عندما أعلنت شبكة فوكس عن إعادة إحياءها لمسلسل الخيال العلميّ The X-Files الذي إنطلق قبل أكثر من ربع قرن وامتد لحوالي عقد من الزمن على مدار 9 مواسم و فلمين سينمائيين كانت ردة فعلي هي نفسها على أي مسلسل أخر يتم إعادة إحياءه, لكن الآن بعد مشاهدتي للمسلسل فانا متحمس قليلاً (ومتشكك كثيراً) لرؤية ما الذي يخبئه لنا مؤلف المسلسل (كريس كارتر) في هذه الستة حلقات التي سيبدأ عرضها انطلاقاً من هذا الأسبوع. السؤال الآن هو: هل يستحق The X-Files أن يتم إعادة إحياءه؟ هل هناك أي هدف من ذلك؟ والأهم من هذا, هل يستحق The X-Files المشاهدة؟
مثل أغلب التساؤلات التي يطرحها المحققان (فوكس مالدر) و (دانا سكالي) لا توجد إجابة بسيطة لهذا السؤال. يمكنكم تخمين الأسباب التي جعلتني غير مهتم بالمسلسل طوال فترة متابعتي للمسلسلات, لقد كان مسلسلاً صِنفياً بامتياز (أي: مسلسل ذو صنف رئيسيّ تقليديّ مُضاف عليه صنف واحد أو إثنان لجعله مختلفاً عن المسلسلات التقليدية الأخرى), لقد كان مسلسل تحقيقات في إطار خيال علمي يميل إلى الرعب, مما يجعله مختلفاً كلياً عن إختياراتي المعتادة التي تميل إلى الواقعية والتي تعرفونها مما أكتبه هنا في الموقع, والتي جعلته يبدو لي أقرب إلى قصص الكوميكس أكثر من مسلسل جاد. لكن إنطباعي هذا رغم أنه كان صحيحاً, إلا أنني اكتشفت ان هذا لا يساوي سوى جانب واحد من المسلسل, وأن له جوانب أخرى جعلته واحداً من أفضل مسلسلات الشبكات على الإطلاق.
قبل كل شيء, يجب أن لا ننسى أننا نتحدث عن مسلسل خيال علميّ في التسعينات (وهذا يبدو جلياً من ناحية المؤثرات البصرية), مما يجعله حالة فريدة للغاية, بالإضافة إلى أنه يحتوي على امرأة في دور رئيسيّ بجانب رجل, مما يجعله ثورياً للغاية. قد يبدو لكم غريباً أنني أذكر هذا, بما أنه أصبح من المعتاد رؤية نساء في أدوار البطولة بجانب رجال, لكن ما فعله إكس فايلز و (جيليان أندرسون) في كسر الأنماط وتحقيق المساواة بين النساء والرجال على عدة مستويات سبق بكثير أياً ما فعلته (جينفر لاورنس) ومئات المقالات الصحفية, لقد أثبت إكس فايلز أنه من الممكن أن تكون امرأة ما قيادية وقوية وذكية بدل أن تكون موجودة فقط للزينة أو لمواساة البطل وتضميد جراحه, وأثبتت (جيليان أندرسون) أنه عندما تتحقق هذه المساواة فإن المراة تستطيع أن تلمع اكثر من البطل وتحقق جائز إيمي وغولدن غلوب في نفس الوقت. لكن لسنا هنا للحديث عن التأثيرات الثقافية للمسلسل, بل للإجابة عن الأسئلة المطروحة أعلاه.
المسلسل يدور حول قسم ”الملفات الفامضة“ الذي أسسه ويعمل فيه — لوحده — العميل (فوكس مالدر), لكن هذا على وشك أن يتغير بقدوم العميلة (دانا سكالي) المتخصصة في مجال الطب والتي سيتم تعيينها في القسم لغاية دحض الأفكار الخيالية التي تأسس عليها هذا القسم من الأساس, بهدف تبرير قفله بناءاً على تقارير العميلة (سكالي), وعبر المغامرات التي سيخوضها الإثنان ستتعرض معتقدات الإثنين للإختبار بشكل دائم. إذاً ما لدينا هنا هو ثنائيّ متضاد ذو غايات مختلفة, المشككة (سكالي) تريد دَمغَ الأساطير التي تلف هذه القضايا باستخدام الطب والعلم, والمؤمن (مالدر) المنفتح الذي يريد تصديق أشياء تفوق ما نعتبره واقعاً مسلماً به والذي يرى أن الحقيقة ”موجودة هناك“ بين أسطر الملفات الغامضة. فكرة قد تبدو تقليدية للغاية على الورق, لكنها تنجح بشكل يفوق كل التوقعات بفضل الكيمستري الخرافيّ للغاية بين الممثلين (ديفيد ديكوفني) و(جيليان أندرسون), وهذه الكيمستري هي ما حمل المسلسل طوال مدة عرضه وجعلته فريداً من نوعه. مؤلف المسلسل (كريس كارتر) قال أن الكيمستري شيء يستحيل صنعه, يا إما أنه موجود أو أنه غير موجود, الأمر الذي سيكتشف المسلسل حاجته له في مواسمه الأخيرة.
