لن أكذب عليكم, لقد قلت في نفسي في إحدى اللحظات ”ياللقسوة, إنهم يدحضون نظرية أخرى من نظريات المتفلسفين, وليس أي نظرية, بل أكبرهم على الإطلاق, وإنهم يفعلون ذلك بطريقة قاسية ومؤلمة للغاية“. لكن لا, لقد كان الجميع على حق طوال الوقت: جون كان ميتاً, لكنه الآن حيّ يرزق.
وهذه طريقة أخرى لقول أنني لم أكن متفاجئاً حقاً أو مصدوماً أو مسروراً من الطريقة التي قدمت بها هذه الحلقة هذه العودة التي كنا نعرف جميعاً انها قادمة لا محالة. لقد أحسست بأن إعادة جون سنو للحياة خدعة رخيصة, أردت أن يكون الكتاب غير مخصيين ويتركوا جون سنو ميّتا, لأن إعادته للحياة تمسح تأثير وفاة أي شخصية في هذه المسلسل, وهذا أمر جلل في غيم أوف ثرونز لأنه ما يحدث فيه بشكل رئيسيّ هو موت الشخصيات.
الخدعة لم تكن في تعامل المسلسل وطاقمه مع موته أو عودته للحياة. جون سنو مات فعلاً, وعودته للحياة تمت عبر شيء موجود بالفعل في عالم المسلسل, والإعتراض على لوجيستيكيات عودته للحياة (مثل مقدار الدم الذي فقده أو تأثير الطعنات على أعضاءه الداخلية… الخ) تعتبر فكرة تافهة في قصص الفنتازيا ولا يجب أن تُذكر حتى. لكن الأمر برمته بدا وكأنه إزعاج غير ضروريّ بالنظر إلى أن الجزء الأعظم من متابعي المسلسل كانوا مستعدين ليقسموا بألهة السبع والشجر والنار — على قولة دافوس — أن جون سنو عائد لا محالة, متكهنين بطريقة عودته قبل حدوثها بفترة طويلة. يجب أن لا ننسى أن موضوع عودة جون سنو للحياة محط نقاش بين قراء الروايات منذ سنوات طويلة فلذلك هذه النظريات ليست جديدة على الإطلاق, المشكلة أن الطريقة التي قدمت بها عودة جون سنو للحياة تركت للمشاهدين فترة طويلة للحديث عن عودته الحتمية وأخذت عامل المفاجئة من القصة, أنا أرى أنه كان من الأفضل إنهاء الموسم الماضي بعودة جون سنو للحياة لأن ذلك كان سيكون محط نقاش أهم من ما إذا كانت ”أهم شخصية“ في ”أهم مكان في الصراع الكبير“ ستعود للحياة, خصوصاً وأنه كان من الواضح أن محوره لم ينتهي بعد وكذا لغياب بديل واضح له في ذلك المحور على عكس غالبية الشخصيات الرئيسية التي قُتلت في المسلسل.
لكننا رغم كل هذا لا نعرف ماهية عواقب هذه العودة. هل سيتحول إلى بيريك دونداريون جديد؟ هل سيشهد تحولاً إلى شخصية سوداوية للغاية مُسيّرة بالإنتقام مثل تلك الشخصية التي كان لها حضور مرعب في الرواية والتي لم نرها (لحد الساعة, لا تزال هناك فرصة) في المسلسل؟ هل سيفقد جون جزءاً من نفسه كما يقول دونداريون؟ دونداريون بدا لنا وكأنه الشخص ذاته بعد عودته من الموت, لكن لا تعلم أبداً…
لقد كان من الجميل ربط عودة جون بأزمة إيمان لدى ميليساندري وإعطاء جانب بشريّ للغاية لشخصية كانت تبدو لنا منفصلة عن هذا العالم وعن شخصياته, حيث أصبحت عودة جون تجربتها الشخصية وستساهم في تطوير علاقتها بدافوس وجون نفسه.
لكن حتى بعد تأكيد هذه النظرية يبدو أن نظريات أخرى بدأت تجد لنفسها مكاناً, خصوصاً النظرية حول شبح, ذئب جون الفنرير, وإحتمالية أن جون إنتقل إليه خلال وفاته, وأن نهوضه خلال عودة جون يعني ان روح هذا الأخير غادرت الذئب لتعود لجسده, ليعود شبح لذاته الحيوانية المعتادة. وإلا لماذا جعلو شبح ظاهراً في كل مشاهد سوداء القلعة وخصوصاً في مشهد إعادة جون, أليس كذلك؟
في مكان ما خلف السور يقوم الغراب ذو الثلاثة أعين بتلقين بران قدراته, وينقله إلى الماضي, إلى وينترفِل, حيث يرى أباه نيد وهو يتبارز بالسيف مع بينجن, قبل أن تدخل على متن حصان شخصية لطالما سمعنا إسمها لكننا لم نرها قط: ليانا ستارك.
