Wonderfalls: عندما يتحدث إليك الكون, قد لا تكون بالضرورة مجنوناً

يعتبر ”ووندرفالز“ من بين أسرع الإجهاضات في تاريخ التلفزيون, حيث تم إلغاءه و هو لا يزال يحاول إستكشاف طريقه. لحسن الحظ, شباب SaveWonderfalls.com إستطاعو أن يجعلو فوكس تصدر الحلقات الـ13 كلها (التي تم إذاعة أربعة منها فقط) من هذا المسلسل الرائع, مما اتاح فرصة مشاهدة هذا المسلسل للأجيال القادمة.

Wonderfalls Lee Pace

وسط هذه الواجهة المبهرجة و التجارية لما كان يعتبر الجمال النقيّ لشلالات نياغرا, تعيش (جاي تايلر), شابة أخرى من شباب أمريكا الكسول. لديها كل ما تحتاجه لكي تصبح, أو أن تفعل, أياً ما تريده في حياتها, لكن ليس لديها أي اهتمام بأن تلعب اللعبة… إلى أن يصفعها الكون على الرأس. بواسطة أمنية غريب ما على نافورة ”ذا مايد اوف ذا ميست“, تصبح (جاي) نسخة عصرية من (جان دارك), تساعد, كُرهاً, المظلومين مستعينة بتوجيه مبهم من الكون. لنواجه الأمر, أن تكون عاهرة الكون ليس بالأمر الهيّن.

بين فترة وأخرى, نمرّ بتجربة ما تفوق طاقتنا على الشرح. مختلفة جداً و أسِرة, وكأنك تتنفس الهواء النقيّ للمرة الأولى في حياتك. تخطف أنفاسك. تتلذ بها. تتوق إليها. و برمشة عين, بدون أي تفسير, ترحل. ضرب وحشيّ من ضروب القدر. لربما لم نكن مستعدين لها. لربما لمع نجمها بأقصى ما يمكنها لأطول فترة ممكنة. لربما ولدت, هذه التجربة, إلى هذا الوجود لتثبت لنا فقط وجودها و إمكانية حدوثها, مُلهمة الأخرين ليحملوا الشعلة و يكملو المسير. ولأي سبب كان, تحتفل بتلك التجربة و تكرّم مرورها. وهذه هي أسطورة ”ووندرفالز“

wonderfalls

عندما تستمع إلى منتجي المسلسل (تود هولاند) منتج ”مالكوم إن ذا ميدل“ و (براين فولر) وهما يتحدثان عن تطوير ”ووندرفالز“, تحسّ بذلك المجهود الكبير المبذول والشغف الوافر الذي ألهم ولادته. نفس الشغف و التبجيل الذي تسمعه من (بول فريغ) على ”فريكس اند غيكس“. كلاهما مسلسلان لم يفهمهما أو يقدرهما سوى شريحة صغيرة من الناس في بداياتهما.

”ووندرفالز“ مسلسل كان يحتاج وقتاً لكي ”يتخمّر“. أولاً, على المشاهد ان يدرك ان (جاي) أكثر مما تبدو عليه, فتاة لاذعة, ساخرة بإكتئاب في العشرينيات من عمرها. فتاة تعيش كمواطنة من الدرجة الثالثة وسط عائلة من الناجحين إجتماعياً. والدها (دارين) طبيب, والدتها (كارين) كاتبة و إجتماعية, أختها (شارون) محامية, و أخوها (أرون) على وشك نيل الدكتوراه… و ثم لدينا (جاي), تعمل في محل لبيع الهدايا التذكارية للسائحين قرب الشلالات. وظيفتها العديمة المعنى تنعكس على الحياة العديمة المعنى التي اختارت ان تعيشها. ما عجزت (جاي) ان تراه, هو ان الكون يتأمر عليها طوال الوقت ليجهزها لأشياء أعظم بكثير. سخريتها تلك تمكنها من الرؤية من خلال هراء الحياة اليومي وكذا تمييز الحقيقة في أي حالة معينة. وتلك بالظبط هي المهارة المطلوبة لإعادة التوازن إلى موازين الانسجام العام… أو على الأقل, في عالمها الصغير, الغامض, شمال ولاية نيويورك.

