إفتتاحيات مواسم الثرونز كلها متشابهة, كلها بطيئة وبالكاد يحدث أي شيء فيها, لا تساهم سوى في إطفاء نار الشوق الذي يشتعل فينا لشهور طويلة, ونفس الأمر ينطبق تقريباً على الحلقة الثانية من الموسم التي نلقي فيها نظرة على باقي الشخصيات, لكن إفتتاحية هذا الموسم كانت مختلفة عن باقي الإفتتاحيات, بل مختلفة عن معظم حلقات المسلسل المليئة بالمأسي والألام: إنها حلقة مضحكة.
سواءاً عن قصد (حوار الدوثراكيين حول أفضل شيء في العالم, سوء تواصل بين تيريون ومتسولة) أو عن غير قصد (محور دورنا كله الذي أصبح حرفياً نكتة), وهذه الفكاهة مُرحب بها جداً في هذا المسلسل الذي لا يفتأ في مفاجئة مشاهديه المرة تلو الأخرى بقتل شخصياتهم المفضلة.
على ذكر قتل الشخصيات المفضلة: هذه الحلقة تؤكدها, جون سنو مات. وإذا كان سيتم إعادة إحياءه فعلاً فإن هذا الحدث سيتأجل لبضعة حلقات إلى حين أن يتبيّن من سيقوم بإعادة إحياءه وكيف سيفعل ذلك, لأنه عند هذه اللحظة يبدو لنا أن ميليساندري تعرضت لأزمة إيمان مما رأيناه في نهاية الحلقة, والذي بدا للوهلة أنه مشهد عاري إعتياديّ من غيم أوف ثرونز إلى إكتشفنا أن خلف ذلك الشعر الأحمر وذلك الوجه الجميل وذينك النهدين الرائعين توجد امرأة يقدر عمرها بقرون من الزمن (على حد قول منتجي المسلسل).
وهذا أسوء وقت ممكن لتتعرض فيه الساحرة الحمراء لأزمة إيمان, إذ أن دافوس المسكين (والذي قد يكون الرجل الوحيد الصالح المتبقي في هذه القصة) يبدو أنه يعقد أمالاً كبيرة عليها. هذا المسلسل قضى وقتاً طويلاً في بناء شخصية دافوس كرجل صالح ونبيل. شخصية يتعاطف معها الكثيرون, وسيكون من المؤسف إكتشاف ان كل هذا البناء ليس سوى تمهيد لقتل أخر لشخصية مفضلة في المسلسل, والذي أصبح شيئاً مبتذلاً في هذا المسلسل ولم يعد يفاجئ أي أحد.
هناك نقاش كبير حول قدرات ميليساندري ومصدرها, الرأي الشائع حالياً هو أن قلادتها هي مصدر السحر, والذي قد يكون رأياً خاطئاً لأننا رأيناها تستحم بدونها (يحتمل أيضاً أنه قد يكون خطأً من الكتاب), الرأي الأخر يقول أن السحر مصدره إحدى جرعاتها السحرية التي ظهرت في المشهد, أو المرآة… الخ, ويحتمل أنه ليس أياً من هذه الأشياء. ولا تتوقعوا إجابة واضحة من المسلسل, بالنظر إلى تاريخه الطويل في عدم توفير إجابات لأسرار غامضة لعل أبرزها (وأهمها) هو قدرات بودريك في الفراش. لن نعرف الجواب أبداً حول ذلك الموضوع.
مصير جون سنو لم يكن هو الوحيد المُعلق من خاتمة الموسم الماضي, نكتشف في هذه الحلقة أن ريك وسانسا نجيا من قفزتهما من أعلى سور وينترفل بدون أية كسور أو رضوض (لنفسرها على أن سقوطهم تم تخفيف وطأته بواسط الثلوج الكثيفة, ولو أن حتى ذلك صعب تصديقه), لكنهم الآن مطاردون من طرف جنود بولتون الذين يتعقبونهم بواسطة كلاب الصيد, الذين يتمكنون من إيجاد الإثنين رغم محاولتهما تضليلهم عبر القفز في نهر متجمد, لكن على الطريقة الهوليوودية المعتادة في المسلسل يصل كل من بريان وبودريك في الوقت المناسب لإنقاذ الإثنين, بل إن ريك يساهم أيضاً في الدفاع عن سانسا بقتل أحد الجنود في ما أتخيل أنه نهاية ريك وعودة ثيون.
