كيف أفسد أرون سوركين Studio 60

هذه المقالة تتحدث عن مسلسل Studio 60 on The Sunset Strip, يمكنكم قراءة المقالة التعريفية عن المسلسل هنا. هذه المقالة تحتوي على حرق للمسلسل, معظمه عن الحلقة الافتتاحية (البايلوت), يستحسن عدم قرائتها إذا لم تكن قد شاهدت الحلقة الإفتتاحية على الاقل من هذا المسلسل.

الجزء الأول: إمكانيات البايلوت

أحببت بايلوت ستوديو 60, جعلني أقع في غرام المسلسل مباشرة من حلقة واحدة فقط. كان يمكنني ان اعيده مرات ومرات بدون أن أمل منه, مسحوراً بالحوارات, و تحركات الكاميرا. طبعاً, كان فيه كل تلك الاشياء الكويسة التي عملها أرون سوركين في الويست وينغ, لكن عند مشاهدتي للمسلسل كاملاً بهذه السرعة, لم أستوعب كل ما فيه, كنت أرى الجانب الجميل منه وحسب, ستوديو 60 الذي كنت أريد ان اشاهده. الآن, عندما أنظر للوراء, البايلوت كان مُضللاً, ولم يصوّر لنا بالصورة الحقيقية العالم الذي كان ينوي سوركين أن يخلقه. و مع كل حلقة بعد البايلوت, كان أرون سوركين يفسد ”ستوديو 60 على الصنست ستريب“.

البايلوت أنشأ قصصاً عديدة كان من الممكن ان تساهم في جعل المسلسل مثيراً للاهتمام اكثر؛ لكن للأسف, أرون سوركين وجد, بكل أعجوبة, طريقة ليطيح بكل قصة منها نحو الأرض.

– تاريخ ”مات“ و ”هارييت“ كان يمكنه ان يقدم بعض التوتر الدراميّ و الكوميديّ للمسلسل

طبعاً, كان هذا ممكناً, لكن بدل ذلك حوّلها سوركين إلى توتّر دراميّ فقط طوال حلقات المسلسل. و نقاشاتهم التي تدور دائماً حول ”مسحيّ × غير مسيحيّ“ كانت متشابهة, وغير مثيرة للاهتمام, و مكررة. في البايلوت, فكرة عمل ”مات“ و ”هارييت“ معاً بدت كشيء غير مريح و صعب على الاثنين, لكن لبقية حلقات المسلسل كانت مجرد ”شخصين يتناقشان دائماً“. عندما قرر سوركين ان يجعل الكاست يوبخ ”هارييت“ على هذا في الحلقة 17 على ما اظن, كان متأخراً بـ 15 على ذلك.

– مشكلة ”داني“ مع المخدرات كانت لتكون محوراً جيداً للشخصية ومصدراً للمشاكل بينه وبين ”مات“

باستثناء ان هذه القصة اختفت تماماً بعد الاسبوع الأول, لتظهر فيما بعد في أوقات غريبة مثل تلك الحلقة التي يذكر فيها انه مدمن على الكحول. إدمان الكوكايين ليس شيئاً يذهب هكذا وحسب بهذه السهولة, وكأن سوركين استخدم هذه القصة فقط كعذر ليبعد ”داني“ عن صناعة الأفلام. و التي من المفترض انها غايته و هدفه طوال الوقت خلال أيامه في إنتاج البرنامج, لكن على ما يبدو ان الجميع نسى هذا بحلول نهاية البايلوت. وثم فجأة, ”مات“ يصبح مدمناً على مسكنات الألم في منتصف الموسم… أحسبها انت!

– العلاقة بين الثلاثيّ المرح (سايمون, توم, هارييت) و بقية الكاست

في البداية, كانت هذه هي الفكرة المعمول بها. لكن مع مرور الوقت, أصبح كاست البرنامج شيئاً جانبياً في المسلسل. ”جيني“؟ تظهر فقط بين الفينة و الاخرى. ”ديلان“؟ تحوّل فجأة من لاعب على الدكة إلى لاعب أساسيّ مقبول تماماً ضمن الكاست. و أصبح مشاهد الثلاثيّ المرح معاً معدودة, و عندما يظهرون معاً, فإن احاديثهم لا تبدو طبيعية على الاطلاق. البايلوت اظهر لنا ما يفترض به ان تكون علاقة مقرّبة بين الثلاثة, لكن مع مرور الوقت اصبح ”سايمون“ و ”توم“ هما الوحيدان المقرّبان, بينما تُعزل ”هارييت“ من الثلاثيّ المرح بسبب علاقتها مع ”مات“, و النتيجة : ضياع بقية الكاست. و هو أمر مؤسف, بالنظر إلى مدى غثاثة ”هارييت“.

