منذ مدة ومنذ أول ترايلر ربما عن مسلسل ذا أفير قررت بأنه يجب أن يكون من قائمة مشاهداتي القادمة، السبب الأول الذي دفعني لإتخاذ هذا القرار كان هو طاقم العمل، وعندما أتحدث عن طاقم العمل فأنا أخص بالحديث دومينك ويست أحد افضل الممثلين على الإطلاق في عالم التلفاز، يكفي دوره في ذا واير لنعلم قيمته ومدى تمكنه من أداء أصعب الأدوار ببساطة تجعلك لا تعتقد للحظة أن ما يجري أمامك هو تمثيل، هنا أيضاً مرة أخرى أثبت لي أنه حقاً مظلوم من لجان الجوائز ولم يحظى إطلاقاً بالتقدير الذي يستحق، الشخص الأخر في الطاقم الذي كان عامل جذب أساسي لي لمشاهدة العمل هو أو بالأصح هي روث ويلسون التي أيضاً أبهرتني في المسلسل القصير لوثر وكانت أيضا مرة أخرى على قدر ما إنتظرته منها وأثبتت بأن أداءها هناك لم يكن صدفة لكن موهبة حقيقية ، لكن بنفس الوقت كنت متخوف قليلاً من العمل وتوجهه القصصي وهذا ما جعلني اتأخر كثيراً قبل البدء به، كنت أتوقع منذ البداية عمل قوي فنياً، كقاعدة عامة أعمل بها دائماً بمجرد أن ترى عمل يحتوي على طاقم تمثيلي قوي – فنياً – إنتظر عمل قوي جداً من جميع جوانبه، ببساطة لأنه لا أحد يجذب طاقم قوي ليقدم مسلسل حب مبتذل أو أكشن رخيص، لكن بعيداً عن هذه النقطة تخيلته عمل يدور حول علاقة عاطفية غير مشروعة بجانبها الإنساني مستعرضاً تأثيرات هذه الخيانة على حياة الزوجين والخ من التفاصيل المعتادة لهذا النوع من الأعمال الفنية، فدائماً الخوض في غمار تجارب وقصص الخيانة الزوجية من المنظور الغربي هي مادة دسمة ولكن بنفس الوقت سهل درامياً العمل عليها، لدرجة أن هذه القصص أصبحت تتكرر كثيراً وكل هذه الحكايا أمست تتشابه.
لكن العمل هذه المرة أثبت لي أنه حقاً لم تكن المشكلة أبداً بهذا النوع من الحكايات، جعلني أؤمن بأن كل قصة إنسان هي قصة فريدة من نوعها وتستحق أن تروى، وأن بها ما يكفي لجعلها مسلية أو مؤثرة أو مثيرة للإهتمام، علينا فقط أن نصغي جيداً لهم، وأن نرى ما يميز كل قصة، أن نزيل القشور السطحية لكل حكاية، أن نزيل القناع الذي يضعه كل إنسان ونلج إلى أعماق روحه المضطربة، وصدقوني، كل الأرواح مضطربة، هناك سترى ما يستحق أن يروى، وهناك ستجد الحكاية.
تتمحور قصة العمل حول نوح سالوواي الأستاذ في أحد المدارس العمومية وكاتب للتو صدر كتابه الأول و أليسون بيلي نادلة في مطعم في نهاية العالم على حد تعبيرها يلتقيها عند إنتقاله للتصيف في منزل والد زوجته الثري والكاتب الشهير جداُ، وكما نستطيع أن نتخيل نوح لم يكن يتفق جيداً مع والد زوجته وهو في الحقيقة بناء متوقع للأحداث، تنطلق القصة إنطلاقاً من تلك اللحظة – لحظة إلتقاء نوح بأليسون أقصد – وإن حملت القصة تمهيد بسيط لكن لا يمكننا أن نعتبره إلا مقدمة جانبية للقصة، تنطلق القصة مع مقدمات بسيطة لكن مع ثقل وكثافة فنية وجمالية تجعلك تسترخي مباشرة وتدخل في العمل بسهولة بحيث لا تشعر إلا أنك جزء من هذه القصة منذ وقت طويل جداً، العلاقة التي تنشأ بين نوح وأليسون لربما تكون هي جوهر القصة كما يمكن لنا أن نتوقع من قصة عمل بعنوان ذا أفير لكن مع ذلك هذه العلاقة اللتي يمكنني إعتبراها أنها مفتاحية وجوهرية إلا أنها كانت جزء من منظومة روائية ممتازة وقصة مثيرة للإهتمام .
