الأولى للعمل يلفت الإنتباه الأسلوب الإخراجي للعمل ,, اللقطات سريعة ,, الألوان مشبعة وحالمة ساهمت بخلق جو روائي جميل وكذا فعلت الموسيقى التصويرية  الجميلة ,, بالإضافة للمعلومات اللتي تنبثق على الشاشة بأناقة لتوضح وجهة نظر متفردة لهذا التحري الإستثنائي ,, أو كما يسمي نفسه – محقق إستشاري – وهو كما يوضح أيضا الوحيد في العالم الذي لديه هذه المهنة ,,

أيضا العمل إمتاز على مستوى الصورة بتنقلات إخارجية بارعة بين لحظات الكوميديا ولحظات الإثارة , لاحظنا بشكل واضح كيف سخر المخرج أدواته بشكل سليم وسلسل ليتحكم برتم اللقطات على حسب إحتياجه ,, العمل المونتاجي كان كبير وموفق ,, التلاعب بالألوان وتراكيب الصورة خدمت بشكل إستثنائي كل موقف ,, وتنقلت ببراعة وهو أمر نادرا ما نشاهده في أعمال مشابه ,, حيث يكتفي المخرج بإعطاء عمله لباس موحد على طول الخط ,, هنا إختلف الأمر وقدم لنا تمكن إخراجي بارع في حالات عديدة ,, رعب , إثارة , تشويق , كوميديا , وحتى قليلا من الدراما من حين لأخر .

لكن بعيدا عن ذلك وعلى مستوى الشخصيات نحن هنا أمام ثيمة مميزة ,, ثيمة – شخصية –  بقدرات خارقة و إستثنائية ,, وهنا يتجلى ذكاء مبدعي المسلسل بنقل شيرلوك من محقق لشخصية بطل خارق ,, فنلاحظ كل الجزئيات المطلوبة لهذا النوع ,, المجرم الإستثنائي ,, الشرطة الذي لا ترغب به ولكنها تضطر لطلب مساعدته , الكارهين  ,, وأيضا المعجبين به ,, وأخيرا ثيمة موسيقية للبطل ,, وبضع  أسطر هنا وهناك ,, نمط كامل مميز لعمل سوبر هيرو ,, وإن كان الأمر غير معلن وصريح ,,  قد يسأل البعض ولم يكون هذا ذكاءاً ,, حسناً أعمال التحقيقات على التلفاز متواجدة بكثرة جدا ,,و دائما هناك محقق ما ذكي فيها ,, لكن لأننا هنا نتحدث عن شخصية إستثنائية وضح الكاتب جليا أنها خارقة ,, فسمحت لهم بنقل الحبكات لمستوى أعلى ,, لن ترى مجرم إعتيادي ,, سترى شيرلوك يتحرك ليواجه عصابات دولية ,, ومؤامرات ,, وخصماً إسثنائياً إسمه مورياتي ,, سمح لهم أيضا بإضفاء القليل من المبالغات هنا وهناك وجعل الأمر متقبلاً ,, و هذا طبعا لم يكن ليتحقق بدون الأسلوب الإخراجي والنمط الكتابي الذي رسمت به الشخصية هنا ,,

على مستوى الموسم الأول العمل لم يتعرض لشيرلوك الإنسان ,, لكن العمل ركز على شيرلوك المحقق – المستشار – ,, أظهر شيرلوك في نزواته وتفرده ,, بهدوءه وسخريته وعبقريته ,, رسم له إطارا أجاد الممثل – بيندكت كمبرباتش – تقمصه تماماً ونقله لنا ببراعة ,, فلو كنت سأصدق  وجود تشارلوك أو كنت ساتخيله كان سيكون تماما كما صوره المسلسل ,, وحتى صديقه واطسون ,, كلاهما يبدوان كمن خرج من رواية للتو !!

لكن عاب الموسم الأولى بعض الضعف على مستوى الحبكة ,, خصوصا في حلقته الثانية القصة والحبكة كانت اضعف بشكل واضح وجلي من كل باقي حلقات المسلسل ,, لكن بالمجمل إستطاع أن يقدم موسم أول يجذب الإنتباه ويشدك لمتابعة موسمه الثاني ,, خصوصا وأنه قدم لنا حلقة نهائية جميلة ,, شهدت ظهور خصم شيرلوك الأفضل ,, مورياتي ,, ودعوني أخبركم الصراحة ,, شيرلوك مع مورياتي ليس أبداً كشيرلوك بدونه ,, لذا تذكر الأسم ,, وترقب خروجه ,, إنه الخصم الذي يستحق تواجد شيرلوك على أرض الواقع من أجل قهره !

