لطالما وصفت نفسي بأكثر الأشخاص المتحمسين لهذا العمل على الاطلاق، كنت معه منذ أن كان مجرد حبر على ورق وتابعت أخباره والتقطتها من هنا وهناك وأيَّ خبر صغير كنت أسعد فيه جداً، مع ذلك كنت متحمس جداً للبايلوت ثم الحلقة الثانية ولكن توقفت قليلاً عن متابعته وحاولت قدر الامكان أن ابتعد عن الحرق وأُبعد نفسي من أجل ان أتابعه بهدوء بعيداً عن هبرجة مواقع التواصل الاجتماعي خاصةً وأنَّه كان من الواضح أنَّ المسلسل سيصبح واجهة اعلامية جيدة جداً والحديث عنه سيطول ويكثر وهذا قد يؤدي بيَّ إلى جهة آخرى هي أنني سأبدأ ربما بكره المسلسل فقط لأنَّ المشاهدين يبالغون في تقديره، لذا انتهى المسلسل وانتهت قصته وبعد فترة طويلة نسبيـاً بدأت بمشاهدته لأنهيه قبل فترة قصيرة وها أنا اليوم أحاول الكتابة عنه، المسلسل قدم أوراق اعتماده بشكل جيد جداً ولكن ليس بذلك المسلسل الذي يصفه الجميع بأنّه مسلسل خارق للعادة هو ليس ذلك المسلسل الذي يمكن أن تقول أنّه أفضل مسلسل أُنتج منذ فترة، هو ليس ذلك المسلسل المتكامل بالشكل الكافي لتتحدث عنه وتمدحه مديح كبير، سأحاول في هذا المقال أن أتطرق إلى الأمور الجيدة فيه والأمور التي أراها نوعاً ما سيئة أو عليها بعض الكلام لأبين كما آمل وجهة نظري بشكل واضح في هذا المسلسل المميز، طبعاً كل كلامي سيكون على الموسم الأول بما أنَّ المسلسل سيُقسم كل موسم فيه لقصة مختلفة بطاقم مختلف فهذا المقال تقييماً للموسم الأول.

القصة

القصة باختصار تدور حول هذان الشخصان، مارتن هارت وراستن كول، محققان في لويزيانا في سنة 1995 يبدأن التحقيق في قضية مقتل فتاة بشكل غريب فتبدأ الأحداث معهم بالتتالي لتصبح القصة أغرب فأغرب شيئاً فشيئاً، ولكن محور قصة التحقيق ليس كل شيء في المسلسل فالمسلسل تناول أيضاً حياة هذان الشخصان وغاص عميقاً جداً في تفاصيل كل شخصية من الشخصيات ليُبين لنا ماهيتها وما هو أسلوبها في الحياة، ثم حاول قدر الإمكان أن يوضح لنا الاختلافات بين الشخصيتان بين شخصية، تقطر غرابةً هي شخصية راستن وبين شخصية روتينية وعادية للغاية هي شخصية مارتن، ثم ذهب بعيداً المسلسل ليوضح لنا أنَّ الأمور لا تقاس بالشكل الخارجي فقط ولكن هنالك تفاصيل آخرى يجب توضيحها، كيف أنَّ كل امرءٍ ممكن أن يكون سيء من الداخل كيف ممكن أنَّ يكون فاسد من الداخل والشر يتملكه ربما كل هذا وأكثر في قصة المسلسل هذه التي نراها من منظور راستن ومارتن اللذان يرويانها لمحققان في عام 2012 وتبعات تلك القصة.