ليانا هي ابنة اللورد ريكارد ستارك والشقيقة الصغرى لنيد ستارك, تزوجت ليانا باللورد روبرت براثيون (قبل أن يصبح ملك الممالك السبع) الذي كانت تحبه حباً جماً. تعرضت فيما بعد للخطف من قبل ريغار الأمر الذي أشعل شرارة ثورة روبرت براثيون ثم تلقت حتفها في حادث غامض, وهي الآن مدفونة في سراديب الموتى بوينترفل إلى جانب أخيها وأبيها.
العديد من الأسئلة تطرح حول طريقة موت ليانا, حقيقة علاقتها بريغار والمشاعر التي تكنّها لروبرت, وهي عند هذه النقطة في القصة شخصية مهمة وسيكون لها تأثير كبير هذا الموسم.
لكن هذه النظرة المختلسة لماضي ويستيروس, التي تعرفنا فيها على هودور-ماقبل-هودور, تنتهي بسرعة. ”تُريني اخيراً شيئاً أهتم به ثم تأخذه مني“, يشتكي بران, وكذا عدة من متابعي المسلسل الذين قتلهم الملل من محوره في المواسم الماضية. الغراب يلمح إلى أن قضاء الكثير من الوقت في الماضي ليس شيئاً جيداً.
بالمناسبة, من هو الغراب ذو الثلاثة أعين؟ في الحقيقة, إسمه بريندن ريفرز, وقد كان نغل الملك إيغون الرابع وعمره يفوق المئة سنة. يدعى بريندن اللورد بلودريفن (Bloodraven) بسبب الوحمة الكبيرة التي تشبه الغراب على وجهه وعنقه. بريندن لديه القدرة على رؤية المستقبل في أحلامه وكذا رؤية أحلام الأخرين, ومن لديهم هذه القدرة (المسماة بالإنجليزية greensight) يملكون أيضاً قدرات زومانية (warg) تمكنهم من دخول عقول الكائنات الاخرى والتحكم فيها. بران يملك هذه القدرات كما كان جوجن يملكها. هذه الأحلام النبؤية صعب فهمها وتحليلها, ومهمة بريندن هي مساعدته على فهمها.
ميرا من جهتها تبدو منزعجة وغير مرتاحة, لكن أحد أبناء الغابة يؤكد لها أن بران سيحتاجها. ”لن يبقى هنا للأبد“, تقول لها.
شخص أخر كان يعتقد أنه سيبقى هنا للأبد هو بيلون غريجوي, الرئيس الفخريّ لنادي أسوء الاباء في ويستيروس, الذي يبدو أنه كان لا يزال يقاتل حرب الملوك الخمسة رغم وفاة أربعة منهم, منزعجاً من أن لا أحد يهتم أنه أخر واحد على قيد الحياة منهم. بعد أن تخبره يارا بفقدان قلعة غابموت (Deepwood Motte) يرفض بيلون الإستسلام والإستماع لنصائحها حول الصلح.
وعندما يغادر بيلون الغرفة عبر أقل جسر أماناً في ويستيروس كلها, يجد نفسه أمام أخيه يورون ”عين الزاغ“ غريجوي, الذي يبدو أنه سافل مغرور. يدفع بيلون الثمن الحديديّ ويصبح أضحية أخرى للإله الغارق عندما يقتله أخاه طمعاً في الحكم, لكنه لن يخلفه مباشرة في الحكم كما اكتشفت يارا في جنازة أبيها لاحقاً, يجب أن يحدث ما يعرف بالـKingsmoot, والذي قد يصفه لكم البعض بأنه إنتخابات لكنه في الحقيقة أقرب إلى البيعة والموالاة, هذا التقليد ينتمي إلى ما يعرف لدى بني حديد بالدرب العتيق الذي هو ”مدونة سلوك مجتمعية طاهرة“. إذا سيتنافس على الأرجح كل من يارا ويورون على حكم جزر الحديد, ويمكننا أن نرى منذ الآن المقاربات التي ستنشب من هذا المحور مع الإنتخابات الأمريكية الحالية.