ما يميّز هذا المسلسل عن غيره, ”جوان أوف أركيديا“ على سبيل المثال, حيث البطلة (جوان جيراردي) تحاور الرب من خلال أشخاص عاديين في حياتها اليومية (اطفال, عمال نظافة, عجائز…), هو أن (جاي) تتواصل من خلال أشياء جامدة (أسد شمعيّ مشوّه, قردة محشوة, مقشدة على هيئة بقرة…). المشكلة الوحيدة هنا, هو أن محادثات (جاي) ليست محادثات من طرفين. (جاي) عموماً تحصل فعلى كلمتين او ثلاثة, التي يمكن ان تنطبق على ألاف الاشحاص أو الحالات في حياتها الخاصة. في البداية تحاول تجاهل ذلك, لكن ذلك لا بنفع ابداً. فور ما تكتشف ما يفترض بك ان تفعله بحياتك, تلك القوة لن تسمح لك بأن تترك الامر يمضي وحسب. لذا, بعد فترة كافية من التعذيب, تتقبل جنونها, تستلم للظغط, و تمضي مع الأمر, مكتشفة أنه هناك الكثير من الأشياء في الحياة أكثر مما يتوقعه المرء.

كل حلقة من حلقات المسلسل الـ13 تعالج مواضيع مختلفة تتخللها مفاجئات من قبيل الهويات الخاطئة, الخطط الخفية, و إجهاض متكرر للعدل, في عالم يغص بأكثر الشخصيات غِنىً و تنوعاً قد شهدها التلفزيون منذ فترة طويلة.

الشخصيات

68211

جاي تايلر (تلعب دورها Caroline Dhavernas)
أظن أننا نتفق انه هناك بعض الأدوار خُلقت ليلعبها أشخاص محددون, وهذا ينطبق تماماً هنا. وقد تصدم لو أخبرتك ان (كارولين) مشهورة في كندا. الممثلة الفرنسية/الكندية كانت نجمة أفلام ومسلسلات منذ صغرها, ولديها الموهبة لتثبت ذلك. في كل مشهد تملأ الشاشة حياة اكثر من 10 ممثلين مجتمعين, بواسطة قراءتها الذكية للأسطر, و تعبيراتها الوجهية الصريحة, و إبتسامتها العريضة التي تضيء مدينة بأكملها. لربما قد تكون (دافيرناس) هي بطلة هذا العمل المبهر, لكن هناك غيرها.

Wonderfalls”المُتنفّس الفموي“ (يلعب دوره Neil Grayston)
حسب IMDB, إسم هذه الشخصية هو (أليك), لم انتبه لهذا في الحقيقة عند مشاهدتي للمسلسل!
يلعب (نيل غرايتسون) دور المشرف على (جاي) في محل ”ووندرفالز“. قد يتعرف عليه غيركم أكثر من دوره في مسلسل Eureka.
تدعوه (جاي) بـ“المتنفس الفموي“ لأنه يتنفس من فمه.

Wonderfallsشارون تايلر (تلعب دورها Katie Finnieran)

أخت (جاي) المحامية العصبية. شاذة متخفية تفعل كل شيء تستطيع أن تفعله لتنال احترام و حب والديها, و الأهم من هذا, لتنال رضاهم عن الخيارات التي اتخذتها. قبل حدوث ما حدث لـ(جاي), لم تكن حقاً مدركة لما هي عليه وما تريده من حياتها. ”فينييران“ ممثلة جيدة, و الكيمستري بينها وبين ”دافيرناس“ على الشاشة رائع.