– ”جوردان“ بدت في البداية كمديرة تنفيذية شابة خارجة عن النظام و التي قد تدخل في مشاكل عند ادارتها للشبكة

ثم تحوّلت إلى شخصية تحكمها الهرمونات و التي لديها أولويّتان وحسب: ستوديو 60 و تلفزيون الواقع. في شخصية المديرة التنفيذية, أردت أن أرى ما رأيته في البايلوت: ”جوردان“ تتعامل مع المشاكل التي تواجهها في الشبكة. في البداية, رأينا كيف كان الجميع يشكك في ”جوردان“ و كفائتها, لكن هذا اختفى بكل بساطة. أعلم ان الممثلة ”أماندا بيت“ كانت حامل, و أن المسلسل كان ملغياً بحلول ذلك الوقت اصلاً, لكن هذا لم يكن عذراً لتحويل شخصية ”جوردان“ إلى شخص إختفت مشاكله الوظيفية هكذا بشكل سحريّ فقط لأنها حامل.

– البرنامج كونه يُستضاف بواسطة ضيوف شرف سيمكن المسلسل من جلب مشاهير كبار كضيوف شرف

هذا تقريباً هو أكثر شيء محيّر من بين كل هذا, لأن المسلسل لم يستفد من هذه الجزئية إلا مرة واحدة. ”لورن غراهام“؟ ضيّعوا ظهورها القصير في المسلسل تماماً. ”جينا فيشر“؟ كانت بالكاد كومبارس! بل انني اظن ان احداً لم يلحظها أساساً. ”أليسون جيني“ كانت هي الوحيدة التي تم الاستفادة من ظهورها في المسلسل بشكل صحيح, حيث كانت الوحيدة التي إرتقى ظهورها إلى إمكانياتها, و ذلك فقط لأن سوركين معجب بها. كان يفترض به ان يعجب بـ“لورن غراهام“ اكثر و يمنحها دوراً أكثر فعالية في المسلسل.

– البرنامج الهزليّ بحد ذاته كان أداة يمكن تسخيرها لخلق دراما في المسلسل, وتم استخدامه بزهد

البايلوت لم يكن به أي كوميديا هزلية, وأظن ان هذا كان من الأشياء التي لا تمثّل المسلسل. المشكل ان الكوميديا الهزلية ليست مضحكة دائماً, خصوصاً عندما تكون مكتوبة على يد ”أرون سوركين“. فكرة البرنامج الهزليّ كان من الممكن استغلالها لبناء كوميديا و دراما بين الكاست, بدل إضاعة ثلاثة دقائق بـ“هارييت“ و تقليدها لـ“نانسي غريس“. رغم انني أشيد ببعض الكوميديا الهزلية التي قدمت في المسلسل, التي تخص ”نيكولاس كايج“ على وجه الخصوص, فإنه لم يتم استغلالها كثيراً.

– الخلاصة

البايلوت إحتوى على الكثير من العوامل المثيرة للاهتمام و التي كان من الممكن ان تكون تمهيداً لأحداث مثيرة للإهتمام أكثر في بقية الموسم. جزء مني كان يود أن يرى ما الذي كان بإمكان كاتب أو منتج أخر ليفعل بهذا البايلوت بهدف صناعة مسلسل مثير للاهتمام و ”مُستدام“ بدل المسلسل المحبط الذي رأيناه.

الجزء الثاني: التنفيذ الكوميديّ و الدراميّ بالمسلسل

كنت قد تحدثت سابقاً في مقالي عن المسلسل حول التشابهات بين ستوديو 60 و 30 روك, الآن سأقوم ببعض المقارنة بين الاثنين, لكن لا أريد أن اجعل من هذا فقرة عن ”من هو أفضل: ستوديو 60 أو 30 روك؟“, لأنني لا أرى أن هذين المسلسل متنافسين ضد بعضهما البعض. ما سأفعله هو أنني سأخذ بضعة أشياء مشتركة بين المسلسلين وكيف تم معالجتها, و كيف كانت فكرة المسلسل الأصلية وإلى ماذا تم تحويلها. لأن بايلوت المسلسلين متشابهان إلى حد ما. برنامج كوميديا هزلية يعاني من مشاكل إبداعية و ظغط من الشبكة, و يجب عليهم ان يحسّنوا من حالتهم بأي طريقة ممكنة. يمكنكم أن تأخذو نظرتي في المقالة هذه على انها منافسة بين الاثنين, لكن دعوني أستوضح شيئاً: تينا فاي عرفت من أين تؤكل الكتف, بينما أرون سوركين فشل في ذلك.

