The Normal Heart ليس الا قلب جريح

The Normal Heart او القلب العادي هو فيلم تلفزيوني من انتاج و تقديم الملكة HBO، هو فيلم درامي حائز على جائزة إيمي كافضل فيلم تلفزيوني لسنة 2014، و هو من بطولة كوكبة من النجوم يتقدمهم مارك رافو و جوليا روبرتس بالاضافة لكل من ماثيو بومر و جيم بارسونس وتايلور كيتش و من اخراج رايان مورفي، يتناول الفيلم موضوع اجتماعي انساني مزيج بين ظاهرة الشذوذ الجنسي و ظهور مرض الايدز في بداية الثمانينات، كما حاول الكاتب لاري كرامر ان يروج لظاهرة الشذوذ و يضيف لها لمسة عاطفية اكثر منها واقعية للاسف.

في الواقع لن اكون حيادي في هذا المقال لان الفيلم يتناول موضوع حساس و ظاهرة يمكن ان يقال عنها انها صارت حديث العام و الخاص اليوم، فالشذوذ الجنسي صار امرا واقعا و تاثيره على القيم الاجتماعية و المبادئ الاخلاقية امرا لا مفر منه، لهذا اعتبر هذا الفيلم هو جزء من حملة الدفاع عن المثليين و دفعنا لاظهار تعاطفنا اتجاه اختياراتهم و مواجهتهم لمرض الايدز من جهة و الاحتقارالاجتماعي من جهة اخرى.

في البداية الفيلم كسيناريو و اخراج اروع الافلام و الاكثرهم جمالية في سنة 2014، فخلال ساعتين لا تمل و لا تشعر بالوقت، بل تسافر في رحلة رائعة الى ثمانينات القرن الماضي، فتعيش قصة جميلة عنوانها الانسانية و مبدئها المقاومة و نهايتها التضحية، فالكاتب استطاع ان يمزج بين الايدز كظاهرة و المثلية الجنسية كموضوع، فعالج الاول بالثاني و استطاع ان يمزجهما في قالب دراماتيكي تراجيدي، كما تمكن من خلق جو استثنائي بين الشخصيات و حول قضيتهم الى قضية قومية على شاكلة الرفض الشعبي لحرب فيتنام، كما ان المخرج كان موفق لحد كبير في توزيعه للادوار و في اعطاء لكل شخصية بعدها الاجتماعي النفسي و السيسولوجي المختلف و كيف ركز على الصدامات المتكررة التي تولد شرارة المقاومة الفطرية و التضحية المتكررة، كما انه اظهر نتائج الثورة الجنسية و كيف رفض المجتمع الامريكي تطورها و انتقالها من الجنسين الى الجنس الواحد، و هذه نقاظ تحسب للكاتب و المخرج معا بدون ان ننسى دور الممثلين بالطبع.

normal-heart-poster-quintet-600x177

تدور قصة الفيلم على مجموعة من الشواذ في مدينة نيويورك في مطلع الثمانينات يجدون انفسهم وحيدين في مواجهة مرض الايدز الذي شق طريقه في فئتهم المنبوذة يومها على النطاقي الاجتماعي و الحكومي، كما يتناول الفيلم علاقة هذه المجموعة على الصعيد الشخصي و اختلافاتهم سواء الفكرية، الثقافية و حتى نظرتهم للحياة بشكل عام بطابع درامي مع لمسة رومانسية راقية، الفيلم في طرحه لا يختلف كثيرا عن الفيلم الشهير ”Milk“ ببطولة شون بين، حيث ركز المخرج على المشاعر المتضاربة بين الرغبة في اثبات الوجود و الطموح لتخطي الظروف، حيث اظهر لنا بتسلسل ضعيف نوعا ما العلاقات الاجتماعية المتباينة، و حاول ان يدفع بشخصية نيد ويك الى المقدمة بصفات مميزة و مبادئ ثابتة مع نمطية فكرية متشددة و رغبة في خلق زخم انفعالي و توضيف القهرية كشعور و الارتجال كفعل ضروري نظرا للمعطيات الاجتماعية القاسية.

