Rectify، ليس كل حائر تائه

بعد ثورة في عالم المسلسلات الأصلية لا أعتقد أنّه بات هنالك جزءٌ في أمريكا لا يعرض مسلسلات من انتاجه، فتلك مواقع خدمات العرض على الويب ”نتفليكس وأمازون“ دخلت المجال وتلك قناة بي بي سي أمريكا دخلت المجال، قبل 3 سنوات ستارز دخلته، سينماكس دخلت المجال بالشكل الذي ”نعرفه“ هذه السنة الجميع بات لديه مسلسلاته الخاصة لذا ومع ركب الموجة قناة ”ساندانس“ التابعة لشبكة ”أي أم سي“ دخلت المجال أيضاً هذا العام بمسلسلان أولهما Top Of The Lake بطولة نجمة ”ماد مين“ الممثلة ”اليزابيث موس“ التي لعبت دور ”بيغي أولسون“ ولقى المسلسل نجاح جيد وكانت بداية جيدة للقناة المختصة بعرض ”الأفلام المستقلة“ وتلقى المسلسل نقداً جيداً جداً ثم جاء Rectify وهذه المرة أيضاً كان لأبيغيل سبينسر التي لعبت دور ”سوزان فاريل“ في الموسم الثالث من ”ماد مين“ حضوراً حيث أنّها  أحد أبطال العمل، ولكن عن ماذا يتمحور Rectify وما قصته؟ 

دانييل هولدين الذي يلعب دوره (أدين يونغ) مُتهم بقضية اغتصاب وقتل لـ“خليلته“ ومحكوم عليه بالاعدام يخرج بعد مرور عقدين من الزمن والسبب هو أن الحمض النووي يُبطل الادعائات وينفي التهمة من عليه بالطبع خروجه لم يكن انتهاء القضية فالقضية مستمرة ولكنه خرج من السجن بعد 20 عاماً تقريباً نحن نتحدث هنا عن شاب دخل السجن وهو بعمر الـ18 تقريباً يخرج الآن وقد قارب الأربعين عاماً !!

المسلسل يأخذ جوانب القصة من حيث أخته الذي حاربت لأجله والتي وقفت لجانبه وكرست حياتها لأجله ولأجل اخراجه وربما هي الوحيدة المؤمنة ببرائته رفقة الجانب العائلي الكامل أمه وأخيه الصغير وزوج أمه الذي تزوجها بعد وفاة أبيه عندما كان هو في السجن وأيضاً ابن ذلك الزوج وزوجته ومن جهـة آخرى محامي القضية ومن الجهة الآخرى سيناتور تلك المدينة الذي كان هو من قبض على دانييل عندما كان شرطياً قبل 20 عاماً لذلك سنرى ببساطة تحيزه لجانب ان دانييل مذنب بالطبع رفقة أناس آخرون من ”شريف“ المدينة وغيرهم الذين يعتقدون أن دانييل مذنب.

المسلسل اتخذ جوانب رؤية الحياة أكثر من جوانب القضية فقد كان يعرض كيفية تعامل دانييل مع الحياة فقد دخل السجن وكان بنو جيله يلعبون بالــ“سيغا“ فجأةً خرج ليجد العالم يستخدم ”بلي ستيشن 3“ و ”أكس بوكس 360“ خرج ليجد فجأةً حواسب وهواتف محمولة، خرج ليجد المدينة كلها تغيرت فلا المحلات التي يعرفها بقيت نفسها ولا الناس الذين يعرفهم بقوا نفسهم حتى هو لم يبقى كما هو.

 

الحياة خبرة هذا المصطلح ربما يلخص اموراً كثيرة فبالفعل الحياة خبرة وهذا ما قدمه لنا المسلسل وأبرزه لنا، أن تتعايش مع أمورٍ معينة في حياتك ذلك سيُزيد من خبرتك بها وكيف تتعامل معها ولكن ماذا لو كنت خلال 20 عاماً مسجون في غرفة لا شباك فيها لا تعلم حتى ما هو في الخارج لا تعلم حتى في أي شهر أنت ليس لديكَ جليس سوى الكتاب هكذا كانت هي حياة دانييل والآن خرج ليرى الحياة من حوله تغيرت، فوالده توفي أمه تزوجت عمل والده يُديره زوج أمه وابنه، أخيه في الثانوية، أخته لم تتزوج بعد وقد كرست جزء كبير من حياتها لأجل أخيها حتى نست نفسها احياناً، حتى غرفته لم يعد لها فقد أُعطيت لأخيه الأصغر كل شيء حوله تغير وهذه الأمور أثرت فيه جداً، المسلسل حاول تسليط الضوء على هذه الجزئية بالشكل الأكبر وقد قدمها بشكل لائق جداً.

 

أحداث الحلقات الستة التي يتكون منها الموسم الأول كاملاً تمحورت كلها في فترة أول 7 أيام من حياة دانييل بعد السجن ربما كنت أود لو أن يتم الاسراع قليلاً لكي أرى طريقة التأقلم بشكل أسرع فقد كان الأمر بطيئاً جداً رغم أن الاحداث كانت جيدة ولم تكن بتلك الكمية القليلة بالعكس ولكن مع ذلك المسلسل قدم لحياة دانييل اسقاطات معينة فقد كان يرى دانييل في أشياء معينة وفي شخصيات معينة اسقاطات من عقله ومقارنة مع شخصيات آخرى، أيضاً المسلسل قدم لنا جزء من حياة دانييل في السجن وذكرياته هناك وخاصةً صديقه الذي على ما يبدو تأثر جداً به.