لكن عندما ننتقل للموسم الثاني سيتضح جليا فارق المستوى بين موسميه ,, ولو أردت رأيي سأقول أن كل المديح والشهرة التي نالها العمل كان لموسمه الثاني الفضل به ,, عيوب الكتابة , الحبكات الضعيفة , وشخصية البطل الغير قابلة للمس ,, كلها تتلاشى وننتقل لمستوى أعلى تماماً ,, ولكي أكون واضحاً أهم ما تميز به الموسم الثاني هي أنسنة شخصية شيرلوك ,, قلت سابقا أن الكتاب كانوا أذكياء لتحويل شخصيته لسوبر هيرو وهنا أشيد بذكائهم مجددا في أنسنة الشخصية وجعلها تقترب من المشاهد ,, فشيرلوك بالنهاية لم يكن تماماً بلا مشاعر ,, لكن فقط إختار الإبتعاد ,, إختار أن يتجاهلها ويكبحها والسبب على حد زعمه أنها من الممكن أن تكون مدمرة !

لكن يكفي مديحاً للعمل ,, ودعوني أتكلم قليلاً عن بضعة عيوب بارزة ,, بداية هي ما أنه قد ذكرته كونه ذكاءا سابقا برفع مستوى قدرات شيرلوك وبالتالي رفع مستوى التحدي على مستوى الخصوم وعلى مستوى الحبكات أنشأ لنا مشكلة بسيطة ! أن الكتاب ليسوا بذكاء شيرلوك ! لذا أحياناً نرى أنهم يذهبوا بعيداً في صناعة الحبكة وتعقيدها ثم وبشكل مؤسف لا يجيدون فك عقدها ,, ليس بالشكل المرضي جدا على الأقل ! أيضا في بعض الحالات يجدر الإشارة أن بعض لقطات الأكشن وبعض اللقطات التي إحتاجت مؤثرات بصرية لم تقدم بالشكل اللائق تماماً ,, لكن يمكن لنا أن نعذرهم ,, فبالنهاية ميزانية مسلسل تلفزي لا تكون أبدا كافية بالغالب لإتقان تفاصيل كهذه .

النقطة الأخيرة هو وكأي عمل لشخصية خيالية ذات قدرات غير عادية وإستثنائية  به الكثير من المبالغة ,, يجدر بك أن تتقبل ذلك ,, لا يمكن أن تنتظر عمل من هذا الصنف بواقعية كبيرة .

الكل بالتأكيد نالت إعجابه النهاية الإستثنائية للموسم الثاني ,, المواجهة الحاسمة مع مورياتي وما أسفرت عليه كانت بالتأكيد على مستوى التطلعات تماماً ,, الجميع أيضا – أو هكذا أظن – صدم في نهاية الموسم الثاني حيث يسقط شيرلوك ميتاً أو هكذا يبدو في حينها ,, السؤال كان دائما كيف سيعيد الكتاب شيرلوك للحياة ؟ وهذا ما إنتظرناه جميعاً في الموسم الثالث ,,  حسناً الجواب لم يأتي بشكل مرضي في الموسم الثالث ليس بالنسبة لي على الأقل ,, التفسيرات التي جاء بها حسب ما فهمته لم تكن إلا إحتمالات , لذا العمل ترك لنا هذا الباب مفتوحاً , أو بأفضل الأحوال موارباً !

لكن بعدياً عن هذه الجزئية الموسم كان جيد جداً  ,, أفضل من الموسم الأول لكن أقل من الموسم الثاني ,, غياب مورياتي مؤثر وواضح , لكن نهايته إحتوت أيضاً على مفاجئة , يبدو ان مورياتي عاد أيضاً بطريقة ما , حسناً هل سيعطنا الكتاب هذه المرة حلولاً وتفسيرات أفضل ؟

لكن من المهم ذكر أن الموسم الثالث لم يأتي لي بجديد ,, الكتاب نعم قدموا حبكات جيدة وقدموا بعض الإثارة لكن على المستوى الدرامي لم يضيفوا شيئاً ,, فقط إستمروا بنهج الموسم الثاني بإضفاء المزيد من الإنسانية لشخصية شيرلوك ,لأن الإضافة التي قدموها على مستوى الدكتور واطسون لم تكن شيئاً أعتبره إضافة للعمل , مجرد شخصية إضافية لبضعة تفاصيل للحبكة, لم يتم إستخدامها دراميا البتة , اتمنى أن يقدم لنا الموسم الرابع الجديد ولا ندخل في مرحلة التكرار ,, نود أن نشاهد أفاقا جديدة للشخصيات , بالذات لشيرلوك .

التقييم النهائيّ

الكتابة:
التمثيل:
الإخراج:
رأي شخصي:
7.75 / 10 عمل قدم لي إثاراة ممتعة بإخراج متمكن وأداء تمثيلي عالي ,, والأهم أرانا شيرلوك كما يجب أن يكون فعلاً ,, يستحق المشاهدة بالتأكيد