لو ركزنا على الطرح من زاوية اجتماعية بحتة، فالمخرج اعطى لنا مشاهد قوية تدخلك بشكل تلقائي الى اجواء القصة، حيث استثمر رايان مورفي قدرات مارك مارفلو الخيالية ووظفها بشكل جيد في احداث القصة و زاد من قوتها التعقيدات النفسية و الكاريزما الاستثنائية التي تميز هذه الشخصية (نيد ويك)، فالمخرج حمل على عاتقه توسيع الصورة فاعطى لماثيو بومر دور مهم تمثل في اظهار مكنونية نيد ويك العاطفية و رغبته البريئة في ايصال مشاكلهم و انقاذ حياتهم امام عوديين هما المجتمع و الحكومة.

فالمجتمع الامريكي لا يختلف في بنيته عن باقي المجتمعات على مر التاريخ، فالاصولية جزء من عقليته و الدين هو سراج وجدانيته، لهذا من الطبيعي ان يواجه انعكاسات الثورة الجنسية التي قادها جون بول سارتر بعد الحرب العالمية الثانية، و كيف تحولت من كونها حرية مطلقة الى علاقات جنسية لا تخضع لاي مبادئ وجودية او قيم اخلاقية بدون ان ننسى تحطيمها للعقيدة التي تحرم بشكل قطعي الشذوذ بكل اشكاله، لهذا نرى ان الكاتب نصب نفسه محام دفاع عن هذه الفئة التي ضربت بسلسلة الوجود عرض الحائظ و انصاعت الى نزواتها و فضلت رغبتها على فكرها، فالغريب ان الكاتب اكتفى بالكفاح الذي قاده نيد و رفاقئه و صوره على انه ثورة اجتماعية كانت نتيجة حتمية لنضج فكري و مستوى ثقافي راقي، لكنني استغرب من تجاهل المؤلف لانعكاسات هذه الثورة على القيم الانسانية و المبادئ الاخلاقية و كيف نقلت الفكر البشري من ركيزته العقلية على رغبته الجنسية.

لكن الغريب ان الشذوذ الجنسي تعدى في عصرنا السرية و صار نوعا ما فخرا و عزة، فكل شاذ يروج لشذوذه اعتقادا منه انه يناضل من اجل قضية عادلة و يرغب في تكريس الحرية الفردية و العدالة الاجتماعية، لكن في المقابل فالسينما العالمية و الشاشة الصغيرة ارى انها مقصرة لانها لم تتناول انعكاسات هذه الظاهرة و اكتفت بجانبها الجنسي متناسية الجانب السيسولوجي النفسي و حتى الصحي.

اذا عدنا الى الفيلم التلفزيوني فهو في نظري متكامل من جانب الطرح لكنه هش من ناحية المضمون، بدون ان ننسى الاداء الباهت (من وجهة نظري) لاداء جوليا روبرتس، فالجميع يعلم انها تملك قدرات لا تقل عن قدرات مارك مارفلو لكنها لم تستطع استغلالها طيلة مشاهد الفيلم، و الغريب ان بعض المشاهد كانت تفتقر للتعابير الصحيحة و النبرة المناسبة، فطيلة الفيلم لا تشعر بان جوليا هي الطبيبة المعاقة و التي تكافح من اجل توسيع البحث العلمي لمرض الايدز، فهذه الشخصية رغم انها ثانوية لكنها كانت تحتاج لكاريزما اكبر و حضور اقوى، لهذا اعتقد ان المخرج عجز عن اخراج كل ما في جعبة جوليا، لكنه فشل ايضا في بعض المشاهد حيث اطال ما يحتاج للتقصير و قصر من يحتاج للاطالة، فمثلا اجتماع نيد مع مسؤول البيت الابيض توقعت ان يكون اطول و ذو ابعاد اوسع لنرى حجم الفجوة بين هذه الفئة و الحكومة، لكن كان للمخرج راي آخر و اكتفى بمشهد لم يتعدى 5 دقائق.

في النهاية ارى ان الفيلم التلفزيوني ”القلب العادي“ هو من افضل الافلام الدرامية التي شاهدتها في السنة الماضية، لانه ببساطة يقدم قضية استثنائية و شخصيات ممتعة بقالب درامي و نهاية تراجيدية رائعة، فالقلب العادي ليس مجرد مشاهد مكررة او احداث متسارعة بل دروس دنيوية هادفة فحواها المحبة و المقاومة و هذا ما نحتاجه في يومنا هذا للاسف.