قراء الكتب كانو ينتظرون وفاة بيلون منذ الموسم الثالث, في الروايات, بعد ان رمت ميليساندري العلقات الثلاثة في النار, مات روب, جوفري, وبيلون جميعاً تباعاً. فلذلك وفاته هي تأكيد — نوعاً ما — على اللعنة التي القتها ميليساندري, ولو أنه كما رأينا وفاة هؤلاء الثلاثة أتت على يد أفراد قتلوهم برغبتهم الخاصة, المسلسل منذ فترة طويلة يتعامل مع الديانات والألهة ويجعلنا نشكك في وجودها أو عدم وجودها (في المسلسل أقصد, قبل أن يقفز أحدكم لصندوق التعليقات وينفجر وريده غضباً) وهي من الأشياء المثيرة للإهتمام فيه.
”لربما ستكونين أول امرأة تحكم جزر الحديد“, يقول لها إيرون غريجويّ (أتخيّل أنهم سيغيرون إسمه هو الأخر, نظراً لتقارب إسمه مع يورون) بنبرة تشير إلى أنه لا يعتقد حقاً أن امراة تستطيع أن تحكم بني حديد, ما لا يعرفونه جميعاً هو أن شخصاً أخر مهم على وشك أن يعود إلى جزر الحديد.
الميت لن يعرف الموت من بعد, لكن ثيون يخاف أن يموت على يد جون سنو, فيترك سانسا في رعاية بريان و بودريك ليعود لجزر الحديد. ليس هناك الكثير ليقال هنا سوى أنني غير مقتنع حقاً بأي سبب قد يجعل ثيون يعتقد بأن العودة لجزر الحديد فكرة سديدة, لأن هذا يبدو في الحقيقة أشبه بالكتاب وهم يحركون القطع للأماكن التي يحتاجونها فيها, وليس السير الطبيعيّ للقصة.
بعد هرب سانسا, يقترح رامسي أن يقتحم جيش بولتون السور حيث تتجه هذه الأخيرة نحو أخيها, وهي فكرة — عند تلك اللحظة — تبدو مثيرة للبؤس في عدم جدواها, لكن الآن بعد عودة جون للحياة تبدو فكرة مشوقة للغاية إذا ما استطاعت سانسا الوصول إلى سوداء القلعة. أيضاً, في حوارات هذه اللقطة نقول في أنفسنا ”بولتون لا يعرفون أن جون سنو مات“, لكن الآن جون حيّ, فلذلك — بطريقة غريبة — بولتون على حق رغم أنهم مخطئون. هل هذا الهراء يبدو لكم منطقياً؟ لا أعرف لماذا كتبته أصلاً.
روز لا يتفق مع هذه الخطة, لأنها خطة غبية وهو شخص ذكيّ ومكار, باستثناء ما إذا كان الامر يتعلق بإبنه النغل المجنون السايكوباث, فهو غبيّ وغير حذر. المسكين رامسي, تتركه زوجته, خادمه المطيع يهرب منه, عشيقته قُتلت, والآن تلد زوجة أبيه طفلاً شرعياً.
روز لن يزوّج الطفل سانسا, ولا هو سيضع هذا الرضيع على رأس وينترفل, لكن رامسي لا يحب التهديد, ولا الشك, وهو من أولئك الأشخاص الإندفاعيين المتهورين, فلذلك يقتل أباه, جاعلاً منه ثاني شخص في ظرف خمسة دقائق يقتل فرداً من عائلته للحصول على منصب.
قد راودتني فكرة قتل رامسي للطفل أو أبيه في الحلقة الماضية, لكنها بدت لي حركة سهلة وبديهية للغاية. روز شخص ذكيّ ومكار, وكان ليتوقع أن يخونه إبنه المجنون, وأيضاً أن يكون مستعداً لقلب الطاولة عليه. لقد خدع الجميع من قبل, لماذا ليس رامسي؟
لكن ها نحن هنا, روز بولتون يموت من جراء إبقاء إبنه اللقيط قريباً منه بشدة, وكذا جعله يشعر بالتهديد حول مكانه في سلّم الخلافة لدرجة أن يضطر هذا الأخير لإتخاذ خيارات عنيفة لتأمين نفسه.
هذا ليس اعتراضي الوحيد هنا, للاسف, المسلسل يبدو أنه يتلذذ في المبالغة في العنف كلما تعلق الأمر برامسي, لدرجة أن هذه الشخصية أصبحت كاريكاتيرية للغاية بدل أن تكون شخصية شريرة بذكاء مثل سيرسي وباقي الشخصيات التي نحب أن نكرهها. أنا أتكلم عن مشهد قتل والدا والطفل طبعاً, والذي لم يساهم بأي شكل في توسيع مداركنا حول هذا الشخص الذي أصبحنا نعرفه تمام المعرفة عند هذه النقطة, وكان من الممكن أن يختصر المسلسل اللقطة بدل أن يعذبنا بسماع صراخ والدا والطفل, إننا — وبشكل حرفيّ للغاية — لا يمكننا أن نكره رامسي أكثر مما نكرهه بالفعل, فلذلك هذه المشاهد هي استخدام رخيص للعنف بهدف صدم المشاهدين, للأسف, لدرجة أن هذا المشهد يستدعي إعادة جوفري في لقطة موريارتية (من شيرلوك) يقول فيها ”?Miss me“.