ثنائية الابداع

لاشك أنَّ أكثر ما يميز هذا المسلسل على الاطلاق هما هاتان الشخصيتان، ثنائية ”خنفشارية“ شيء من عالم آخر صراحة، ماثيو وودي قدما لنا شخصيتان بشكل أكثر من رائع، ماثيو بالمناسبة كان معروض عليه شخصية مارتن وعندما كان يقرأ السيناريو أعجبته شخصية راستن للغاية وهو من طلبها، هذا الشغف بالشخصية من قبل ماثيو جعله يقدم لنا شخصية رائعة جداً، أعطى للشخصية التي كتبها نيك بيزيلاتو – كاتب العمل – أبعاداً كثيرة، لأكن صريحاً لست من عشاق ماثيو مكانوهي قبل بضعة أعوام ولكن الرجل في آخر سنتين أقنعني بنفسه للغاية، وفي هذا المسلسل قدم لي أوراق اعتماده بشكل ممتاز ليثبت ليَّ كم هو ممثل متمكن، أي ممثل آخر بالعالم ما كان ممكن أن يعطي لشخصية راستن تلك النكهة باستثناء ماثيو، انغمس بالشخصية بشكل كبير للغاية وجعلها جزءاً لا يتجزأ منه فبتَ تشعر وكأنّ ما يقوله ليس نصاً مكتوباً بل هي حقاً أفكاره وكلامه، لذا حقاً تحية احترام وتقدير كبيرة للغاية لماثيو على الأداء الرائع الذي لن يُنسى برأيي الشخصي فقد قدم لنا واحدة من أفضل الشخصيات الذكورية في التلفاز الأمريكي في السنوات القليلة الماضية، من جهة وودي هارلسون فقد قدم هو الآخر تلك الشخصية المميزة بطابع رائع للغاية، يستحق التقدير والاحترام هو الآخر على ذلك الأداء الكبير، كانت لديه مشاهد عديدة ترى فيها تعابير وجهه وطريقة كلامه، شيء يدعوك للتعجب ولن تستطيع سوى أن تمدحه هو وماثيو، حقاً لقد قدما لنا نصاً عادياً بطريقة رائعة للغاية.
أيضاً حديثنا عن الممثلين سيجرنا للحديث عن باقي الطاقم، طاقم ممتاز صراحةً، الطاقم النسوي في المسلسل قدم أدواراً رائعة تستحق أن تُذكر وتمدح، وكذلك الطاقم الثانوي الذي رأينا العديد من شخصياته في الأحداث الجانبية التي بنت القصة شيئاً فشيئاً، طاقم كان رائعاً، وكاست ممتاز يستحق أن يُذكر وأن يُمدح.

