قد يخدعكم المزاح الذي تسمعونه في أول مشهد في Happy Valley الذي تستجيب فيه (كاثرين) إلى نداء حول رجل يحاول إضرام النار في نفسه مرتدية نظارات شمسية, وعندما تسألها زميلتها الشابة عن سبب ارتداءها لنظارات شمسية تجيبها (كاثرين) قائلة: ”إذا كان سيقتل نفسه, فلا أريده أن يأخذ حاجبيّ معه“, قد تنخدعون وتظنون أن هذا المسلسل سيكون مرحاً وفكاهياً, إن الإسم Happy Valley ساخر إلى أبعد حد, لأن هذا المكان ليس سعيداً بالكامل.
تتمحور قصة Happy Valley حول (كاثرين كيوود), التي تلعب دورها ببراعة (سارة لانكشاير), ضابطة شرطة ذات خبرة طويلة في بلدة صغيرة في يوركشاير بشمال انجلترا، وهي منطقة مليئة بالجرائم. تدمرت حياتها وزواجها بعد انتحار ابنتها, تاركة حفيدها في رعايتها. تقول كاثرين لذلك الشاب الذي يحاول إضرام النار في نفسه: ”أدعى (كاثرين) بالمناسبة. أنا في السبعة والأربعين من عمري. مطلقة. أعيش مع أختي، مدمنة سابقة على الهيروين. لدي طفلان ناضجان – أحدهما ميت والأخر لم يعد يكلمني – وحفيد. لذا…“, وبدون الدخول في التفاصيل, أي شخصية بهذا النوع من القصة والتاريخ من شأنه أن يمنح المشاهد مسلسلاً مثيراً للإهتمام (ما دامت الكتابة جيدة).
التلفزيون البريطانيّ معروف بإنتاجاته البوليسية الممتازة, لعل أبرزها من الإنتاجات الحديثة هم Luther, Broadchurch و The Fall وقد نضيف إليهم The Tunnel حتى (إن كنت من أولئك الذين لم تراودهم فكرة مشاهدة النسخة السويدية الأصلية), فلذلك من الطبيعيّ أن نتسائل ما الذي قد يضيفه Happy Valley إلى هذه الكومة التي أجادت قصص الجريمة و التحقيقات لسنوات, كانت هذه هي الفكرة الرئيسية التي منعتني من مشاهدة المسلسل قبل الآن, لكنني الآن — على الأقل — غير نادم على مشاهدته.
في الحقيقة, المسلسل لا يشابه حقاً أياً من المسلسلات التي ذكرتها, ولو أردنا مقاربته فإنه قد يكون أقرب شيء إلى Fargo, الفيلم أو المسلسل. لربما ليس في الطابع الساخر لـFargo لكن حتماً في القصة وحيثياتها, بداية بالمكان الذي تدور فيه الأحداث (مدينة صغيرة) والشخصية التي تقوم بالحدث الذي يجعل كل الأمور تسوء بدون التفكير فيها ملياً أو تخطيطها بشكل صحيح, ثم تعجز عن الخروج من المأزق التي وضعت نفسها فيه.
لكن حيث يختلف Happy Valley عن كل تلك المسلسلات هو أن القصة البوليسية ليست كل شيء فيه, لأن فاعل الجريمة غير مهم, نحن نعرفه سلفاً, لا يوجد غموض هنا, لن نقضي حلقات وحلقات من المسلسل نتسائل هل هذا من فعلها أم ذاك؟ ولن نقضي حلقات طويلة نشطب متهماً تلو الأخر ليتضح لنا في النهاية أن الفاعل كان هو عبده البواب الذي كان تحت أنوفنا (وأنوف المحققين) طوال الوقت. لا, المسلسل يركز أكثر على شخصياته وعلى طباعها وتصرفاتها والدوافع خلف تصرفاتها تلك. Happy Valley دراسة في الشخصيات أكثر مما هو مسلسل تحقيقات.
من الخطأ التعميم على كل المسلسلات البريطانية لكن الحقيقة أن النظام المتبع لديهم يسمح بصناعة إنتاجات من طراز عالي, كيف ذلك؟ أولاً عدد الحلقات, عندما يكون لديك مسلسل من 6 حلقات فلا مكان لديك للتمطيط, لديك قصة ترويها ثم تذهب في حالك, هذا أولاً. ثانياً, الكاستينغ ليس مسيراً بالقوة النجومية للممثلين, يعني أن الكاست يتم اختياره غالباً لمناسبته للدور, بدل أن يتم كاست إسم معروف سينمائياً أو في التلفاز ثم بناء المسلسل حوله, طبعاً يتم كاست نجوم بارزين في الأوساط البريطانية أحياناً (بطلة Happy Valley على سبيل المثال) لكن لدوافع فنية أكثر من ترويجية.
