تجمعوا من حولي، إقتربوا أكثر، أعيروني أسماعكم ولا تكترثوا لكل الصخب والضجيج الذي يصم أذاننا، الخارج لا يكترث لنا ونحن لا نكترث له، هكذا كنا منذ قديم الأزل، وأعتقد بأننا سنستمر هكذا ما قدر لنا أن نحيى، إفتحوا أعينكم جيداً، اليوم سأحدثكم عن خمسة أصدقاء، فتاتين وثلاثة شبان، هل ترون تلك الفتاة النحيلة ذات الإبتسامة الشاحبة، تلك هي شيرلوت اصدقاءها المقربين ينادونها شارلي، هي ليست من النوع الصاخب من الفتيات، دائماً هادئة وتبتسم ذات الإبتسامة التي تخفي خلفها قلبها الصغير، في الحقيقة هي تعجز حتى عن الإفصاح بحبها لصديق عمرها فيهليام فيرنت، تتعذر كاذبة بأن الوقت لم يحن بعد، فيهليام هو قائد هذه المجموعة الصغيرة، هو ذو شخصية قوية ورتبة عسكرية تجعله قائداً عليهم تلقائياً، أخيه الأصغر فريدهيلم لا يمتلك ذات الشخصية، لكنه يمتلك رؤيته للبطولة وللعدالة، يعتقد بأنه ذو مثل عليا وأنه أعلى مكانةَ من غيره، ليس لأنه يعتقد بأنه كإنسان أفضل منهم لا على العكس هو يعتقد بمساواة وحق الجميع بحياة سعيدة، لكن خطيئته تنبع من كونه يعتقد نفسه أفضل لأنه أكثر رحمة بالناس، ولأنه أكثر إطلاعاً وثقافة وإنسانية، أما ذلك الشاحب ذو الشعر الأسود الطويل هو فيكتور ، حسناً لقد حزرت، هو يهودي رومانسي لطيف كما نشاهدهم بالأفلام دائماً، لربما لا تكون الأفلام مخطئة تماماً بعد كل شيء، أما تلك الجميلة الساحرة الحالمة اللتي تعرف تماماً ما تريد وتظن أنها تعرف كيف تحصل عليه هي جريتا.
كانوا خمسة أصدقاء وكانوا مقربين من بعضهم البعض، حسناً في الواقع هم إعتقدوا أنهم يعرفون بعضهم البعض، أو هكذا خيل لهم، هم نعم نشأوا معاً، عاشوا جل حياتهم مقربين من بعضهم البعض، لكن حياة السلم ليست هي حياة الحرب، حياة الأمن هي ليست ذات حياة الخوف والفزع، عند حلول الموت فقط سنسمح لجانبٍ مخفي منا بالظهور، البعض قد لا يأخذ بكلامنا حينها بجدية، سيقولون لكم أن الألم والخوف أخذ عقولنا، لكني أعتقد بأن الخوف والألم أزالا أقنعتنا فقط، دعوني أسألكم سؤالاً، هل تعتقدوا بأنكم فقط لأنكم تعرفون شخص ما في الحي أو ربما في المقهى تجلسون معاً وتضحون معاً هذا يجعلكم تعرفون بعضكم حقاً، هل تعتقدوا بأن معادن البشر تظهر بسهولة، كيف نعرف أن ما يظهره فلان هو حقاً ما يبطنه، كيف تعرف لو كان صديقك المقرب هو الشخص الذي كنت تحسبه عليه.
لكن لمَ أروي لكم قصتهم؟! مهلاً سأدع فيلهام بنفسهم يرويها لكم، فلست براوي جيد في نهاية المطاف، وأنا سأحدثكم عن المسلسل الألماني – أباؤنا, أمهاتنا – (المعروف أيضا بإسم Generation War بالإنجليزية) وأخبركم عما أعتقده به، علي أكون ذو عون لكم بتقرير رغبتكم في معرفة باقي قصتهم من عدمها.
فيليهام: الحرب ستجعل منك رجلاً.
فريدهيلم: كل ما ستفعله أنها ستخرج أسوء ما فيك !