وإن كنت منزعجاً من التواقيت المناسبة جداً لدخول شخصيات في مشاهد عديدة في المسلسل (كلنا نتذكر محور دورنا الموسم الماضي) إلا أن هذا مشهد واحد لم أمانع فيه هذا الامر على الإطلاق. فبعد كل تلك الاشياء السيئة التي حصلت لتلك الشخصيات فمن الجيد أن يحدث لهم شيء جيد واحد (والذي لا أستبعد أن يكون الشيء الجيد الوحيد الذي قد نراه هذا الموسم), خصوصاً بريان التي بعد معاناة طويلة تتمكن من إيفاء وعدها لكاتلين (بإنقاذ سانسا) ووعدها — لنفسها — بالإنتقام من قاتل رينلي (الذي قد يكون لا يزال على قيد الحياة, لكنني أستبعد ذلك من خلال تصريح الممثل, لكن منذ متى نثق بتصريحات الممثلين؟). لكن إلى أين الآن؟ لا أتخيل أن رامسي سيتوقف عن البحث عن سانسا فقط لأن محاولته الأولى بائت بالفشل, خصوصاً بعد الضغوطات التي طرحها عليه والده, وسوداء القلعة ليست مكاناً أمناً لها بعد وفاة جون, لكن أنباء وفاته لم تصل إلى مسامعها بعد.
في مكان مُشمس بعيد عن كل هذا, تنجح الدساسات في الإنقلاب على الأمير دوران بقتله هو وأريو هوتا والأمير تريستان (في مشهد مثير للسخرية). يبدو وكأن المسلسل يكرر نفسه في هذا المحور, امرأة غيورة تقتل أخو عشيقها إنتقاماً لمقتله, منطقيّ للغاية, أليس كذلك؟
*أغنية الإنترو لـ“رضوان يتكلم عن الكتب“*
لا يوجد أي أحد قرأ الكتب توقع أن يحدث هذا, لعدة أسباب: الأمير دوران مكتوب كشخصية ذكيّة للغاية وتلعب لعبة عروش ببطئ, يعرف أن الهجوم والتهور ليس الطريق لكسب اللعبة بل التأني والتخطيط والتحالف, فذلك قتله عند هذه النقطة المبكرة قليلاً في المحور بدا غير منطقي وغير متوقع لشخص حذر للغاية. ولربما كان سيموت في الكتب بنفس الطريقة وأن جورج مارتن خدعنا بجعلنا نعتقد أنه شخص داهية ومكار يلعب لعبة عروش على الأمد الطويل, الذي هو أمر محتمل للغاية مع جورج.
الأكيد من هذا المحور هو أن الحرب أتية لا محالة بين الدورنيين واللانيستر.
على ذكر اللانيستر, سيرسي لا تزال تبدو عليها أثار محنتها تلك عندما تأتيها أخبار وصول سفينة من دورنا, لكن عندما ترى جايمي وخلفه كفن ذهبيّ ”ذهبٌ تاجهم و ذهبٌ كفنهم“ أول ما يتبادر إلى ذهنها هو نبؤات النقاقة (ماغي) التي صدقت كلها لحد الساعة. لكن من السخيف القول أن كل هذا كان مقدراً ومكتوباً عندما نعرف أن أياً من هذا ما كان ليحدث لو أنها ربت طفلاً أفضل في جوفري واتخذت قرارات أفضل من تلك التي جعلتها الآن في الموقف الذي هي فيه.
لقد مدحت كثيراً أداء لينا هيدي وكتابة شخصية سيرسي في المسلسل والتي تجعلها مكروهة بدرجة أكثر بكثير مما هي عليه في الروايات, بل تجعلها شخصية يُتعاطف معها. فخلف واجهة المرأة الطامعة في السلطة توجد أم تريد حماية أطفالها بأي طريقة ممكنة.