الكوميديا

أنا مدرك تماماً أن ”أرون سوركين“ ليس كاتباً كوميدياً… لكن لماذا يحاول أن يكون كذلك بحق الجحيم؟ هو رائع في كتابة الحوارات السريعة و التي تنتهي بقفشة كوميدية, لكنه غير قادر على كتابة كوميديا هزلية ولو كانت حياته تعتمد على ذلك. و رغم ذلك, لسبب ما, هذه هي الطريقة التي ادخل فيها الكوميديا على المسلسل منذ البايلوت. رغم أن البايلوت أظهر لنا أشياءاً مضحكة جداً من أشخاص جد مضحكين, لكنني مقتنع كلياً أنه لا توجد شخصية من بين هذه الشخصيات قادرة على طرح نكتة, بل في الواقع, هناك قصة كاملة عن ”هارييت“ بهذا الخصوص!
كان على سوركين ان يترك الكوميديا الهزلية في حالها و يجعل هذه الشخصيات تحدد شكلها الكوميديّ بنفسها. لكن بتحديد كوميديا المسلسل في الكوميديا الهزلية, ”مات“ و ”داني“ عجزا أن يكونا أي شيء أخر في المسلسل عدى كونهما الكاتب و المنتج. بل يمكنني أن أقول ان ”جاك“, بعيداً عن شخصيات البرنامج, هو الوحيد الذي كان مضحكاً من بين شخصيات المسلسل الأساسية.

رغم ان المسلسل ليس درامياً, لكنه توجب ان يكون كوميدياً ولو قليلاً. حوارات سوركين السريعة مضحكة, لكنه يتساهل غالباً مع فكرة أن الاشخاص الذين يؤدون هذه الحوارات مضحكون. أنا اتفق مع فكرة سوركين في جعل هذه الشخصيات مجرد ممثلين بسيطين بدل ان يكونو أشخاصاً يحاولون اقناعنا أنهم مضحكون بدون ان يُظهروا ذلك لنا. وهذا سيداتي سادتي هو… الكتابة السيئة!

من جانب أخر, 30 روك قام بوضع خط فاصل كبير بين الكوميديا الهزلية في البرنامج و بين الشخصيات. التركيز الرئيسيّ هو على سلوك ”ليز ليمون“ العصبيّ, جنون العظمة لدى ”ترايسي“, روعة ”كينيث“, روعة ”جاك“, و غرابة ”جينا“… الخ.
بعبارة أخرى, نرى أن هذه الشخصيات مضحكة ليس فقط لأنها كوميديا مكتوبة أو مؤداة, بل لأنها شخصيات مضحكة حقاً.

الدراما

حسناً, هذه الجزئية قد تكون طويلة بعض الشيء. عندما كان أرون سوركين على دفة ”الويست وينغ“, كان لديه الضوء الأخضر ليفعل ما يريده في المسلسل… و النتيجة كانت دراما رائعة, منوعة و مثيرة للاهتمام, بل ان المسلسل تحدث عن أشياء لم يكن يحلم أي مسلسل اخر في أن يتحدث عنها.

و ستوديو 60 كان يمشي على نفس النهج: الدراما في بداية الموسم أظهرت لنا ما كان يفترض بنا ان نراه تماماً. ”جوردان“ كانت مصدراً كبيراً لهذه الدراما, مديرة تنفيذية شابة تصارع المشاكل لكي تُظهر علو كعبها للجميع. ”جاك“ أيضاً كان مصدراً كبيراً للدراما, تعاملاته مع قضية ”ماكاو“ كانت حقاً مثيرة للاهتمام, و زادت بعض العمق للمسلسل. و حتى البرنامج الهزليّ أعطانا نظرة على تأثير الريتينغ على الكاست و الدراما التي تصاحبه. كل هذا, بالإضافة إلى محور ”مات“ و ”هارييت“, و الصراعات الشخصية, وكل ذلك. كانت كـ“الويست وينغ“: دراما رئاسية لكن على خشبة المسرح.

لكن, بعدما كان جلياً ان المسلسل لن يجدد لموسم ثاني في منتصف الموسم تقريباً, قرر ”سوركين“ على ما يبدو ان يتجاهل كل هذا. فجأة, ”جوردان“ أصبحت مجرد شخصية تحكمها الهرمونات و واقعة في غرام ”داني“ (من بين كل الناس), و توقفت عن كونها شخصية المديرة التنفيذية لشبكة تلفزيون, إلا عندما أراد السيد سوركين ان يسخر من برامج الواقع. محور ”مات“ و ”هارييت“ اصبح فجأة كل ما يتمحور حوله المسلسل, بدون أن تعطى أي مساحة للمسكين ”جاك“, ليجلس على الدكة. فجأة, لم يعد هذا المسلسل يتحدث حول التلفزيون, بل أصبح مجرد مسلسل حول شخصين لا يريدان ان يتجاوزا بعضيهما البعض في علاقة لم تكن منطقية أبداً.

