من الأشياء التي كنت أريد الحديث عنها حول التطور الذي عرفه عالم مسلسلات الويب بدخول نتفليكس وهولو وأمازون والبقية إلى مجال إنتاج المسلسلات الأصلية هو إفتقادهم إلى الإبتكار في مايخص الفورمة, وهو أمر محيّر بالنسبة إلى شركات ليست مقيدة بأية قوانين, بل إنها — من دون إدراك منها — تخُطّ قوانين هذا العالم كله.
حلقات المسلسلات الكوميدية تدوم 30 دقيقة وحلقات المسلسلات الدرامية تدوم من 45 إلى 60 دقيقة, تزيد أو تنقص بضعة دقائق لكنها كانت دائماً في هذه الفورمة, شارة بداية تروق لك خلال أول 5 مرات ثم تصبح بعد ذلك إزعاجاً يمنعك عن مشاهدة حلقة مسلسلك المفضل مباشرة, نفس الفورمة المتبعة في التلفزيون التقليديّ الذي يتقيد بعوامل مثل الإعلانات وكذا جدول العرض اليوميّ للقناة, لكن حتى مع غياب هذه العوامل فإن هذه الإنتاجات الإنترنتية (إن صح القول) لا تزال تعيش في ظل التلفاز. كان يفترض بهذه الشركات أن تحرر عالم المسلسلات من تلك القيود لكنها وضعت نفسها في نفس الإطار لكن على منصة مختلفة.
سيقول لي بعضكم أن هذه الإنتاجات تُباع للقنوات التلفزيونية التقليدية ويجب أن تناسب معاييرهم. هل تقولون لي ان القنوات التلفزيونية قد تخجل من إدخال المزيد من الدعايات وسط الحلقة لتجعلها تتناسب وجدول العرض التقليديّ؟ بربكم.
وفوق هذا كله, هذه الشركات لم تستفد من حريّتها التامة تلك لإحداث أي نوع من الثورة في فورمة المسلسلات, إنها تستخدم نفس الأصناف التقليدية ولا توجد أية تجارب لإنتاج أشياء جديدة لم يسبقهم لها أي أحد. إنهم كلهم جبناء يفضلون إنتاج الريميكات وإعادة إحياء المسلسلات القديمة على تجربة أي شيء لم يتم تجريبه قبلاً.
هذا قبل أن يلمع ضوء وسط المدينة ليرسم نداءاً لمنادينا, حيناً يظهر ويختفي حيناً, إنها إشارة لويس سي كي. الفنان الكوميديّ أطلق قبل ثلاثة أسابيع, من دون أي إعلان مسبق أو حملة دعائية أو أي شيء من ذلك الهراء, أولى حلقات مشروعه الجديد الذي يدعى Horace and Pete.
ماهو Horace and Pete؟ إنه خليط دراميّ كوميديّ مسرحيّ وعدة أصناف أخرى, القصة تدور حول حانة يديرها شخصان: هوراس (لويس سي كي), وبيت (ستيف بوشيمي), برفقة العم بيت (ألدا, الذي يلعب دوره ببراعة فائقة). يرتاد هذه الحانة عدة زبناء دائمين يتناقشون في أبرز مواضيع الساعة (كالإنتخابات السياسية الأمريكية الجارية حالياً) أو في أي من تلك الجدالات المعتادة في الحانات والتي يظن كل طرف فيها أن الصراخ أكثر من الطرف الأخر يساعده على إثبت أن رأيه أصح من رأي مُناقشه. من الشخصيات الأخرى الدائمة في المسلسل هناك أخت هوراس, التي تلعب دورها إيدي فالكو, المريضة بالسرطان والتي تريد بيع الحانة لتغطية تكاليف المرض, ومارشا, العشيقة الأخيرة لوالد هوارس, المدعوّ هوراس (تلك قصة طويلة ولا أريد أن أحرمكم من رؤية العم بيت يشرحها لكم بنفسه).
لا شيء في هذا المسلسل يشبه أياً من مسلسلات نتفليكس أو أمازون أو غيره, وإنه حتما وبدون شك لا يشبه أي شيء نراه على التلفزيون حالياً. مما رأيته منه — وقد أكون مخطئاً في وصفي هذا — فإنه يشبه كثيراً صنف ”شريحة من الحياة“ (Slice of life) المسرحيّ (رضوان يستعرض عليكم معرفته بالمسرح) ويبدو هذا جلياً في عدة نواحي من المسلسل.