من جهة أخرى يبدو أن علاقتها بجايمي عادت إلى طبيعتها, وفي جايمي أرى أننا على وشك أن نشهد تحولاً جديداً في شخصية شهدت بالفعل تحولاً جذرياً من ذلك الشخص المغرور الذي رأيناه في المواسم الأولى, فقدان يده كان كفيلاً بتغيير نظرته إلى نفسه وإلى العالم, والآن فقدان إبنته قد يجعله يتحول إلى شخص آخر مختلف كلياً. سيكون من المثير للإهتمام مشاهدة هذه الشخصية وتطورها هذا الموسم.
في مكان أخر في بوريال نرى مارجري, التي لا تزال في زنزانتها, الدوريّ الأعلى (أو بيرني ساندرز ويستيروس) يحاول بعطف أن يستخرج إعترافاً من مارجري التي ترفض الأمر جملة وتفصيلاً, لكن عندما يقول لها رداً على قولها ان الجميع مذنبون ”لقد إهتديت إلى الدرب, لكن أمامك طريق طويل“ يبدو من الواضح أن العجلات بدأت تدور في عقلها. هل تخبئ مارجري مفاجئة؟
ثم طبعاً المحور الاكثر مللاً في المسلسل: دينيريس. في البداية أحببت الحوارات مابين داريو نهاريس وجوراه مورمونت, وضحكت قليلاً على فاليرية تيريون الرديئة (قزم أكل للأطفال, يالها من فكرة مضحكة), وكذا ذلك السكيتش المضحك حول أفضل شيء في العالم, لكن كل ما حدث في هذا المحور لم يبدُ لي سوى محاولات أخرى من الكتاب للمماطلة في هذا المحور.
طبعاً هذا الموسم سنشهد الكثير من المناورات السياسية والديبلوماسية التي سيقوم بها تيريون وفاريس, وسيكون ذلك ممتعا مشاهدته على الأرجح (وربما لا), لكن نفي داني إلى فايس دوثراك لا يبدو لي أكثر من مجرد مماطلة من الكتاب ولا أتوقع أي نهاية مثيرة للإهتمام من قصتها هذه بنهاية هذا الموسم.
فايس دوثراك (حسب موسوعة عبدالرحمن لافابريك) هي ”المدينة“ الوحيدة للشعب الدوثراكي البدوي. هي مدينة مقدسة، تقبع عند قدم أم الجبال، حيث من المحرم حمل السلاح وسفك الدماء. كل الدوثراكيون فيها إخوة ومتساوون. فيها تقيم الدوش كالين، مجلس مكون من نسوة سبق أن كنّ كاليسي يقرأن الطوالع ويشكلن القلب الروحي للشعب الدوثراكي.
أخيراً وليس أخراً, نلقي نظرة على أريا المتسولة. يجب أن نحيي الممثلة مايزي وليامز على إخلاصها للدور بتفضيلها لارتداء عدسات مُلوّنة على استخدام المؤثرات البصرية لتمثيل دور العمياء. لا يحدث الكثير هنا سوى ظهور مُساعدة جاكن هغار لإعطاء دروس لأريا في القتال الأعمى تمهيداً لتحويلها إلى Daredevil (هل في هذا السيناريو الدموم هو المُعاقب؟).
بريفيو الحلقة القادمة
حيث نلقي نظرة على الشخصيات الأخرى التي لم تظهر في هذه الحلقة, من بينهم بران. هل تصدقون أنه مر موسم كامل بدون أن نسمع ”هودور!“؟ ولا أنا!
التقييم النهائيّ
الحلقة: | دورنا, أميرنا لا يقتله غيرنا. | |
7 / 10 | عدا عن مفاجئة ميليساندري وإنقاذ بريان لسانسا, كل شيء حدث في هذه الحلقة كان يسهل توقعه من خلال أحداث خاتمة الموسم الماضي. لنأمل أن هذا التطور في محور دورنا قد يأتي بنتائج ممتعة, عدى عن ذلك فعلينا نحن قراء الكتب أن نستسلم ونقتنع أن الروايات والمسلسل لن يكونا أبداً نفس الشيء. |