لماذا هذه النقطة مهمة؟ هذه النقطة مهمة جداً في مسلسلات كـHappy Valley, فعندما يكون الممثلين غير معروفين, وأحداث المسلسل لا تدور في مدينة كبيرة كنيويورك, ولا أحد من الكاست يبدو أوسم من الاشخاص الذين تراهم يومياً في حياتك, كل هذه الأشياء تساهم في منح المزيد من الواقعية للمسلسل, وكل هذا لا ينجح إلا عندما تكون لديك شخصيات مكتوبة بواقعية وبدون مبالغات.
إن الدافع الذي أدى بكل ما حدث في Happy Valley أن يحدث لم يكن السيطرة على العالم أو شرّ مطلق, بل الطمع فقط لا غير, دافع بشريّ للغاية, واقعيّ للغاية. وهذا واحد فقط من عدة ثيمات تبدو واضحة في المسلسل, كإلقاء اللوم وتحمل المسؤولية. لعل كلامي هذا يبدو مبهماً للغاية لأنني لا أريد حقاً أن أدخل في تفاصيل المسلسل, أريد من المشاهد أن يدخل المسلسل بفكرة بسيطة للغاية حول المسلسل وينبهر به بنفسه.
المسلسل يبدأ ببطئ, الحلقة الأولى تقدم لنا القصة والشخصيات, الحلقة الثانية بناية القصة, في الحلقة الثالثة تتصاعد الأمور لتصل إلى قمتها في حلقة رابعة خرافية (واحدة من أفضل حلقات الموسم الماضي بدون شك), لتصل الأمور إلى نهايتها في الفصل الاخير مع الحلقتين الخامسة والسادسة. بمعنى لا تيأس من المسلسل إذا وجدته بطيئاً في البداية, المسلسل يكافئك على صبرك بحلقات رائعة, وقصة هذه تحتاج بناءاً متيناً ولو أنه بطيء, أيضاً من المهم أخذ هذا الكلام بالاعتبار لأن المشاهد التلفزيونيّ متعود على تصاعد الأمور ووصولها لقمتها بنهاية الموسم وليس في وسطه, لكن Happy Valley مختلف هكذا.
بالعودة للحديث عن الكاست, فإن كاست Happy Valley كان مثالياً أو أقرب شيء لمثاليّ, بجانب أداء (سارة لانكشاير) في دور البطولة الرائع للغاية, هناك ممثلان في دورين رئيسيين في القصة ستتعرفان عليهما بسهولة قاما بأفضل أداء ممكن لشخصيتيهما, لقد كان كل ذلك مقنعاً للغاية. لقد ساعد (لانكشاير) طبعاً سهولة التعاطف مع شخصيتها, أم مطلقة تربي حفيدها وشرطية نزيهة, ترتدي زياً موحداً عادياً وشعراً ليس مصففاً كنجمة من هوليوود, سلاحها عصا وليس مسدس, فلذلك أي خطر يهددها هو خطر حقيقيّ. كما أنها لا تستطيع إطلاق النار على عجلات سيارات الأشرار بدقة مليميترية عندما يهربون منها, كما يفعل بعض الأشخاص.
ليس من المفاجئ حقاً أن المسلسل فاز بجائزة BAFTA كأفضل مسلسل في فئة كانت تضم كلاً من Line of Duty, The Missing و Peaky Blinders, كلها مسلسلات رائعة وبصراحة ما كنت لتجد أي شكوى مني لو فاز أي واحد من هؤلاء الأربعة بالجائزة لأنها كلها مسلسلات مميزة بشكل متساوي للغاية.
الكل في الكل, إستطاع Happy Valley فعلاً تقديم شيء جديد لصنف بدأنا نعتقد جميعاً أنه لا مجال للإبتكار فيه, لأنه وسط تلك التحقيقات والجريمة هناك دراما عائلية, دراما شخصية, هناك تراجيديا وفكاهة, هناك واقعية, وكل هذه الأشياء جعلت Happy Valley مميزاً بطريقته الخاصة.
الـBBC أعلنت عن تجديدها للمسلسل لموسم ثانٍ. قصة الموسم الأول وصلت إلى نهاية مرضية للغاية ولا أعلم ما الذي قد يدور حوله المسلسل في موسمه الثاني, من أبرز الأشياء التي تركز عليها (كاثرين) في عملها هي انتشار تجارة المخدرات في المنطقة, كما أنه يبدو أن هناك المزيد مما لا نعرفه عن ماضي (كاثرين), عملها السابق على سبيل المثال, الذي ذُكر بشكل عرضيّ في الحلقة الرابعة. أياً كانت قصة الموسم الثاني, والذي يتم تصويره في هذه الأثناء, فإنني متحمس لرؤيته.
التقييم النهائيّ
الكتابة: | الحلقة الرابعة كانت لا تصدق! | |
التمثيل: | نحتاج المزيد من النساء في أدوار البطولة | |
8 / 10 | في قلب قصة التحقيقات والجريمة تلك توجد شخصيات معيوبة, دراما عائلية, تراجيديا وفكاهة, وهذا هو لُب Happy Valley. |