يوم غد على الساعة الثالثة ونصف مساءاً بتوقيت جرينتش سيظهر أنثوني أندرسون برفقة لورن غراهام امام مجموعة من الصحفيين, سيلقي بعض النكات, ثم سيعلن عن قائمة المرشحين لجوائز حفل الإيمي الثامن والستين, لكن هذا لا يهم حقاً, لأنه حتى وإن لم نكن نستطيع تخمين كل المرشحين, فإنه أصبح بإمكاننا تخمين نسبة كبيرة من الفائزين, ومهمتي أنا كمفتي للتلفزيون هو تجنيبكم عناء السهر ليلة الثامن عشر من سبتمبر لأنني أعرف أن معظمكم لديه وظائف ودوامات ليلحقها, كما أن نكات جيمي كيمل أسوء من نكاتي أنا (مشوها لي هالمرة) وكثرة الإعلانات تثير الإزعاج, والأمر برمته يدوم لوقت أطول مما ينبغي.
الحقيقة أن لا شيء سأقوله في هذه المقالة جديد, سبق وأن تكلمت عن نفس الشيء السنة الماضية, والمختصر المفيد هو التالي: جوائز الإيمي فقدت قيمتها وتحوّلت إلى جائزة شعبية بعد أن كانت جائزة نقدية. عندما أقول جائزة شعبية فإن أول ما يتبادر إلى ذهنك هو جوائز إختيار الشعب (People’s Choice) والحقيقة أنه بعد النظام الجديد الذي أقرته الأكاديمية بفتح التصويت للجميع بدل أن كان مقتصراً على لجان من النقاد والمحترفين فإن الإيمي لم تعد أفضل من جائزة إختيار الشعب سوى في البرستيج.
قد يستغرب بعضكم إعطائي كل هذا الإهتمام لحفل جوائز, لكن الحقيقة هو أن هذه الجوائز تلعب دوراً مهماً في تعريفنا على أشياء جديدة وممتازة بغض النظر عمن يمثل فيها أو القناة التي تعرض عليها, كما أنها من أول الأشياء التي نستند عليها في النقاشات حول أفضلية مسلسل على أخر, ولا أكره فكرة أن غيم أوف ثرونز سيفوز بأهم الجوائز مابين الحفل القادم و نهاية عرضه بقدر كرهي لفكرة أن مسلسلات صغيرة مثل بريكين باد وماد مِن لن تحصل أبداً على فرصة عادلة في الترشح حتى لأنها قامت بتوفير ميزانية الترويج لأجل إنتاج أفضل مسلسل ممكن أملاً في أنه سيجتذب جمهوره عاجلاً أم أجلاً وأن لجاناً من الخبراء سترى جودته وتقيمه بكل عدل بجانب المسلسل الذي كان الجميع يتحدث عن وفاة شخصية منه وعودتها للحياة منذ انتهاء موسمه المنصرم إلى بداية موسمه القادم.
عندما فازت مارغو مارتنديل بجائزة أفضل ضيفة شرف السنة الماضية رغم ظهورها في مشهد واحد صغير في موسم The Americans الثالث كان الأمر مثيراً للسخرية, أعني, من فينا لا يحب مارغو مارتنديل؟ إنها تشبه عمتك الحنونة, لكن أي سخرية في ذلك كانت قد انجلت وحل مكانها انزعاج عندما قامت فايوليت دايفيس بالإعلان عن الفائز بجائزة أفضل ممثل مساعد ولم يكن الإسم الذي نطقت به هو جوناثان بانكس من Better Call Saul عن أداءه الرائع في حلقة Five-O بل بيتر دنكليج, الذي بدا بدوره متفاجئاً من فوزه ومحرجاً بعض الشيء مثل أي شخص عاقل (أي: شخص شاهد أكثر من 2 مسلسلات في حياته كلها) يرى بكل وضوح أن الموسم الخامس هو أسوء مواسم المسلسل لحد الساعة. المضحك أنه في نفس الحفل فازت أوزو أودوبا عن شخصيتها المجنونة التي يحبها الجميع في فئة كانت تتضمن إميليا كلارك ولينا هيدي, غيم أوف ثرونز هو أشهر مسلسل في العالم (وربما في تاريخ التلفزيون كله) لكن في أمريكا المدمنة على نتفليكس هناك مسلسلات أخرى بنفس القدر من الشعبية وربما أكثر.