لكن عندما نتحدث عن محور القصة في ذا أفير فيجب أن أوضح أن لها جانبين، كبداية يجب أن تعرف بأن القصة تروى لك بالأساس من خلال نوح ثم من خلال أليسون، فترى الأحداث بعينيهما وتتعرف على القصة من خلال روايتيهما، كل حلقة ستكون مقسمة لفصلين في كل فصل ستتعرف على الأحداث من جانب أحدهما، هذا الأسلوب كان ممتاز لطرح تفاصيل مهمة وإعطاءك جانب لتنحاز له بالقصة، خصوصاً وأن بالقصة الكثير من التفاصيل، والكثير أيضاً من الجوانب العاطفية والأبعاد الإنسانية، سترى أليسون تتقرب وتغازل نوح بعين نوح، وسترى نوح رجل يمر بأزمة منتصف العمر في عين أليسون، القصة أبداً لن تكون متماثلة ولن تكون أيضا مملة دعني أطمئنك، تكرار المشاهد والأحداث كان بطريقة جيدة وتخدم الحلقة أغلب الوقت، كان هناك برواية كلٍ منهما خصوصية كافية لجعلها ممتعة بحد ذاتها، وتفاصيل مشتركة لجعلها مثيرة للإهتمام بما يكفي أن تجعلك ترغب بمعرفة كيف سيروي الطرف الثاني ذلك الجانب من الحكاية.
تحذير: لربما يحتوي الجزء المقبل القليل مما يمكن إعتباره حروقاً طفيفة، وعليه وجب التنبيه.
في كل صباح ينقضي أو ينقضي مساء،
يولد بعض الناس للشقاء،
في كل مساء ينقضي أو ينقضي صباح،
يولد بعض الناس للأفراح،
لكل ما لذ من الأفراح،
ويولد البعض لليلٍ لا ينتهي.
كانت هذه الأبيات أو الكلمات المقتبسة من قصيدة لشاعر وفنان إنجليزي – William Blake – تستمر بالتردد في ذهني بلا توقف اثناء مشاهدتي لفصول هذه الحكاية، كل فصل من حكاية نوح، أو حكاية أليسون، أو كل نظرة لهيلين كانت تجعل هذه الكلمات تدور في رأسي تكراراً ومراراً، عندما إطلعت على كلمات هذه القصيدة للمرة الأولى كان هذا منذ زمن طويل أثناء قراءة أحد روايات اغاثا كريستي المفضلة بالنسبة لي، لمن ينتابه الفضول الرواية كانت بعنوان ليل لا ينتهي وللمصادفة كانت تحتوي على العديد من العناصر المتشابهة قصة عملنا اليوم، لكن بعيداُ عن ذلك إستطاعت حكاية ذا أفير ومن خلال أول ثمان حلقات عرض قصة إنسانية بجوانبها المختلفة لشخوصها المختلفة بجمالية وقوة طرح ونقل تجربة إنسانية فريدة لجعل العمل لحد تلك اللحظة درامياً أكثر من ممتاز بدون الحاجة للتطرق لمحور الجريمة، لا استطيع التذمر بشأن هذا المحور خلال أول 8 حلقات على الأقل التطرق له كان بسيط وكان قادر على خلق حالة من الفضول الجيد نحو القصة، ثم جاءت خاتمة المسلسل وأخرجتني من الأجواء التي وضعني بها المسلسل خلال الفترة الماضية، الأحداث بدات تصبح أحياناً متسرعة لتصل بنا في النهاية للحظة التي دفعنا لها كتاب القصة وهي أن نختم المسلسل بإلقاء القبض على نوح سولواي بمشهد لا أستطيع القول أنه كان أفضل ما يمكن.
من المؤسف أن ترى قطعة كتابية بجودة ذا أفير تفسد، وإن كان لا يمكن إعتبارها بعد حقاً قد فسدت، إنما فقط القصة أصبحت قابلة جداً لأن تتلف وأن تفسد ما صنعته من إحساس رائع خلال الموسم، كتابياً لا يمكن إعتبار الموسم الأول إلا أحد أفضل الأعمال على التلفاز حالياً، وبالنظر لمستوى الطاقم التمثيلي ولجمالية الصورة في ذا أفير والساوند تراك المميز جداً لا يمكن إلا أن تشاهد الموسم الأول وأنت مستمتع بالكامل بكل جزئية فيه، أتمنى حقاً أن أرى موسم ثاني يليق بما قدمه الموسم الأول، الأهم حالياً هو أن يجيد مبدعي المسلسل تحريك الاحداث من نقطة توقف الموسم، تحريكها بالإتجاه الصحيح اقصد والخروج من هذا التيار السريع بأمان.
ملاحظة 2 : العمل يعرض على قناة شوتايم لذا هو مليء بالمحتوى والألفاظ و الإيحاءات الجنسية، وعليه وجب التنبيه.
التقييم النهائيّ
الكتابة: | ||
التمثيل: | ||
الإخراج: | ||
رأي شخصي: | ||
8.25 / 10 | The Affair قصة إنسانية مثيرة للإهتمام، خلاقة ومؤثرة، إستطاعت تقديم ثيم مكرر بإبداعية أعطت للعمل قيمته الفنية. |