تدور أحداث المسلسل اثناء الحرب العالمية الثانية، ألمانيا النازية بقيادة هتلر مع بضعة حلفاء مضحكون مثل إيطاليا موسيلني الثرثار الذي إكتفى بإحباط هتلر مرارا وتكراراً في مواجهة باقي أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، كما نعرفهم الأن بإسم الحلفاء، القصة تحديداً تتبع محور الإجتياح الألماني لروسيا أو بالأحرى الإتحاد السوفيتي حينها في العملية التي أطلق عليها بارباروسا نسبة لقائد ألماني ما على ما يبدو والذي يعد أغبى قرار اتخذه هتلر والذي بنظر الكثيرين السبب المباشر في خسارة الحرب طبعاً جنب لجنب مع قرار اليابان بقصف القاعدة الأمريكية البحرية في ميناء بيرل هاربر، وربما كما تقول بعض القصص والتحليلات أن كل ذلك كل وراءه جهاز المخابرات البريطاني الاسطوري في ذلك الوقت، لكن بعيداً عن كل ذلك القصة ستتناول حياة الأخوين فيرنت وهم في الصفوف الأمامية لتلك الجبهة المشتعلة والصعبة، بنفس الوقت ستتبع الأحداث أيضاً الإضطهاد النازي ليهود ألمانيا خصوصاً وأوروبا عموماً من خلال محور قصة فيكتور. العمل أيضا تنقل وتتبع محاور أخرى لكن لم تكن بذات الأهمية، فقصة العمل في الحقيقة مثيرة جداً للإهتمام، محور الحرب العالمية ومشاهدة الحرب من منظور شبان ألمان في الجيش النازي هي حقاً شيء لا نستطيع القول أننا شاهدناه بكثرة، السؤال فقط في هذه الحالة يكون فقط عن مدى نجاح كتاب المسلسل في عرض القصة من منظور الألمانيين بمصداقية عالية دون ان يتأثر بالنظرة الأمريكية لتلك الحرب ودون أن يخشى على نفسه من أن يتهم بمعاداة السامية وبالفاشية والنازية وان تنتهي مسيرته الفنية باكراً لو كان مقدراً له بأن يمتلك مسيرة فنية.
تبدأ القصة مع الأخوين في منزل عائلة فرينت، في وداع لم يكن حميمي جداً من الأب لأبناءه وبالذات لإبنه الأصغر فريدهيلم، الأم تصر على أن تجعل أخوه فيليهام يعدها على أن يعيد أخيه سالماً لها، ثم يغادروا معاُ ليتلقوا بأصدقاءهم – عرفتكم عليهم سابقا لا تسألوني مجدداً عنهم – ليودعوهم على أمل أن الحرب ستنتهي بحلول فترة الأعياد ورأس السنة ويلتقوا مجدداً في ذات الحانة، هكذا خططوا هم، لكن منذ متى تكترث الأقدار لخطط الشباب السذج، خصوصاً الغير أمريكين او متأمركين منهم كما نعرف! سنتابع على مدار خمس ساعات هي مدة المسلسل مقسمة على 3 حلقات أحداث الحرب العالمية الثانية منذ البداية تقريباً وحتى سقوط برلين، كان إختيار الكتاب لعرض الحرب بكل تحولاتها منذ بدءها حتى نهايتها قراراً ذكياً لما في ذلك من تباين بالأحوال قادر على أن يثري قصة العمل وشخوصها بالكثير من العمق، لكن أيضاً إختيار كل هذه الفترة الزمنية بكل مافيها من أحداث وتفاصيل لتروى خلال هذه المدة القصيرة جعل السرد القصصي يميل للتسرع والأحداث لا تبدو مترابطة دائماً بشكل قوي بسبب تواجد قفزات زمنية خلال السرد، فبالنهاية ليس من الممكن توثيق 5 سنوات من الحرب ب5 ساعات من دراما تلفزية مهما كنت كاتباً بارعاً.
من الممكن أن نعتبر أن العمل تناول تأثير الحرب بشكل مباشر على الأفراد، فهو جانب مهم في أي عمل حربي ولذا لا يمكن لي أن أقول أن العمل قدم الجديد في محتواه أو حتى في طريقة السرد، القصة كانت جيدة وتستحق أن تروى بلا شك، لكن لم تكن مبتكرة بأي طريقة، عموما مع ذلك العمل طرح مواضيعه بجودة عالية جعلته بكل تأكيد يستحق المشاهدة. كان من المهم بالنسبة لي أثناء المشاهدة ما قدمه العمل من تحول رائع لشخصياته أثناء مدة عرض القصة، هل تستطيع أن تتخيل مقدار التحول في شخصية شاب كان يؤمن بالإنتصار العظيم للأمة النازية ثم يشهد بعينه سقوط برلين! إننا نتحدث عن فترة إستثنائية وأحداث إستثنائية ولذا ما قدمه الغمل على صعيد كتابة الشخصيات أبهرني تماماً، بل وأعتبره أفضل مافي العمل على الإطلاق.
