عندما نتحدث اليوم عن مسلسلات التحقيقات والجريمة الأوروبية التي تقودها نساء يتبادر إلى ذهن الكثيرين ساغا نورين من The Bridge وسارة لوند من Forbrydelsen, أو أي من تلك المسلسلات الحديثة التي أصبحت فيها رؤية امرأة في دور كان شبه محجوز للرجال شيئاً عادياً بعد الثورة التي عرفها هذا الصنف, لكن قبل كل تلك المسلسلات بسنوات قادت Caroline Proust تلك الثورة عبر دورها في مسلسل Engrenages (المعروف بإسم Spiral في الأراضي الناطقة بالإنجليزية) أول مسلسلات +Canal الأصلية, الذي غيّرت من خلاله تلك النظرة الشائعة حول دور النساء — الثانويّ غالباً — في حلّ الجرائم والذي كان يقتصر على الظهور بأناقة في الخلفية وتوفير النكات للشخصيات الذكورية, ثم أتت النقيبة لور بيرثو لتعكس تلك المفاهيم كلياً.
لمن لم يسمع به, Engrenages ينظر نظرة عميقة إلى داخل الماكينة العدلية الفرنسية (وهو ما يرمز له إسم المسلسل, الذي يعني gears/مُسننات بترجمة حرفية) عبر مُدعٍ عام, نقيبة شرطة, محامية, وقاضٍ. إذا نحن هنا لا نتكلم عن مسلسل تنتهي قصصه عند إعتقال المشتبه به (أو حتى الفاعل), بل نتجاوز ذلك إلى ما وصفه خبراء بأنه أكثر تصوّر دقة للنظام القضائيّ الفرنسيّ, ولا غجب, فإن هذا المسلسل يضيف بشكل دوريّ إلى طاقمه خبراءاً في المجال لزيادة واقعية المسلسل. وقد لا يمتعك المسلسل في كل الأوقات, الحقيقة ليست ممتعة دوماً (بل بالكاد), لكنك لن تجد سبيلاً للتشكيك في مدى واقعيته.
Engrenages ليس فقط أول مسلسلات كنال+ الأصلية, بل أول مسلسل فرنسيّ يحصل على نجاح عالميّ بهذا القدر, فبالإضافة إلى كونه بيع إلى أكثر من 70 دولة (أولهم بريطانيا عبر قناة BBC التي قدمت المسلسل للجمهور الإنجليزيّ وساهمت في تقديمه للعالم), المسلسل حاز على ترشيح وفوز بجائزة الإيمي الدولية كأفضل مسلسل دراميّ عاميّ 2011 و 2015 على التوالي. فوز المسلسل بالجائزة كان مستحق بعد موسم خامس رائع والذي برزت فيه Proust بأداءها التمثيلي للشخصية التي, بعد أحداث صادمة في نهاية الموسم الرابع, تجد نفسها في زاوية مظلمة. ولا أبالغ هنا عندما أقول أن Proust بأداءها ذاك كانت تستحق ترشيحاً على الأقل في فئة أفضل ممثلة في الإيمي الدولية.
بجانب Engrenages, قامت Proust بالظهور في أعمال أخرى كمسلسل The Tunnel والدراما البريطانية Death in Paradise, لكنها تحب المسرح, إذ قامت بأداء عدة مسرحيات مابين مواسم Engrenages — التي يستغرق إنتاجها سنتين — وأخرها هو مسرحية أرثر ميلر ”نظرة من الجسر“ (Vu du pont/A View from the Bridge) التي فاز عنها مخرجها بجائزة لورنس أوليفيي لأفضل مُخرج.
هذا ما كان لدى Caroline Proust لتقوله عن كل هذا وأشياء أخرى:
– بدأتِ مسيرتك كممثلة مسرح, وقمتِ بالتمثيل في المسلسلات والأفلام كذلك, أي من هذه الثلاثة تجدين نفسك فيه؟
المسرح هو أفضلهم. المسرح أشبه بمختبر: لديك الأساس, تستطيع بناية أي شيء عليه. إذا توّجب عليّ الإختيار من بين الثلاثة, سأختار المسرح.
– يشارك رجال شرطة سابقون في عملية كتابة Engrenages, الأمر الذي يضفي عليه واقعية لا نظير لها. هل قمت أنتِ شخصياً بأية أبحاث في وظيفة نقيب شرطة لأجل الدور؟
أجل, قمت بأبحاث, وأقوم دائماً بالإستفسار وطرح الأسئلة.
