”ستوديو 60 على الصنست ستريب“ إبداع رحل مبكراً

عندما تمّ الاعلان عن إطلاق مسلسلين سنة 2006 عن البرامج الهزلية, كل الرهانات كانت على Studio 60 لكي يكون (و اعذروني على استعمال الكلمة) ”الأسطورة“ القادمة, متفوقاً بذلك على مسلسل Tina Fey الكوميديّ المشابه له 30Rock.

شبكة NBC فازت في حرب المزايدة على هذا المسلسل. وقبل ان يذاع حتى, كان يعتبر من أفضل ممتلكات القناة لذلك الموسم على الاطلاق. Studio 60 من تأليف أرون سوركين (أفضل سيناريست بنظري), المبدع وراء مسلسلات كـThe West Wing, Sports Night (و مؤخراً: The Newsroom) و قد بدى أنذاك انه لديه المسلسل الكبير القادم بين يديه. تعارك النقاد فيما بينهم ليمدحوا فيه بناءاً على البايلوت. الكاست كان قوياً, الكتابة كانت حادة, و توقيت عرض المسلسل كان مختاراً بعناية.

إفتتح المسلسل بقوة بمونولوغ لـ“ويس مينديل“ (يلعب دوره Judd Hirsch) يقوم فيه بسبّ التلفزيون و غباءه, ولقد كان فكرة رائعة ان يتم إستخدام هذا المشهد كمقطع ترويجيّ للمسلسل. الحلقة الافتتاحية كانت مذهلة و ساحرة, تنتابني القشعريرة كل ما فكرت فيها. لقد جعلتني أظن أنني على وشك أن اشاهد تحفة تلفزيونية أخيراً, لكن بمنتصف الموسم انخفض الريتينغ. ”30 روك“ كان هو الصرعة, و ”ستوديو 60“ سيكون محظوظاً إذا لم يتم الغاءه بمنتصف الموسم. مسلسل سوركين جمع 13 مليون مشاهد في البايلوت, لكنه بدأ يخسر المشاهدين حلقة بعد حلقة بشكل سريع. بحلول شهر فبراير, تم توقيف المسلسل و لم يعد إلا بعد فترة ليست بالقصيرة. و عندها تم تحديد الحلقة الأخيرة للموسم الأول بأن تكون خاتمة المسلسل في يونيو.

لكن الآن لدينا ”ستوديو 60 على الصنست ستريب“ مسلسل ستستمتع به و تضيفه إلى قائمة ”مسلسلات رائعة لكن ملغية“, و سترثى لإلغاءه و ثم تمضي قدماً.

القصة

القصة تناولت مواضيع عديدة. القصة الرئيسية هي البرنامج الكوميديّ ”ستوديو 60 على الصنست ستريب“ المشابه لبرنامج ”Saturday Night Live“ الكوميديّ الشهير, و كيف يتكيّف مع تغيّره الجذريّ. فبعد طرد ”ويس مينديل“ بسبب مونولوغه الطويل حول ان المسلسل لم يعد مضحكاً أو ذا غاية, يتم جلب منتجين جديدين لإستلام زمام الامور في البرنامج, وهما ”مات ألبي“ (ماثيو بيري, فريندز) و ”داني تريب“ (برادلي ويثفورد), صديقان مقرّبان وكلاهما لديه مشاكله الخاصة.

الرأي

Studio 60 on the Sunset Strip مسلسل من السهل ان تحبّه و تشجعه, لكنه في النهاية مسلسل أفسد نفسه بنفسه. مشكلته الأساسية هو انه كان يسخر من الشيء الذي هو عليه, أي التلفزيون, أفكار من قبيل ”التلفزيون غير مهم“ و ”هؤلاء الاشخاص معقدون“ مفاهيم يصعب إيصالها حلقة بعد حلقة, و مع مرور الوقت فقد المسلسل قوته و جمهوره.

لقد بدى وكأن المسلسل لا يدور حول أي شيء مهم, و في نفس الوقت كان يحاول ان يقنعنا بأنه يدور حول شيء مهم. لقد كانت هناك مشاهد مذهلة و حوارات رائعة قيلت بواسطة شخصيات مثيرة للفضول, لكن لم يبدُ انهم متواجدون لشيء غير ذلك. المسرحيات الهزلية من البرنامج الخياليّ كانت غير مضحكة, جعلت الجمهور يحكّ شعر رأسه متساءلاً هل هذه سخرية مقصودة أم مجرد نقص في الكوميديا لدى أرون سوركين. لقد كان المسلسل يطلب منا أن نتعاطف مع شخصيات تملك كل شيء, ولقد كان من الصعب ان تشفق على إداريي التلفزيون الناجحين و ممثلين في برنامج أي واحد منا كان ليقتل لكي يشارك فيه. لكن بفضل المواقف و اللحظات التي تندرج تحت الماركة المسجلة لأرون سوركين ”إمش بسرعة و تحدث بسرعة“, ”ستوديو 60“ جعلك تفكّر. لقد كان مسلسلاً رائعاً و ذكياً للغاية الذي تحدث عن السياسة و التلفزيون و مواضيع أخرى.