نيك بيزيلاتو – المدعي الأكبر

نيك بيزيلاتو هو الرجل الذي يجلس على اليسار بجانب ماثيو، هو كاتب المسلسل، هو كاتب روائي بالمناسبة ليس لديه أي تجارب ابداعية أول تجاربه بالتلفاز كانت حلقتين من مسلسل الدراما والتحقيقات The Killing في الموسم الثاني ثم اتجه نحو HBO، قبل ذلك كان مُحاضر في بضعة جامعات في تخصصات الكتابة الروائية، يعني الرجل قارئ كبير للمحتوى العام، بصفته محاضر هذا ما يجيده اولئك، حفظ جمل عديدة وترديدها، ثقافة واسعة ومتنوعة نابعة من قراءات عديدة كل ذلك أثر بشكل كبير عليه وهو يكتب الشخصيات، لا مشكلة لديَّ مع هذا الرجل في هذا المسلسل سوى أنّه برأيي الشخصي أخذ أكبر من حجمه، هو كاتب عادي جداً يميل للروائية أكثر ولكن نظرتي الأولى للمسلسل كانت ربما تميل لمدحه، ثم أنهيت المسلسل ومع مشاهدة المسلسل تغيرت نظرتي له، الرجل مدعي كبير، يدعي العمق بجمل عديدة لشخصيات راستن بالذات وجمل آخرى لشخصية مارتن، جمل ونصوص واقتباسات بسيطة تبين للمشاهد مثلاً مدى العمق الدرامي لهذه الشخصية بينما في الواقع الرجل اقتبسها بشكل أو بآخر من مؤلفات أدبية عديدة، حقاً ليسَّ لديَّ مشكلة معه ولتبيان ذلك دعوني أحدثكم عن مدى اعجابي الشخصي ببناءه لقصة المسلسل وبناء الحبكة الخاصة بالقضية وكيف كانت تفاصيل القضية وكل شيء هذا جيد جداً ويستحق المديح ولكن علينا أولاً أن نكون واضحين بأنّه ليس أول كاتب يفعل ذلك، ليس أول مسلسل يتبنى قضية بهذا الشكل ويسردها، ليس أول كاتب يضع لنا قصة بهذا الشكل ويتعامل معها، ليس أول كاتب يقدم لنا شخصيتان مثل راستن ومارتن متضاربتان وكلٌ منهما لديه تفاصيل حياته، عديد الكتاب قدموا هذه الامور من قبل، نيك اقتبس بشكل واضح من العديد منهم في بناءه للمسلسل وهذا لا عيب فيه أبداً، بل على العكس اقتبس بشكل جيد وقدم لنا قصة جيدة، ولكن في النهاية علينا فقط أن لا نعطي الرجل أكبر من حجمه، هو ليس ماثيو واينر – كاتب ماد مين – هو ليس ديفيد سايمون – كاتب ذا واير – هو ليس ديفيد لينش – كاتب توين بينكس – هو ليس فينس غالغان – كاتب بريكنغ باد -، الرجل حاول قدر الإمكان ادعاء العمق الدرامي وسقط في عديد المرات في فخ الوضوح للآسف فقد كان من الواضح أنّه لا يجيد بناء شخصيات ذات عمق درامي وكان من الواضح أنّه كاتب أحداث لا اكثر، أنا لو كنت مكانه سأركز بشكل جيد على كتابة الأحداث فأنا أجيدها ولا عيب في أن يكون المسلسل محوره هو الأحداث وليس الشخصيات، الشخصيات التي كتبها نيك بيزيلاتو لو كان هنالك أي ممثل آخر غير ماثيو وودي ربما ما كانت لتخرج لنا بهذه الجودة، أنا شبه متأكد من ذلك، قوة الطاقم ساعدته للغاية على ابراز معاني النص التي ربما لم تكن موجودة اصلاً والفضل لا يعود له بل للممثلين، نعم لقد رسم حبكة جيدة ولكن عندما يتعلق الامر ببناء الشخصيات وتفاصيلها فالرجل ليس عبقري زمانه أبداً، بل مقتبس ومدعي، ربما لو كانت طاولة كتاب المسلسل تحوي أشخاصاً آخرين غير هذا الرجل، ربما المسلسل كان سيصبح أفضل، ربما كان سيعطينا نكهة آخرى، ولكن جلسة هذا الرجل لوحده لكتابة الحلقات الـ8 للمسلسل، لم تكن جيدة بما فيه الكفاية برأيي.

الاخراج ومن خلف الكاميرا

كاري فوكوناغا هو هذا الرجل الذي يشرح على يمين الصورة، هو مخرج المسلسل للحلقات الثمانية، هذا الرجل وطاقمه وطاقم خلف الكاميرا بشكل عام يستحقون كل تقدير واحترام، بدايةً دعوني أتحدث عن هذا الرجل، شخصياً كنت قد قرأت وتابعت العديد من المقالات والفيديوات حول مدى صعوبة تصوير هذا المسلسل وحول الأماكن التي صنعوها من أجل المشاهد وحول الأماكن التي اختاروها والزمان للتصوير والمكياج والديكور الشيء الذي كان متعب للغاية ومكلف جداً بالمناسبة بالنسبة لـHBO، كاري مخرج المسلسل استطاع أن يعطي للمسلسل لمحة سوداوية كبيرة ومهمة جداً ساعدت في ايصال محتوى القصة بشكل رائع، كاميرا هذا الرجل جيدة جداً واستطاع ابراز العديد من مهاراته في الاخراج، كاري بالمناسبة ليس مجرد مخرج مبتدأ بل لديه أعمال جيدة جداً ومنذ أن كان طالباً، لديه أعمال تمثلت في مهرجانات عديدة على مستويات جيدة جداً، يستحق هذا الرجل كل تقدير واحترام ويستحق حقاً طاقم الديكور كل الاحترام والتقدير على ما قدموه في المسلسل فقد قدموا لنا المسلسل بشكل رائع، بدونهم المسلسل كان سيبدو مختلفاً للغاية، هذه الأشياء البسيطة ساهمت بجعل المسلسل متكامل أكثر مع الابداع الرائع للممثلين، استطاع المسلسل نسبياً أن يتغاضى عن سقطات الكاتب.
وكي لا أنسى أود فقط أن أذكر مقدمة المسلسل الرائعة، صراحةً ابداع ممتاز، تقديم جيد جداً للمسلسل مع موسيقى مختارة بعناية ومشاهد مأخوذة بشكل ممتاز، جعلت المقدمة برأيي أفضل مقدمة مسلسل العام الماضي وبالفعل فقد فازت بجائزة ايمي بهذا المجال، حقاً كانت رائعة.