– دورك في المسلسل يختلف جذرياً عن التصور الشائع في الافلام والمسلسلات حول النساء في سلك الشرطة, من ناحية المظهر والتصرفات أيضاً, هل كانت الشخصية هكذا على الورق أم أنه نابع من أداءك؟ ماهو المقدار الذي أضفيته أنتِ على الشخصية؟
إنه مزيج من الإثنين. أنا شاكرة للفرصة التي أتاحت لي لعب هذه الشخصية والكتاب كانو مصدر إلهام كبير لأدائي لها.
– المسلسل رغم أنه سوداويّ وجاد يحتوي على عدة مشاهد فكاهية, واحدة من المفضلة لديّ هي مداهمة الفريق لمسكن يقطنه مجرمون صُمّ بُكم وطرق الفريق على الأبواب والصراخ ”شرطة! افتحوا!“ قبل أن تتذكر شخصيتك وضعيتهم وتقول ”إنهم صُمّ!“, والذي يبدو مشهداً عفوياً, هل هناك مشاهد عفوية في المسلسل أو مرتجلة؟
أجل, لكن ليس ذلك المشهد, تلك اللحظة كانت مكتوبة في النصّ.
– أنت وبقية طاقم المسلسل روّاد وطليعيون لدى كنال+, كأول وأطول مسلسل لدى القناة, هل ساهم هذا في جانب الحرية الفنية للمسلسل بأي شكل؟
لقد كان الامر هكذا منذ البداية ولم يتغيّر أبداً. كانت لدينا الحرية الفنية طوال الوقت, والفضل يعود لكنال+.
– هناك دائماً فجوة سنتين بين كل موسم وأخر من المسلسل, هذه فترة طويلة لمسلسل من 12 حلقة بالسنة, مالسبب في ذلك؟
لأنه في فرنسا الأمر معقد من ناحية الكتابة, فلذلك كتابة المسلسل تتطلب وقتا طويلاً. لكن هذه الفجوة تمنحنا فراغاً للقيام بأعمال أخرى.
[تعليق المحرر: على عكس النظام الأمريكيّ, في فرنسا يجب ان تُكتب نصوص الحلقات كلها وثم الموافقة عليها جميعاً من طرف القناة قبل بدء الإنتاج والتصوير.]– يمكن القول أن نجاح المسلسل محلياً لا يضاهي نجاحه عالمياً, حتى على صفحاتك على الشبكات الإجتماعية بالكاد تُرى تعليقات بالفرنسية وسط تعليقات من مختلف أنحاء العالم. ما السبب في ذلك برأيك؟ ما الذي يجذب هذه الجماهير العالمية للمسلسل؟
أظن أن واقعية المسلسل الشديدة تنفر الناس منه, فكما ترى فإن المسلسل يصوّر الحقيقة المرّة من حياة رجال الشرطة. وهذه الحقيقة هي ذاتها في كل أقطاب العالم. بالإضافة إلى ذلك, أظن أن هناك نهم شديد في هذه الفترة لقصص النساء في سلك الشرطة.
– ومالسبب الذي منع ظهور نساء قويات في أدوار بطولية؟
لأننا في مجتمع ذكوريّ! لكن لحسن الحظ بدأ هذا يتغيّر.
– هل لديك أية مشاريع قادمة لنبقي نظرة عليها؟ إخراج أو إنتاج؟
أعمل حالياً على عدة مشاريع كمنتجة, ولديّ مشروع شخصية أقوم بالتعاون في إخراجه. لكن قبل ذلك, سيأخذ تصوير الموسم السادس من المسلسل معظم السنة, ثم مسرحية ”نظرة من الجسر“ مع المخرج Ivo Van Hove, ثم فيلمي الخاص.
نشكر Caroline Proust على تخصيصها وقتاً للإجابة عن أسئلتنا. يرتقب أن ينطلق الموسم السادس من Engrenages في وقت لاحق من هذه السنة, وبما أنه لا تبدو لنا أية نهاية في الأفق حالياً, سنستمتع بمغامرات النقيبة لور بيرثو لموسم أخر, ولمواسم أخرى عديدة.
سابقاً: حوارنا مع نجم Northern Exposure الرائع Darren Burrows