عندما يتعلق الأمر بمسلسل يدعى ”الملفات الغامضة“ ويركز على الظواهر الخارقة, فإن ثيماته متوقعة للغاية (فضائيون, أشباح… الخ), لكن ما جعله مميزاً دون غيره لم يتجلَ فقط في قصص ”وحش الأسبوع“ الغريبة, بل في ما يسمى ”محور الميثولوجيا“ الذي هو العمود الفقريّ للمسلسل وقصته الرئيسية المبنية على ثيمات المؤامرة. هذا المحور الرئيسيّ يتبع صراع (مالدر) و(سكالي) ضد نفس الحكومة التي وظفتهم في مكتب التحقيقات الفدراليّ, وهذه هي القصة التي جعلت المسلسل يستمر لكل هذه المدة. ”لا تثق بأحد“ و ”الحقيقة هناك“ هي جمل ستتردد على مسامعك كثيراً عندما يبدأ الثنائيّ في رفع الستار عن المؤامرة السرية المشوقة للغاية.
الحلقات العادية (والتي يشار إليها بحلقات ”وحش الأسبوع“) هي في غالب الأحيان غامضة, مرعبة, ومقززة (أحياناً لدرجة المنع من العرض), لكن بين الفينة والأحرى يقوم المسلسل بحلقات تجريبية والتي تكون خارجة عن النمط المعتاد للمسلسل, يا إما بطريقة كوميدية أو غير مألوفة, وقد كنت أتطلع لهذه الحلقات بشكل دائم لأنها كانت تُظهر هذا المسلسل بشكل مختلف عن المعتاد وتعطيه متنفساً بعيداً عن المؤامرات والوحوش المروّعين, ولا يضر أنها كانت مضحكة للغاية وأن (ديكوفني) ممثل كوميديّ رائع, والذي حتى خارج هذه الحلقات التجريبية تقول شخصيته أشياءاً مضحكة للغاية, مما جعلها محببة لدى الجميع.
كل موسم من المسلسل مقسم, تقريباً, إلى نصفين: حلقات عادية وحلقات ميثولوجية. مما يعني أن المنتجين والكتاب يأخذون كل الحلقات على محمل الجد ولا يفضلون نوعاً على الأخر, وهذه الحلقات متناثرة في كل موسم ومجزءة على جزئين في بعض الأحيان, مما يعني أنك لن تملّ من قصص ”وحش الأسبوع“ أو القصة الرئيسية, بل تتطلع إلى كل الحلقات على حد سواء. بدون أن أنسى ان الحلقات العادية تتضمن أداءات رائعة للغاية من طرف ضيوف الشرف (كأداء ضيوف شرف Law & Order على سبيل المثال), وضيوف شرف كتاب أبرزهم هو الروائيّ Stephen King الذي كتب حلقة مرعبة للغاية والتي رغم أنها لم تقنعني جداً إلا أنها كانت مرعبة حقاً.
الحلقات الميثولوجية (أو ما يعرف بالـMytharc) تتبع قصة رئيسية تعود أصولها إلى ماضي (فوكس مالدر) وعائلته, وترتبط بشكل رئيسي حول رحلته باحثاً عن الحقيقة. هذه الحلقات توازي في جودتها أفضل مسلسلات الغموض والتشويق إذ تم حبكها بعناية فائقة ومثيرة للإعجاب, وهي أكثر ما أبهرني في مسلسل كنت أظنه مجرد CSI بفضائيين. لا أريد الدخول في أية تفاصيل في تلك الحبكة ولا أنصحكم بالبحث فيها, لأن ذلك من شأنه إفساد المسلسل عليكم.