النصف الأول من المسلسل هو اللب, ستحسّ فيه وكأنك تلتهم حقاً لُبّ فاكهة إستوائية ما, و ذروة المسلسل هي الحلقة الافتتاحية. ذلك البايلوت بدون شك يدخل في قائمة أفضل الحلقات في تاريخ التلفزيون على الاطلاق, ولقد كانت يسير في أجواء عظيمة و غير قابلة للتصديق و التي للأسف لم يستطع المسلسل أن يخلق مثلها من جديد على مدار الموسم, لكنه كان يقترب منها مرات عديدة. إن هذا المسلسل أذكى و أعمق أكثر من 99.9 بالمئة مما يعرض على التلفزيون في كل سنة. وما أعجبني فيه أكثر هو أنه اعطانا نظرة على حالة الكوميديين خلف الكواليس. فلقد شهدنا مراراً و تكراراً سقوط كومديين عظماء من SNL, وهذا المسلسل يظهر لنا كل تلك التعاسة التي تحدث عندما تعمل في مجال الكوميديا. المسلسل يقوم بدراسة شخصياته و يسمح لهم بأن يكونو معيوبين, ولكن يحبهم في نفس الوقت. السياسة, العرق, الدين, المخدرات, الظغط الإعلاميّ, الصفقات المشبوهة, كل هذه المواضيع و أكثر تحدث لكل شخصيات المسلسل, الذين يقفون صامدين أمامها.

الكاست وحده يجعل هذا المسلسل (اعذروني مجدداً) ”اسطورياً“, و أداءهم جميعاً من الطراز الرفيع. ”ماثيو بيري“ كان قد رفض مبدئياً لعب الدور, لكن سوركين لم يرض بالرفض كإجابة. بل انه كتب الدور خصيصاً له مستنداً على حياته الشخصية, ولحد الساعة, فإن دور ”ماثيو بيري“ في ”ستوديو 60“ هو أفضل دور دراميّ له على الاطلاق. ”برادلي ويثفورد“ عمل بجانب ”بيري“ في حلقة من The West Wing, و تلك الحميمية بينهما كأصدقاء مقربين رائعة و جد واقعية, و هي من بين أكثر الأشياء التي حببتني في المسلسل, هذه الصداقة. أما الجميلة الحسناء ”أماندا بيت“ كانت إختياراً مثيراً للاهتمام لدور المديرة الانثى. لا يمكنني القول انها أجادت الدور, لكنها جعلت الشخصية محبوبة أكثر مما هي عليه على الورق. ”ستيفن ويبر“ يلعب دور الشخص ذو الحلة (المدير) بشكل رائع, شديد البطش عند الحاجة و رقيق عند الحاجة, الشخص الوحيد الذي كان بإمكانه ان يلعب الدور أفضل منه هو جيريمي بيفن (أري غولد!). بقية الشخصيات كلها أدت ادوارها بشكل رائع, خصوصاً الشخصيات التي لعبت دور الممثلين في البرنامج الهزليّ. ضمّ المسلسل ضيوف شرف عديدين من بينهم ”فيليستي هافمان“ (التي لعبت دور البطولة في Sports Night) وكذا ”أليسون جيني“ (من The West Wing) كلاهما ظهرتا في المسلسل بدور ضيوف شرف في البرنامج الهزليّ.