Wonderfalls Lee Paceأرون تايلر (يلعب دوره Lee Pace)
أخ (جاي) الذي يحلل كل شيء بشكل مفرط. الطالب النجيب الذي يختبئ خلف الحقائق و المعرفة, لكي لا يعيش حياة مليئة بالشك. مثل (شارون), يهتم جداً بما يظنه والداه عنه, ولهذا يقضي وقتاً كثيراً في العلاج النفسي. (أرون) من أكبر المتأثرين بما حدث لـ(جاي), لأنها قوّضت كل معتقداته كلياً, و تحرره منها في نفس الوقت. ”أدم سكوت“ لعب دور (أرون) في البايلوت الأصلي, لكن عجز عن الالتزام بالمسلسل. عندما حاز ”لي بايس“ على الدور, ”فولر“ و ”هولاند“ اعادا تكوين الشخصية, أخذين (أرون) إلى طريق أخر غير الذي خططو له في بادئ الأمر. من شاهدو البايلوت الأصلي (الغير مذاع) سيدركون أن دخول ”بايس“ للمسلسل غيّر تماماً من دور (أرون) في القصة, بل ساهم في تطويرها بشكل كبير.

Wonderfallsكارين تايلر (تلعب دورها Diana Scarwid)
والدة (جاي). الإجتماعية المثالية. المظاهر هي نقطة قوتها, وتريد ان يعرف الجميع كيف تجري الامور بخير مع عائلتها و الاشخاص الذين يحيطون بها. هي قائدة المشجعات/ملكة حفلة التخرج/رئيسة الفصل المدرسي التي تزوجت طبيباً ناجحاً, و أنجبت ثلاثة أطفال رائعين, و دفعت لشخص ما لكي يربّيهم بينما تتابع مسارها العملي.
أداء (سكارويد) رائع, ملكة الجليد, كل جملة تقولها و كل تعبير و رد فعل هو كوميديا من طراز عالي.

Wonderfallsدارين تايلر (يلعب دوره Willian Sadler)

والد (جاي). طبيب ناجح أدرك لتوّه ان الحياة بها كثير من الاشياء غير تلك الاشياء التي تهتم لها زوجته. مثل ابنه (أرون), (دارين) يُظهر علامات تأثر مستمر بتجارب (جاي).
تمثيل (سادلر) يُظهر تماماً شخصية (دارين) المنفصلة, جامدة الوجه, ذو الفكاهة الحادة. وهو بدون شك يشكل بجانب ”سكارويد“ ثنائياً رائعاً على الشاشة.

Wonderfallsمهاندرا مغينتي (تلعب دورها Tracie Thoms)
صديقة (جاي) المقربة. تعرف شخصيتها الحقيقية, و ما هي حدودها, و كيف تتصرف بخصوصها. بالتأكيد تتمنى أن تكون في مكان أفضل, لكنها سعيدة بالمكان التي هي فيه. لسوء الحظ, شخصية (جاي) الجديدة تثير أعصابها و تجعلها تظطر إلى القيام بخيارات لم تتخيل قط ان تتخذها.
على غرار (لي بايس), (تومس) لم تكن في إفتتاحية المسلسل الأصلية. لأن الممثلة السابقة عجزت عن الإلتزام مع المسلسل, مُفسحة الطريق امام (تومس) لكي تُضفي طابعها الخاص على الدور.
Wonderfallsإريك غوتس (يلعب دوره Tyron Leitso)
الواقع في غرام (جاي). مجرد شخص أخر أتى إلى شلالات نياغرا في شهر عسله, ليفاجئ بزوجته مع حامل الحقائب. في تلك اللحظة, يجمع شتاته و يبني حياة جديدة لنفسه, تاركاً كل شيء خلفه. (أريك) هو الشخص الذي نطمح ان نكونه: مُستنير.
كان ليهرب مع (جاي) في رمشة عين, لكنها خائفة من الخروج عن منطقة راحتها, بالرغم من كل ما رأته وما فعلته. ونتيجة لذلك, تخاطر بخسارة (إريك)… ونفسها أيضاً.
(ليتسو) هو الصورة المثالية للرجل الوسيم… و المتضرر في نفس الوقت.