في النهاية هي HBO

كلامي حول المسلسل ممكن أن يطول ويطول وكلامي كله عندما سنحاول أن نتتبعه سنراه يقود إلى مكان واحد، هو مديح واضح لهذه القناة وما تقدمه من أعمال، هذه القناة هي الرائدة حالياً في مجال الدراما بشكل واضح وصريح، تقدم لنا كل سنة محتوً رائعاً ومختلفاً وجديداً، رؤية اسم القناة لوحده تجعلك واثق بأنكَ ستشاهد شيئاً جيداً جداً، هذا المسلسل استفاد جداً من سمعة القناة وساهم في اثراءها أيضاً، ما صرفته القناة على المسلسل لم يكن قليلاً ولكن في النهاية هي كانت تعرف أنّها امام عمل سيقدم لها وسيضيف لها وبالفعل العمل استطاع أن يأتي بثماره، مقدمة المسلسل وحدها يمكنها أن تقول لكَ ماذا تعني HBO، القناة التي تقدم الجودة في كل محتواها، حتى اعلاناتها تجد فيها جودة وابداع، في النهاية هذا ليس مجرد تلفاز عادي بل هذه HBO.

الموسم الثاني

الموسم الثاني من المسلسل عليه الكثير من الشائعات حول الطاقم الذي سيلعب دور البطولة وفيه وحول قصته، ما نعرفه بشكل مؤكد أنَّ طاقم الموسم الاول لن يعود وبالذات ماثيو مكانوهي وما نعرفه أيضاً انَّ المخرج لن يعود للموسم الثاني، التفاصيل حول الموسم الثاني مازالت غير واضحة المعالم، شائعات عديدة للغاية حول الطاقم وحول طاقم الاخراج، ما نعرفه بشكل تام أنَّ الموسم الثاني سيعرض في صيف 2015  ، المشكلة أنَّ المسلسل يبحث كما يبدو عن طاقم متمرس مثل طاقم الموسم الأول، يعني ممثلين كبار وربما انشغالهم وجداول اولئك الممثلين المليئة بالأعمال قد تمنعهم من التوقيع للمسلسل وقد تجعل HBO تبحث عن آخرين، هذا بالإضافة إلى تغيير المخرج، علينا فقط بالانتظار والأخبار ستأتي شيئاً فشيئاً حول المسلسل، شخصياً أرى أنَّ الموسم الثاني سيكون مختلفاً نسبيـاً، نيك بيزيلاتو قد يميل للتركيز على الاحداث أكثر من الشخصيات في الموسم الثاني وهذا مجرد توقع لا اكثر، شخصيـاً لا اعتقد أنَّ الموسم الثاني سيكون بجودة الأول ويبقى لبيزيلاتو أن يُغلطني ويبرهن عن جودته، فأنا بانتظاره.

---

في النهاية، بالتأكيد المسلسل من افضل انتاجات العام ويستحق مركزه الذي حاز عليه في قائمتنا لأفضل 15 مسلسل درامي ، يبقى كلامي حول الكاتب مجرد رأي شخصي بالطبع، يحتمل الخطأ، يبقى العمل بشكل عام يستحق كل تقدير واحترام ويستحق أن يُسمى من أفضل الأعمال الدرامية في آخر بضعة سنوات، ويبقى الناس برايي قد بالغوا في تقييمه بعضاً ما وصنعوا هالةً كبيرة لا يستحقها المسلسل أبداً، ماثيو مكانوهي يستحق كل تقدير واحترام على ما قدمه وربما فوزه بالايمي ما كان ليكن شيئاً سيئاً ولكن لا بأس لم تذهب بعيداً فبراين كرانستون قدم دوراً ممتازاً، وننتظر موسم المسلسل الثاني بشغف رغم رغبتي الشخصية التي كانت تتمثل أن تنهي HBO هذا المشروع لكي نرى مشاريع آخرى النور على سيدة القنوات HBO ولكن للقناة رأي آخر كما يبدو، موعدنا هو الصيف إذاً.