الخلاصة

خلاصة القول, لا أظن ان المسلسل كان مثالياً, و بدى وكأنه فقد بريقه مع توالي الحلقات منذ منتصف الموسم. الحلقة الافتتاحية تظل هي قمة المسلسل, وكأن المسلسل نزل من على تلك القمة كإنهيار جليديّ في منتصف الموسم. قد يبدو الامر ساخراً بالنظر إلى المشهد الافتتاحي للمسلسل الذي يتمشدق بسخافة التلفزيون, و كونه فقد أهميته و صوته. فبدل التركيز على موضوع ”هل التلفزيون و الكوميديا مهمة“, ذهب المسلسل إلى أماكن توجب عليه البقاء بعيداً عنها. وهما شيئان: الجنس و السياسة, في مسلسل من المفترض انه يتحدث عن الثقافة و الفنّ. دراما العلاقات أصبحت تشغل حيزاً كبيراً من المسلسل, وكأن المسلسل أصبح يغيٍّر من حبكته للزيادة في الريتينغ. لقد أحبطتني السهولة التي تم بها حل مشاكل العلاقات مراراً و تكراراً, بحيث ان الحلقة الختامية للمسلسل أنهت كل هذه المشاكل بكل سهولة. لا أريد إجابات بسيطة من مسلسل كان من المفترض ان يكون مثقفاً أكثر بقليل من Grey’s Anatomy, لكن نهاية المسلسل بدت أقل واقعية من هذا الأخير. لقد وعدنا سوركين بأن هذا المسلسل سيغيّر التلفزيون, سينقذه, لكنه استسلم لذلك و بدأ يكتب قصص كوميديا رومنسية للشخصيات و التي, مع كل الأسف, ليست موطن قوته. ثم أدخل موضوع السياسة. في محور إمتد على ثلاثة حلقات حول أخ أحد الشخصيات. إنجرف ”ستوديو 60“ إلى منطقة جادة. كل تلك الشخصيات وهي تسخر من السياسة, كان من الصعب تخيلها في وضع جاد فجأة, من الصعب ان تأخذها على محمل الجد. لم أستسغ القصص السياسية, فقد كانت سخيفة بقدر القصص الرومانسية. يبدو أن ذهن سوركين لا يزال متعلقاً بالبيت الأبيض.

أشياء كثيرة و مثيرة تحدث في المسلسل, ويبدو ان المسلسل يتناساها ولا يذكرها مجدداً. حيث تتم بناية زخم دراميّ, ثم فجأة و بدون تحذير, يتم الانتقال إلى شيء أخر مختلف كلياً, بدون أن نرى نهاية للحدث السابق. حدث هذا بشكل متكرر في المسلسل لدرجة مزعجة للغاية. في إحدى الحلقات, يتم تناول موضوع تهديد برامج الواقع للمسلسلات التلفزيونية, كان هذا ليكون موضوعاً رائعاً لسوركين, أن يسلط الضوء على الخطر الذي اصبحت تشكله البرامج الواقعية على المسلسلات, مثل ما حدث مع سوركين في The West Wing عندما بدأ برنامج The Bachelor بإستقطاب مشاهدين أكثر من مسلسله.
الشخصيات الغير رئيسية بدت في بادئ الأمر انها أيضاً في بؤرة التركيز, لكن مع توالي الحلقات تختفي بكل هدوء ولا تظهر إلا عند اللزوم. هناك شخصيات مثيرة للاهتمام تظهر وتذهب بسرعة شديدة, و شخصيات استثنائية تظهر مرة واحدة فقط في المسلسل. بكل صراحة, المسلسل يفتقد إلى الاستمرارية, يمكنك أن تشاهد الـ22 حلقة في أي ترتيب تريده, الشيء الوحيد الذي ستفوّته هو سير العلاقات الغرامية.

عموماً, Studio 60 on the Sunset Strip تجربة استثنائية, فشلت في تقديم تلك الإمكانيات التي كان يمكن ان تقدمها. كاست رائع و حوارات رائعة, لكنهم لا يتحدثون في مواضيع عميقة كفاية لكي تثير الاهتمام. المسلسل كان واعداً, لكنه لم يقل شيئاً صلباً عن حالة التلفزيون و أهميته. المسلسل كان يفترض به ان يكون المسلسل الذي يغيّر من معنى ”دراما 42 دقيقة“, لكنه انتهى به المطاف لأن يكون نسخة أخرى من ”المكتب البيضاويّ“ لكن على منصة تلفزيون. لكن رغم كل عيوبه, كان المسلسل ذكياً بطرق عديدة. حواراته كانت مضحكة بذكاء, و الكاست كان مذهلاً. من المؤسف ان المسلسل لم يعطَ وقتاً كافياً ليتطور و يتبلور, لكن على الاقل يمكننا ان نستمتع بما لدينا منه وحسب.

التقييم النهائيّ

رأي شخصي:
7 / 10 قد يكون المسلسل أثبت وجهة نظره عن غباء التلفزيون و مسيّريه عندما تم إلغاءه, لكن أرون سوركين يستحق أيضاً بعض اللوم. رغم كل شيء, سيظل "ستوديو 60 على الصنست ستريب" أحد أفضل المسلسلات الملغية بالنسبة لي