على ذكر جوفري, أخوه الضعيف يطلب مساعدة أمه ليصبح ملكاً قوياً, ولو أن سيرسي ليست حقاً داهية سياسية مثل أبيها إلا أنها تستطيع حتماً تلقين إبنها درساً أو إثنين. أيضاً, هل لاحظتم أن سيرسي أصبحت أكثر هدوءاً الآن؟ لا عجب, إن كان يحرسك زومبي ضخم يحطم جماجم كل من يذكرك بالباطل لكنت هادءاً انت الأخر, والذي كان مشهداً مضحكاً بالمناسبة, لا تتبول أبداً على الجبل الزومبي.
عندما شبهت الدوريّ الأعلى ببيرني ساندرز في الحلقة الماضية كنت أمزح فقط في إشارة إلى تشابههما في المظهر, لكن في هذه الحلقة يأخذ هذا التشبيه منعطفاً جديداً عندما يتحدث هذا الأخير عن قدرة مجموعة كبيرة من الفقراء على الإنقلاب على إمبراطوريات.
جايمي كان متفاجئاً جداً من عدم تأثر الدوريّ الأعلى بتهديداته. جايمي ليس هو تومين, جايمي يستطيع أن يقتل هؤلاء المتدعششين, لكن لا يجب عليه أن يقتل الدوريّ الأعلى, لأن ذلك سيجعل منه شهيداً, وهذا سيكون له تأثير عكسيّ. ما تريده يا جايمي هو أن تجعله يفقد قوته وسلطته وسمعته.
ولا يبدو لي ان الأمر صعب للغاية, هذا الدوريّ الأعلى شخص مغرور للغاية ويظن أنه في مأمن. أتفق أن ما فعله لتومين وسيرسي كان ذكياً, لكن سيرسي حاكمة سيئة وتومين طفل, وهناك سبب واضح لظهور هذه الطائفة الآن وليس في فترة حكم روبرت أو جوفري, وحتماً ليس في فترة حياة تايوين. لقد استغل فترة من الفوضى وقام بحركات سياسية ذكية للغاية.
هل سينخدع جايمي بهذه السهولة؟ هو بالتأكيد أقوى من تومين وبمساعدة من جيش لانيستر وقوات بوريال فإنه سيتمكن حتماً من الفضاء عليهم كلياً.
في قارة إيسوس, لانيستر أخر يجد نفسه في موقف لا يحسد عليه, أو يحسد عليه, حسب موقفك الشخصيّ من التنانين. ما يمكن استخراجه من ذلك المشهد الطويل هو ما افترضه الكثير من الناس أنه إشارة إلى نسل تيريون وإحتمالية كونه تارغيرياً , وإلا لماذا لم تهاجمه التنانين؟
ثم في مشهد قصير, جاكن هغار يقبل إلتزام أريا بالتحول إلى ”لا أحد“ بسرعة بعد ثلاثة أسئلة.
بريفيو الحلقة القادمة
حيث نرى رجلا ميّتاً يتمشى, فتاةً عمياء تتدرب, مدخل فايس دوثراك, والمزيد من دروس الماضي مع بران.
* بعض الترجمات والتعريفات مأخوذ من موسوعة عبدالرحمن لافابريك, جزيل الشكر له.
التقييم النهائيّ
الحلقة: | "إلكمني في المرة القادمة التي أقترح فيها شيئاً بهذا الجنون" | |
7 / 10 | في الختام, إن لحظات الضعف, الشك, أو الإنسانية التي نراها في هذه الشخصيات هو ما يجعل هذا المسلسل ماهو عليه. لننسى المعارك الضخمة والمحاور الطويلة هذا المسلسل سيكون دائما قصة حول البشر وكفاحهم في الحفاظ على سلطة لم يريدوها ولم يطلبوها أصلاً (آل ستارك، دافوس، تيريون، دينيريس... والبقية) ضد أولئك الذين يطالبون بالسلطة والاحترام (جوفري، ستانيس، بولتون وإلى حد ما بيلون وشقيقه). |