بجانب تأثيره الثقافيّ وإبرازه لمواهب العديد من الممثلين, ساهم The X-Files في إنتاج عدة مواهب خلف الكواليس لعل أبرزها هو محبوب الجماهير Vince Gilligan الذي ساهم في كتابة كتابة العديد من الحلقات الرائعة والمجنونة والمضحكة, مخرج الثرونز David Nutter, بالإضافة إلى Alex Gansa و Howard Gordon مؤلفا Homeland, للمثال لا الحصر. كما انه من خلال ثلاثة شخصيات تُشكل فريق The Lone Gunmen الذين ظهروا في حلقات عديدة لمساعدة بطلينا في حل القضايا استطاع أن يشتق مسلسلاً خاصاً بهم, ممهداً الطريق لشخصيات ”خبراء الكمبيوتر“ او ”الهاكرز“ في الأدوار الرئيسية على التلفاز بل لمسلسلات خاصة بهم حتى (يستثنى منهم النكتة CSI: Cyber الذي يتبرأ منه خبراء الكمبيوتر أجمعين).
لكن رغم كل هذه الأشياء الجميلة في المسلسل إلا أن مشاكل كثيرة عصفت بالمسلسل وجعلته يسقط سقطة مريعة إبتداءاً من الموسم الخامس, أولها هو إصرار فوكس على إستمرار المسلسل بعد موسمه الخامس الذي كان النهاية المفترضة للمسلسل كما خطط لها (كريس كارتر), والتي كانت برأيي أفضل نهاية ممكن للمسلسل والتي كانت لتخول له مكانة عظيمة جداً في تاريخ التلفاز كله.
لا أعرف كل التفاصيل لكن تخميني هو ان (كارتر) تم تخييره مابين الإستمرار في كتابة المسلسل أو إستمرار المسلسل من دونه, ولأنه ليس الجميع (آرون سوركين) فإنه اختار أن يستمر مع المسلسل, ونتيجة لهذه العوامل فإن هذا النصف الثاني (إذا ما اعتبرنا المواسم الخمسة الاولى هي النصف الأول) من المسلسل مختلف جداً ويميل جداً إلى الخيال العلمي القح (أي مثل مسلسلات SyFy) أكثر من النصف الأول, وبدون الدخول في التفاصيل فإن الناتج النهائيّ كان جد متوسط وسيء أحياناً, وهدم كل ما بناه المسلسل من جودة في النصف الاول.
للأسف لم تكن هذه خاتمة المشاكل, إذ في نفس الفترة, وبينما كانت (جيليان أندرسون) لا تزال تصارع لأجل تحقيق المساواة بينها وبين زميلها في البطولة (ولا تزال!!!), دخل (ديكوفني) في صراع مع الشبكة لأجل زيادة راتبه في المسلسل الذي يجمع 20 مليون مشاهد أسبوعياً والذي ترفض الشبكة إنهاءه بأي شكل من الأشكال.
هذه المشكلة جعلت دور (ديكوفني) يتقلص و بنهاية المطاف خروجه من المسلسل… تقريباً. لتبقى (أندرسون) لوحدها في قسم الملفات الغامضة, إلى ان يتم إدخال شخصية المحقق (جون دوغيت) ليكون زميلها الجديد, ومن هنا تبدأ أهمية الكيمستري في الظهور. الممثل (روبرت باتريك) كان جيد, ودخول هذه الشخصية الجديدة نتج عنه تحوّل في الأدوار, إذ أصبحت (سكالي) هي المنفتحة و (دوغيت) هو المنغلق, وبالرغم من أن الجميع مدح هذا التغيّر الذي يظهر جانباً غير متوقع من (سكالي) إلا انه في الحقيقة أقرب شيء ممكن للعودة لنقطة الصفر في المسلسل.
ليتها كانت أخرة الأحزان, إذ بحلول نهاية الموسم السادس أصبحت الممثلة (جيليان أندرسون) حبلى, واضطر الكتاب إلى تقليص دورها هي الأخرى وإدخال شخصية أنثوية أخرى لتكون زميلة (جون دوغيت), وهذا الثنائيّ لم يكن بينهما أي من الكيمستري الذي عهدناه بين (جيليان) و(ديفيد), وبالرغم من كل محاولات الممثلة (أنابيث غيش) إلا ان شخصيتها فشلت في أن يكون لها أي تأثير حقيقيّ في القصة ودورها اقتصر فقط على تقديم الإقتراحات بين الفينة والأخرى حول الطقوس الشيطانية أو مسلسل The Brady Bunch. وعندما اجتمعت كل هذه العوامل مع بعض فإن الناتج كان كارثياً للغاية, ومحبطاً لكل عشاق The X-Files.
أما عن نهاية المسلسل, فإنه إضافة إلى كل تلك العوامل السالفة الذكر, عامل جديد غير متوقع دخل المعمعة, ألا وهو تفجيرات 9/11 والتي يحتمل أنها أكبر مصدر لنظريات المؤامرة في العصر الحديث, فإن فوكس قررت إنهاء مسلسلها الذي موضوعه الرئيسيّ المؤامرات السرية للحكومة الأمريكية. المثير للإهتمام هو أن المسلسل المشتق من The X-Files حول ثلاثيّ The Lone Gunmen (والذي يحمل نفس الإسم) تنبأ بذلك الهجوم الإرهابيّ قبل عدة شهور من حدوثه.
