LUTHER ,, فن الإثارة !

لوثر : أليس لربما تكوني ذكية جدا جدا ,, لكنك مخطئة ,,  ما زال هناك حب في العالم ,, لذلك ..  تخسرين !

لوثر : ألا تقلق من ان تكون بجانب الشيطان بدون حتى أن تدرك هذا !!

 

لوثر هو مسلسل بريطاني قصير ,, مسلسل – أخر –  من تلك التي تناولت التحقيقات الجنائية ,, يتحدث عن محقق بارع ذو دماء حارة ,, ولا يعبئ كثيرا بالقانون ,, العمل كفكرة قد تعتبرها انها عادية وبعيدة عن الإبتكار ,, وهذا إلى حد ما صحيح ,,

وهنا سنرى كيف يمكن بذكاء تحويل فكرة عادية لعمل كبير ومهم  ,, وهنا أتحدث عن الجانب التـقـني والفني على حد سواء ,, لنفهم عملية – الصناعة السينمائية – التي لها اسرارها التي قد نفهمها بشكل عشوائي من خلال متابعتنا لهذا اللون الفني او بشكل علمي من خلال دراسته ,, ولأننا نتحدث عن فن فالعلم بأصوله هو مرحلة ,, وفهم قواعده ليست هي الضمانة على نجاح العمل .. وإنما هي الأساس .. اما البناء فأمر مختلف بالكلية !

المشاهد بطبيعة الحال حتى العادي – مثلي – الغير مدقق إكتسب من خلال مشاهدته العديدة ومن خلال الطريقة الفطرية اللي خلقنا بها ,, فإنه قادر على قراءة الصورة وحتى لو بشكل عفوي ,, فالالوان والأشكال لها معاني وتبعث احاسيس إلى عقلنا اللاواعي بشكل مباشر ..

المخرج الذكي هو الذي يستخدم اللغة المنطوقة مع لغة الصورة لتؤدي وظيفة واحدة وتوصل معنى واحد ,, وهنا اذكر قول للكاتبة – أجاثا كريستي – اللتي عبرت عن كرهها للافلام الناطقة لان من الصعب متابعتها ,, فليس من السهل على العقل أن يعمل ويحلل الصورة والصوت في ان واحد لو إختلفا في المضمون ,, وهذا سيشتت المشاهد ويفسد عليه المشاهدة ,,

ايضا هناك قول للمخرج البريطاني العبقري هيتشكوك حسب ما أذكر حيث يقول – ان الافلام يجب ان تكون من ما يحدث في الواقع لو إستثنينا منها الاحداث المملة .. وهذا نراه بهذا العمل .. فهو صور جرائم ممكنة الحدوث ومحقق نستطيع ان نتقبل إمكانياته .. ولكنه ايضا شخصية غير إعتيادية ستجذبك نحو متابعته ومعرفته ,,

في لوثر ومنذ اللقطة الاولى سترى مشهد كلاسيكي في اي عمل في صنف الجريمة والتشويق ,, بداية المشهد تكون حركة بطيئة للكاميرا بإتجاه لمبنى ضخم في حالة سكون تام .. كنوع من خلق جو من التأهب النفسي للمشاهد ,, يتلوها لقطة علوية لشخص ما هارب في اروقة المبنى المهجور .. المشهد كاملا كان كما يجب ان يصور مشهد تشويق ,, مثالي وبحرفية كبيرة ,, إستخدمت فيها لغة الألوان وتكاوين الصورة مع الموسيقى التصويرية لتخلق عند المشاهد تلك الحالة اللذيذة من الخوف والترقب ,,  بل ولتضليل المشاهد ثم كشف الغطاء عن طبيعة الحدث بشكل غير متوقع ,,

قوة لوثر جاءت من نقطتين هما من جعلا العمل يخرج من النمطية في أعمال مشابهة إعتادنا عليها ,, أولاً جاء جانب تصوير الجريمة والمجرم في اوقات كثيرة اثناء إرتكابه لجريمته وهذه الحيلة دوما تنفع لجذب المشاهد وتشويقه خصوصاً عندما ترتبط في نفس الوقت بمحاولة من قسم الشرطة لإيجاد الضحية وإنقاذها قبل ان يفوت الوقت ,, فهو هنا إمتلك نقطة قوة ولكن عليه ان يحسن إستغلالها لانه ومعها تفسد عنصر المفاجاة !! فالمشاهد على دراية بالقاتل ويعرفه فلن تثير فضوله .. إذا هي نقطة لو احسنت إستغلالها لجاءت في صفك وإن أسأت لافسدت العمل ,,

النقطة الثانية القوية في العمل والتي جاءت لتدعم النقطة الاولى أن شخوص ومجرمين لوثر كانوا اكثر بشاعة ووحشية من المعتاد ,, فهم لم يكونوا قتلة يقتلوا بلحظة غضب مثلاً وإنما كانت جرائم من شخوص معقدة وذات نفس مظلمة بحق ! فكان تصويرها ومواكبتها مرعب ومؤثر بالنسبة لي كمشاهد ..