تطور القصة

يبدأ المسلسل على هيئة مسلسل عادي كوميدي. في أول حلقتين, تصطدم (جاي) بسخافة الحياة عبر رحلتها الروحية. يساورها الشك حول صحتها العقلية, وتبذل جهداً كبيراً لإبقاء الأمر طي الكتمان, لكن مهما كان الجهد المبذول, فأمور كهذه لا تبقى مستورة لوقت طويل.

فور ما نصل للحلقة العاشرة, يأخذ المسلسل نبرة جدّية اكثر, وتصبح قصص الحلقات ذات مغزى و هدف معين, توصل رسائل معينة عبر كل حلقة: القسوة الاجتماعية (الحلقة 7), الهوية المسروقة (الحلقة 6), الأسرة المتفككة (الحلقة 8), الخيانة الزوجية (الحلقة 10), إنتقامية الحب الغير متبادل (الحلقة 11), تبني الروحانية في عالم حديث (الحلقة 12). كلها حلقات تزيد من فكاهة المسلسل الإجتماعية-السياسية القوية.

كل شيء يصل لنهاية مع الحلقة الاخيرة للمسلسل, مع إشارة واضحة إلى أن ”هولاند“ و ”فولر“ كانت لديهما نية كاملة بأن يتخذا مساراً جديداً كلياً, يغوص فيه المسلسل إلى أعماق جديدة. لم تكن الحلقة الاخيرة غير متوقعة او غير مرغوب فيها, لكنها تلمّح إلى المغامرات التي كانت لتواجه (جاي), (إريك), (مهاندرا), (أرون) و بقية آل (تايلر). هذا المسلسل… هذا العالم… كان لديه المئات من القصص ليحكيها, من المؤسف انه توجب عليه المغادرة مبكراً لهذه الدرجة. لكن هذه هي الحياة, أليس كذلك؟ إستمتع بما لديك الآن, لأن الغد غير مضمون.

Wonderfalls

كنقطة جانبية أخيرة, أتسائل عما إذا كانت طريقة البريطان في تقديم المسلسلات هي الطريقة المثالية. موسم أول من ستة حلقات, مثل ”ذا أوفيس“ (ريكي جيرفيس) و ”كابلينغ“ (ستيفن موفات)… الخ, كلها مسلسلات تم تطويرها حسب الإبداع الممكن فيها و الوقت المحدد لها, و تذاع على التلفزيون مرة او اكثر بالسنة. في الولايات المتحدة الامريكية, شبكة FX هي الوحيدة تقريباً التي اتبعت هذا المنهج, مع مسلسلات كـ“ريسكيو مي“, ”نيب/تاك“, ”سانز اوف اناركي“ و أخرون, تنتج موسماً مصنوعاً بإتقان مكون من 13 حلقة, تاركة المشاهدين متلهفين للمزيد. ووندرفالز كان ليعمل تماماً في بيئة كهذه, تاركاً ”فولر“ و ”هولاند“ و بقية الكتاب لتأليف مغامرات جديدة ممتعة لـ(جاي), بعيداً عن هراء البيروقراطية و التسيير السيء لإدرايي الشبكات.

التقييم النهائيّ

الكتابة:
رأي شخصي:
7.5 / 10 ووندرفالز مسلسل رائع بفكرة جديدة, و هو شيء مفقود جداً في المسلسلات هذه الايام. قد لا يكون من خيرة المسلسلات لكنه مكتوب بعناية و فريد من نوعه و ممتع. إذا كنت تبحث عن شيء غير متكلف و رائع في نفس الوقت, أنصحك بووندرفالز