 

الأخوة، قدمها المسلسل بشكل ممتاز بل تمحور في أحيان كثيرة حولها علاقة الاخوة التي تجمع بين دانييل وأمانثا كانت مميزة جداً وقد قدمها المسلسل بشكل رائع أن ترى تلك التضحيات تلك العلاقة وبنفس الوقت عندما تتغير الحالة ويخرج دانييل وطريقة التعامل معه تشعر أحياناً أن أمانثا هي أم دانييل رغم أنّها أخته الصغيرة وبنفس الوقت طريقة تأثر هذه العلاقة وهذا الحب على حياة أمانثا الشخصية وما حدث لها جراء اتخاذها موقف مناهض لأخيها في مدينة جُلها ربما تعتقد أنّه مذنب.

الحزن والسعادة المسلسل قدم اسقاطات عديدة على هذان الشيئان وكأن الحياة تتمحور حولهما أو ربما ذلك ما كانت تفكر فيه شخوص العمل فالأمر يتعلق دائماً بالحزن والسعادة أن تكون حزيناً وتأثير ذلك على حياتك وأن تكون سعيداً ولكن أين موقف دانييل هل يحزن أم يسعد؟ يسعد لأنّه خرج من السجن أم يحزن لأنّه ربما بات يواجه عالماً أتعس وأكثر ضراوةً من العالم الذي كان يواجهه في الداخل فنظرات الناس التي تلاحقه وطريقة تعاملهم معه وتعامله مع تغيرات الحياة أمور كثيرة قدمها المسلسل بشكل رائع واسقاطات مميزة. 

فنيـاً المسلسل قدم نفسه بشكل جيد جداً، اعتبره بعض النقاد أفضل عمل امريكي لسنة 2013 حتى اللحظة ربما معهم حق، فالمسلسل قدم قيمة فنية عالية جداً، حواراته حسب رؤيتي هي أكثر ما يُميزه العمق النفسي والانساني التي قدمتها حوارت هذا العمل كانت مميزة جداً، تشعر أن الكلام يمسك من الداخل تعيش حالة الشخصيات وتناظر بأعينهم وترى بعينيك ما يقودهم لفعل ما يفعلونه وما يُسيرهم للتعامل بتلك الطريقة.

قصة العمل والحبكة بشكل عام كانت جيدة جداً، رغم أنني كما أسلفت كنتُ أفضل أن يُعبر المسلسل عن فترة أطول من 7 أيام، كنتُ أفضل أن أرى المزيد من التطورات في فترة أطول ولكن مع ذلك فطريقة تمحور القصة واتخاذها جوانب معينة كان شيئاً جيداً جداً، الذهاب تارةً لنظرة الجانب الآخر، الذهاب تارةً آخرى لنظرة شهود حضروا الواقعة رفقة ذكريات دانييل في السجن كل تلك الامور قدمها المسلسل بشكل مميز جداً.

طاقم التمثيل قدم الشخصيات بشكل مميز ولو أنني كنتُ أرى بعضاً من التصنع في طريقة التحدث ”لكنة تلك المدينة“ خاصةً أنّ بعضهم لم تكن تُجدي معه نفعاً أبداً، بالكاد كان يتحدث ولكن مع ذلك فالممثلين تقمصوا الشخصيات بشكل جيد جداً وقدموا مشاهد انسانية مميزة خاصةً أمانثا التي لعبت دورها ”أبيغيل سبينسر“ وحتى البطل قدم شخصيته بشكل مميز قدم التوهان الذي كان يعيشه بشكل جيد جداً وناهض التغيرات في حياته وتعامل معها وتقمص الدور بشكل ممتاز.

الاخراج كان عادياً لم يقدم تلك الاضافة الكبيرة للعمل ولكنه قدم شيئاً جيداً جداً حسب رؤيتي النظرة البيضاء للعالم فعندما أُحدثك عن العمل قد تعتقد أنّه عمل مأساوي ويميل للسواد بل تقريباً العمل يقدم جانب البياض بشكل أكبر وساهم في ذلك الاخراج والتصوير بشكل كبير جداً فقد كانت المشاهد تتسم بالاضاءة الساطعة التصوير غالبه يكون في الصباح وكأنّه يُعطيك الأمل ويقول لك دائماً هنالك أمل وهذا الشيء أعجبني جداً، فمن جهـة حوارات عميقة قد تُدخل عمق المأساة لقلبك ومن جهة مشاهد سعيدة في ضوء الشمس الساطع لتُعطيك الأمل وتُبقيك متفائلاً. 

نهاية العمل كانت جيدة جداً وتوحي بموسم ثاني سيكون قوي جداً لحسن الحظ القناة جددت المسلسل لموسم ثاني مكون من 10 حلقات من المفترض أن نُشاهده العام القادم، نتطلع لذلك بكل تأكيد ولرؤية المزيد من المسلسل أعتقد أن الموسم الثاني سيأخذ طابع أحداث مغاير وبالتأكيد سيكون أسرع من الموسم الأول وآمل أن لا يؤثر ذلك على القيمة الفنية للعمل وأن لا ينخفض مستوى المسلسل بتسارع الأحداث، ولكن ما حدث في النهاية يُبشر ببداية قوية للموسم القادم.

التقييم النهائيّ

الكتابة:
التمثيل:
الإخراج:
رأي شخصي:
7 / 10 جيد جداً، حوارات العمل كانت مميزة وقدمت قيمة فنية عالية، قصة العمل بشكل عام كانت جيدة، الطاقم التمثيلي كان جيد، عمل جيد وبداية جيدة للقناة، يستحق المشاهدة بالتأكيد فمتعة حواراته مميزة جداً