وبناءاً على كل هذا, فإنني مشكك قليلاً في الجزء القادم من المسلسل الذي ينطلق قريباً, لكنني مسرور لرؤية الثنائيّ الرائع (ديكوفني) و (أندرسون) — اللذان لا يوازيهما في التفاهم سوى (ديكابريو) و (وينسلِت) حسب رأيي — من جديد على الشاشة, وفي كل الأحوال, هي مجرد ستة حلقات ومستبعد جداً ان المسلسل قد يهبط كثيراً عن المستوى الهابط الذي تركناه عليه.
ختاماً سأجيب عن سؤال يطرحه كل من يفكر في مشاهدة المسلسل: هل يجب علي مشاهدة كل حلقات المسلسل أم أكتفي فقط بحلقات الميثولوجيا؟ من الممكن مشاهدة حلقات الميثولوجيا لوحدها (والتي عددها حوالي 60 حلقة) بدون الدخول في الحلقات الأخرى بدون أية مشاكل, لكنها ستكون حتماً تجربة ناقصة وأنا متيقن أنه في منتصفها ستقولون في أنفسكم ”ياليتني شاهدت كل الحلقات“.
عموماً لمن يريدون مشاهدة مختصرة فهناك قائمتان: قائمة رسمية للحلقات الميثولوجية مختارة من طرف طاقم المسلسل, و قائمة غير رسمية بحلقات ”أساسية“ تتضمن الحلقات الميثولوجية بالإضافة إلى حلقات يراها مؤلف القائمة ”أساسية“. قد يتهيأ للمرء أنه باخذ حلقات الميثولوجيا لوحدها سيحول تجربة مشاهدة المسلسل إلى مسلسل كيبل أبو 13 حلقة, لكن في الحقيقة حلقات ”وحش الأسبوع“ مفيدة جداً لخلق ذلك التباعد بين المؤامرة والظواهر ”الخارقة“, لأنه حياة تلك الشخصيات لم تكن فقط مؤامرة 24 ساعة على 7 أيام, كما أن بعضها رائع للغاية. قد يستعين المرء باختيار حلقاته من تقييمات IMDB أو غيره من المواقع, لكن حتى هذه التقييمات تبقى نسبية وليست دليل حقيقي على جودة الحلقات.
أما عن نفسي فإنني سأقترح التالي: مشاهدة المواسم 1 إلى 5 كاملة, وريحو بالكم, لا أفلام ولا بطيخ. في حالة ما أردتم الإستمرار ما بعد الخامس, الموسم السادس ليس سيئ والمشاهد سيعرف من أول حلقتين ما إذا كان يريد مشاهدة كل حلقاته أم الميثولوجية فقط, بعد الموسم السادس فإنني أنصح بإتباع إحدى القائمتين السالفتي الذكر والتي قد تقلص كل موسم متبقي إلى مابين 10 و 15 حلقة كل موسم. لكن حقيقة الأمر هو أنه خارج حلقات الميثولوجيا الأمر يعتمد كلياً على المشاهد ومدى إهتمامه بالمسلسل في تلك اللحظة, هناك الكثير من الحلقات التي تقييمها عالي في المواسم الأخيرة والتي وجدتها ضعيفة, جمهور المسلسل متنوع للغاية وما هو يعتبر ”جيد“ عند هذه الفئة من الجمهور قد لا يكون بالضرورة جيد لدى فئة أخرى, لكن المواسم الخمسة الأولى كانت شيء جميل وخاتمة الموسم الخامس مرضية بما فيه الكفاية رغم أنها تترك الكثير من التساؤلات بدون أجوبة.
لكن إن سألتموني, فإن بعض الأسئلة من الأفضل ان تبقى غامضة, لأنه يحتمل جداً أن لا تعجبنا الأجوبة.
التقييم النهائيّ
الكتابة: | قصص فريدة من نوعها وشخصيات مثيرة للاهتمام | |
التمثيل: | moist in the anteroom | |
الإخراج: | لعل التقدم الذي عرفته المؤثرات البصرية سينفع المسلسل الآن | |
رأي شخصي: | I WANT TO BELIEVE | |
7.25 / 10 | دخلت عالم The X-Files مشككاً وخرجت منه مؤمناً, "ذا إكس فايلز: رحلتي من الشك إلى الإيمان" بقلم مفتي التلفزيون. |