وفي نفس سياق هذه النقطة كانت الشخصيات مرتبطة بافكار معينة يراد إيصالها .. كتلك الحاجة الكامنة في نفوس الشبان بإن يحظوا بإحترام أبائهم ..  تلك المجموعة ذات الخبرة وذات النفوذ والقوة  ,, هذا كان دوما مهما لنا ,, دوماً نعتقد بانهم يملكون الأجوبة ,, بأن بأخذ إحترامهم نصبح قادرين على إحترام أنفسنا !

أمر اخر غير معتاد شاهدناه في لوثر هو رؤية علاقة تنشئ بين احد المجرمين والمحقق  ,, وهي علاقة إجتماعية  مجنونة غريبة ,, لا يمكن التنبئ بها ! فكرة مميزة اضافت جمالية وإثارة للعمل ..

فردية القصة وتناولها لشخصية لوثر التي اداها ببراعة أدريس البا جاءت لصالح العمل ,, فهو فسح المجال لكي نتعرف على الشخصية بشكل أفضل ,, وسمح لنا برؤية الأبعاد النفسية لمهنة مرهقة كهذه ,,

ففي حوار أليس مع زوجة جون زوي تسأل أليس : لماذا يفعل هذا برأيك ؟؟ عمله ,, إنه يكلفه الكثير ؟؟

زوي : إنه يؤمن بان حياة واحدة هي ما نملك .. حياة وحب .. ومن يأخذ الحياة يأخذ كل شيء !!

ثم يطرح الكاتب سؤال أخر .. ماذا يصنع الإنسان .. وما الذي يرسم معالم شخصياتنا .. فزوي تقول : لو أنه قرأ كتاب مختلف لكاتب أخر لربما كان شخص مختلف !! اي ان ما نمتلكه من مفهوم ثقافي وعلمي يلعب دورا كبيرا في تحديد الهوية الخاصة بنا ..

في موضع أخر يطرح تساؤل مهم .. ماذا يحدث عندما نكتشف باننا لعبنا دوراً بجعل شخص ما مذنب ! ماذا لو كنا نحن من نحفزه بطريقة لا نعرفها على الجريمة .. كمثال تلك المرأة التي تقرر ان تخون زوجها لانه عاجز جنسيا ,, هو يدرك هذا .. لكنه يحتقر نفسه للحد الكافي الذي يجعله يخفي هذا .. ويمارس رغبته في قتلها على نساء أخريات لانها لا يستطيع إلا أن يحبها ولا يرجو إلا أن تكف عن إحتقاره !

ونرى ترابط وتشابه في عدة نقاط بالعمل ,, فالشخصيات مثلاً كانت تبدو ذات أفكار محددة ومفاهيمها الخاصة عن الخير والشر ..  .. وتمتلك التبريرات لأفعالها .. هي مؤمنة بان هناك جزء مما تفعله صواب .. وهذا ديدن الإنسان .. ان يرى بأن الشر الذي بداخله هو ضروري ولا بأس به ,,

العمل لعب على عدة اوتار وثيمات شهيرة في فن الرعب ,, كمثل أن يكون الشر او الخطر من الشخص الذي يفترض أن يحميك ,, أن تركض بإتجاه ما ,, لتكتشف بأنك ذهبت للمصيدة بمحض إرادتك ,, بانك هربت من الذئب إلى عرينه !

القصة وعلى مدار موسمين إحتوت على تحولات قوية ونقلات مفاجأة ,, كاتب السيناريو بكل صراحة قام بعمل مميز جداً .. بإخراجه قصة تبدو عادية بكل هذه التعقيدات وكل هذه الإثارة ,, وكل هذه الافكار ..

لا شك باني سأنصح اي شخص في متابعة العمل ,, فهو مزيج من الرعب والإثارة والدراما .. لذلك أقول ,, لو أردت بأن تحظى بقليل من الخوف خلف شاشة تلفازك في ليلة هادئة ,, لوثر سيكون خيار جيد ليجعل نومك اكر صعوبة ,, وإختباءك اسفل ملاءات السرير تبدو أكثر جمالاً !

التقييم النهائيّ

الكتابة:
التمثيل:
الإخراج:
رأي شخصي:
8.25 / 10 عمل جميل إحتوى على عناصر الإثارة والتشويق وقدمها بقالب جديد وغير معتاد