بداية, الأماكن التي تدور فيها الأحداث وكذا طريقة تصوير الحلقات تشبه كثيراً المنظور الذي تشاهد منه المسرح, الأحداث تعمل بطريقة مسرحية جداً (دخول وخروج الشخصيات وما إلى ذلك), والنص غير مكتوب بطريقة تستعجل الوصول إلى نقطة معينة, وعندما تضحك فإنه ليس لأن سمعت للتوّ بانش لاين أو كاتش فريز كما في السيتكومات, وعندما تحزن فإنه ليس لأن الأحداث تسعى لإثارة تعاطفك أو أي شيء, كل الأشياء طبيعية في هذا المسلسل.
في منتصف الحلقة هناك توقف (Intermission) كما في المسرح (وأفلام تارانتينو الرديئة), وكل حلقة تعمل وكأنها مشهد مطوّل في مسرحية طويلة. وقد كنت أظن أنني أتخيل كل هذه الأشياء في رأسي, إذ أنني لا أعرف الكثير حقاً عن المسرح, إلا أنها تأكدت بنهاية الحلقة الخامسة عندما كُتب بخط عريض على الشاشة ”نهاية الفصل الأول“.
تتراوح مدة حلقات المسلسل مابين نصف ساعة إلى ساعة كاملة (وأكثر), والحلقات الطويلة يسهل التعامل معها لوجود توقف في منتصفها, مما يمكّنك من التوقف والذهاب للحمام أو صنع المزيد من الفشار لأجل النصف الثاني من الحلقة, رغم أنه ليس حقاً من نوع المسلسلات التي تجعلك ترغب بتناول الفشار وانت تشاهدها. فكما قد تتخيلون, لا أحد يأكل الفشار وهو يشاهد مسرحية (باستثناء مصطفى, ذلك الشخص ليس لديه أي ذوق لعين).
إذا, ما الذي قد تتوقعه من هكذا مسلسل؟ حوارات, الكثير من الحوارات. هناك عدة مواضيع حياتية كالموت والمرض والحب والزواج والأبوة والبنوّة والحياة ذات نفسها. حلقات المسلسل يتم تصويرها بسرعة على طريقة المباشر — مرة أخرى, كالمسرح — وليس هناك الكثير من القص واللصق بين المشاهد. مما يسمح للمسلسل أن يكون حديثاً جداً في حواراته عندما تطرح الحلقات بعد فترة قصيرة من تصويرها ومعالجتها. هذا المسلسل يقوم بكل شيء بشكل مختلف ومخالف لكل تلك الأشياء التي تراها في المسلسلات حالياً, حتى في الإنتاج و التوزيع, إذ يقوم لويس سي كي بتمويل المسلسل من جيبه الخاص ويقوم بتوزيعه شخصياً عبر موقعه الخاص بمبلغ رمزيّ (5 دولارات للحلقة الأولى, 3 دولارات لبقية الحلقات), ويقوم لويس نفسه بالتعليق على إنتاج المسلسل عبر مدونته الشخصية. نعم, كلنا نفكر فيما تفكر فيه أنت حالياً: أتمنى أن أكون يوما ما غنياً بما فيه الكفاية لأستطيع إنتاج وتوزيع مسلسلي الشخصيّ الذي أكتبه وأمثل فيه وأخرجه شخصياً.
لكنك تعلم أنك لن تستطيع الوصول إلى تلك المرتبة مهما حييت, فلذلك إمسك كرسياً وانضم إلينا في حانة هوراس & بيت.
التقييم النهائيّ
الكتابة: | هناك ذكاء واضح في الحوارات وفي الطريقة التي يتعامل فيها المسلسل مع ثيماته في كل حلقة. | |
التمثيل: | أحيانا تُقابل تلك الحوارات الذكية بأداءات ضعيفة من الممثلين, لكن ألدا وضيوف الشرف يرفعون المستوى عالياً. | |
الإخراج: | لا شيء مميز. | |
رأي شخصي: | الحلقات رغم أنها جيدة إلا أنه يبدو بشكل واضح أنها "نصف مطبوخة". | |
7.25 / 10 | الكل في الكل, Horace and Pete إضافة مُرحب بها لعالم المسلسلات المكتض حالياً. الأكيد هو أنه ليس موجه للجميع, لكن من يحبون أعمال لويس سي كي لن يجدوا أي صعوبة في الإستمتاع بهذا المسلسل. |