إذا كان غيم أوف ثرونز يفوز في أسوء مواسمه ويحطم رقم The West Wing القياسيّ بعدد الجوائز في حفل واحد بـ12 جائزة (من ضمنها جائزة لأفضل كتابة) ماذا سيحدث عندما يقدم موسماً يظن الأغلبية أن فيه أفضل 3 حلقات في تاريخ التلفزيون كله؟
للتوضيح, أنا لا أقول أن غيم أوف ثرونز لا يستحق الفوز بأي جائزة, معظم الجوائز التقنية التي يترشح لها المسلسل يكون هو أفضلها معظم الوقت, المسلسل لديه أفضل المخرجين والموسيقيين ومصممي الأزياء وكل تلك الأشياء الأخرى, لكن مجرد ترشح إميليا كلارك هو دليل على أن هؤلاء المصوتين لا يعرفون حقاً ما الذي يصوتون عليه أو لا يشاهدون أياً من الأشياء الأخرى, فوز المسلسل بجائزة الكتابة عن حلقة Mother’s Mercy أمام حلقتين من ماد مِن وحلقات من Better Call Saul و The Americans (كلها مسلسلات معروفة بجودة كتابتها أكثر من الثرونز) دليل على أن المصوتين لا يفقهون حقاً ما الذي يجعل كتابة حلقة ما مميزة. هذه هي النقطة التي سيقفز عندها أحدكم ليقول, وما الذي يجعلك تظن أنك تفقه أياً من هذا؟ وأنت محق, لا أحد يفقه حقاً في أي من هذا, إنه ليس علماً, إنها مجرد أراء, ورأيي صحيح بقدر رأيك مهما كانا مختلفين, المشكلة هنا ليس أن تقول أن غيم أوف ثرونز هو الأفضل, المشكلة هو أن تقول أنه الأفضل دون الإطلاع على البقية.
حسب النظام الحاليّ, يفترض بالمصوتين مشاهدة كل الحلقات المقدمة, لكن لنكن صريحين, إذا كنت أنت مكانهم هل ستشاهد ذلك الكم من الحلقات؟ طبعاً لا. يُطلب من المصوتين التأكيد على مشاهدتهم للحلقات بوضع علامة صح على صندوق في الإستمارة, لكن لا يطلب منهم إثبات ذلك, مثلما نفعل جميعاً عندما نضع علامة الصح على صندوق ”لقد قرأت قوانين الاستخدام“ عندما نود التسجيل في موقع او خدمة ما. ما الذي يعنيه هذا؟ ستصوت على الأشياء التي تحبها, الأشياء التي شاهدتها, الأشياء التي سمعت عنها كلاماً طيباً, و الأشخاص الذين تحترم عملهم, الأشخاص الذين تتعرف عليهم من تلك الكومة, أو (إذا كنت من العاملين بالمجال) الأشخاص الذين تعرفهم شخصياً أو أصدقائك. ما الذي ينتج عن هذا؟ كفة الميزان تميل للشعبية أكثر من الجودة. صحيح أن جون هام فاز أخيراً بأول جائزة تمثيل في تاريخ ماد مِن السنة الماضية لكنه ,مثل ديكابريو, فاز عنها لأجل موضوع ”المسكين لم يفز بالجائزة“ بغض النظر عما إذا كان أداءه المرشح عنه في تلك السنة يستحق حقاً الفوز.
هذا لا يعني أن النظام القديم كان مثالياً, ولا يعني أنه في الماضي لم تفز مسلسلات أو أشخاص بناءاً على الشعبية وأن المصوتين لم يصوتوا قط على الأشياء التي يحبونها أو يعرفونها, لكن النظام القديم كان يمنح المسلسلات الصغيرة والممثلين الصاعدين فرصة للمنافسة مع الكبار, وإلا كيف تظنون أن ممثلاً كوميديا كبراين كرانستون استطاع خطف جائزة أفضل ممثل دراميّ في 2008 عن دوره في مسلسل جديد صغير على قناة معروفة ببث الأفلام القديمة؟
لنتقبل الأمر, غيم أوف ثرونز سيفوز بكل الجوائز إلى أن ينتهي, وستصبح مفاجئة الحفل هو فوز أي مسلسل أو شخص أخر في أي جائزة, وسنعود لنتذكر فوز ميريت ويفر وخطابها الرائع بنوع من الحنين وكأنه شيء حدث منذ قرون وليس منذ سنتين فقط.