وهاهنا حيث علقت الدراما: علاقات غرامية لا يمكنها ان ترفع من قيمة المسلسل درامياً. و النتيجة كانت مسلسلاً لم يعد ممتعاً: إذا لم تكن مهتماً بعلاقة ”مات“ و ”هارييت“ أو ”داني“ و ”جوردان“, فلا يوجد ما يستحق ان تشاهده في المسلسل.

كان هناك الكثير من النقد حول الحلقة 17 المعنونة ”الحلقة الكارثية – Disaster Show“, و التي لم تكن بكل تأكيد حلقة مثالية… إلا أن غياب كل من ”مات“ و ”هارييت“ و ”داني“ و ”جوردان“ هو ما جعلها أحد أكثر الحلقات اثارة للاهتمام في المسلسل منذ فترة, لأنها كانت تدور حول ما كان يفترض بهذا المسلسل ان يكون عليه: مسلسل حول برنامج كوميديّ هزليّ و حول المسلسلات التلفزيونية التي لا تحتاج للعلاقات الرومانسية لكي تستمر.

بحلول هذه الحلقة, كان واضحاً ان سوركين لم يعد يهتم بالمسلسل بعد الآن, قصة الاختطاف و الفدية التي امتدت على مدار ثلاثة حلقات, لربما كانت حلقات درامية حقة, لكنها كانت قصة تحدث في مسلسل يدور حول برنامج هزليّ, لم يكن هناك أي منطق في ذلك, لم يكن من الممكن ان تأخذ على محمل الجد شخصيات كوميدية تطلق النكات في كل الحلقات السابقة للمسلسل, و فجأة, دراما ثقيلة. سوركين تجاهل قصة المسلسل, و الفكرة التي بدأ عليها, و الاهداف التي يجب ان يصل اليها المسلسل, وقرر ان يلعب اللعبة التي يجيدها… اللعبة السياسية.

رغم كونه سيتكوم 20 دقيقة, فإن 30 روك يدخل بين الفينة والأخرى في الدراما. لكن المهم هو ان هذه الدراما تستعمل في جوّ البرنامج الهزليّ. حيث يكون هناك قلق حول الكاست, حول الريتينغ, حول العلاقات, حول نمط العيش, الغيرة… الخ. هذه أشياء دراميّة تحدث في محيط العمل, خصوصاً في مجال صناعة التلفزيون. ولا أقول هاهنا أن السيدة ”تينا فاي“ لم تخطئ في هذا أحياناً, هناك قصص و علاقات في المسلسل لم تكن مُطورّة بالشكل الكافي و ظهرت و كأنها محشوة في المسلسل بدون سبب. لكن, بالنسبة إلى مسلسل كوميديّ, فإن 30 روك يمكنه ان يخرج من هذه اللحظات ببساطة, و ”تينا فاي“ أظهرت انها تعرف متى تُسقط قصة معينة عندما يصبح من الظاهر انها لم تعد صالحة.

وكان من الممكن ان لا يشكل كل هذا مشكلة, لو انه لم يفسد المسلسل كله بسبب ذلك. ما يحيّرني هو ان المسلسل كان به الكثير من الامكانيات في الفكرة المبدأية له, و المقدار الذي ضاع من هذه الفكرة. أدرك ان المسلسل كان محتماً إلغاءه, أعلم أن سوركين كان لديه حرية التصرف في أخر الحلقات, لكن ليس وكأنه ضرب بكل هذا عرض الحائط و قدم لنا مسلسلاً جيداً. بل إنه قدم لنا مسلسلاً أسوء حتى, غير مستحق لكل ذلك التهليل الذي حظي به المسلسل عند عرض أول حلقاته.

وهذا مخيب للأمال. ما فعلته ”تينا فاي“ هو انها اخذت فكرة و تركتها تكبر بشكل طبيعيّ: القصص و المحاور التي نجحت تم تركها و تطويرها, و التي لم تنجح تم التخلي عنها مع توالي الحلقات. لكن على ما يبدو فإن أرون سوركين لم يتعلم هذا الدرس, فبينما سفينته تغرق, رمى بكل أولئك الأشخاص الذين يمكنه أن يساعدوه على إدارة السفينة, و ترك الموسيقيين فقط, لكي يعزفو النغم المرافق لهربه حسب تعليماته. وبينما يعتبر سوركين هو الشخص الذي بنى هذه الفكرة و أعطاها كل هذه الإمكانيات, إلا انه ذات الشخص الذي وصل بها للحضيض عبر الإختيارات التي قام بها فيما يخص كوميديا و دراما المسلسل.

في النهاية, لا أزال أعتبر ”ستوديو 60“ أحد أفضل المسلسلات الملغية.