فيكتور : شارفنا على خسارة الحرب، لقد كانت بلا فائدة.
فريدهيلم: كانت بلا فائدة منذ البداية!
المسلسل الألماني – اباؤنا, امهاتنا – قدم رؤية ممتازة لبشاعة الحرب، بعيداً عن البطولات الوهمية وبعيداً عن ثرثرة الساسة وتطبيل الإعلاميين. رسالته كانت ببساطة لا شيء جيد يأتي من وراء الحروب، من الجيد أن العمل وبكونه يناقش الحرب من وجهة نظر المهزوم لم يمتلك الفرصة للتطبيل لما حدث في الحرب ولا للجنود الألمان، العمل جاء واقعي وقابل للتصديق بغض النظر عن بضعة تفاصيل داخل الحبكة قد تستهجنها مثل ولكونه يطرح القصة من منظور خمسة اشخاص يفترض أن تفرقهم الحرب إلا أنه حاول بشكل مستمر ربط هذه الشخصيات معاً اثناء القصة مراراً وتكراراً، أحيانا كان هذا لفائدة القصة والعمل وأخرجت لنا مشاهد رائعة جداً أو حوارات ممتازة حقاً لكن ايضاً في أحيان أخرى وجدت نفسي لا أبلع كم الصدف الذي يتكرر امامي في المسلسل.
الطاقم التمثيلي بالعمل في الحقيقة لا أعرف عنه أي شيء، ولم يسبق لي أن شاهدتهم بأي عمل أخر، وبغض النظر عن أسماءهم الحقيقية التي لا اعتقد أنكم بحاجة لمعرفتها كان جهلي بهم يساعد على جعلي أصدق القصة أكثر وأدخل أكثر بعالم الشخصيات، الأداء التمثيلي بالمجمل كان جيد جداً ولا يمكن حقاً أن تنتقده، أغلبية الشخصيات الاساسية عيشتني إحساسها بشكل سلس وبسيط وبعيداً عن التكلف – كعادة الأوروبين – .
ختاماً أود القول بأنك لو كنت مهتم بأي شكل من الأشكال بالمسلسلات الحربية أو الأعمال الفنية الحربية فيجب عليك أن تضع المسلسل في قائمة إهتماماتك، العمل إمتلك القصة الجيدة والتي تستحق أن تروى وأمتلك أداء تمثيلي ممتاز وإخراج معقول ورومانسيات خفيفة لطفت الجو، لا عيوب حقيقية بالمسلسل حسب رأيي إلا بعض الضعف في الحبكة ولكنه لم يكن الضعف الذي لا تستطيع التجاوز عنه والإستمتاع بالعمل بوجوده، العمل يطرح رؤية لا نشاهدها كثيرة لتلك الحقبة، وهو سبب لوحده كافي لو أردت رأيي لمشاهدته.
التقييم النهائيّ
الكتابة: | الكتابة كانت ممتازة اغلب الوقت، لو إستثنينا القليل من العيوب فهي بالعموم أفضل أجزاء المسلسل. | |
التمثيل: | تمثيل جيد ويقدم ما هو منتظر منه، لا يوجد اداء إستثنائي لكن بنفس الوقت هناك جودة عالية من أغلب الطاقم. | |
الإخراج: | لا شيء يستحق الكتابة عنه، إخراج توثيقي أكثر من كونه إخراج فني. | |
رأي شخصي: | عمل ممتاز بالمجمل وإستمتعت بمشاهدته وقدم لي تجربة جميلة خلال ساعات عرضه الخمس. | |
7.25 / 10 | مسلسل حربي إمتاز بكتابة رائعة لشخصياته و يطرح رؤية وقصة من زاوية لا نشاهدها كثيراً للحرب العالمية الثانية، وهو سبب لوحده كافي لو أردت رأيي لمشاهدته. |