عندما إنتهى (كيرت ساتر) من The Shield وبدأ في تأليف Sons of Anarchy, كان يسعى إلى شيئين: الكتابة عن مأساة عائلية بطريقة شكسبيرية, و الكتابة عن عالم الدراجين الخارجين عن القانون بطريقة لم يسبقه لها أحد من قبل. وفي البداية, بدى لنا ميل (كيرت) إلى الأولى أكثر من الثانية, مما جعل المسلسل يبدأ بطيئاً, لكن فور ما يجد المسلسل الأساس الذي سيقف عليه, فإنه ينطلق بنا في رحلة جهنمية لا مثيل لها لمدة 7 مواسم, رحلة مليئة بالدراما السوداوية و الأكشن و اللحظات الواتذافاكية*.

القصة

Sons of Anarchy (أبناء الفوضى) هو مسلسل درامي حركي تتخلله بعض مواقف الكوميديا السوداء والذي يدور حول نادي دراجات بخارية سيىء السمعة وخارج عن القانون والذي يهدف أعضاؤه لحماية مصدر رزقهم والإبقاء على ملجأهم المتمثل في بلدة ”تشارمينغ“ بـ“كاليفورنيا“ هادئاً. سيتعين على النادي مواجهة تهديدات من تجار المخدرات ومطوري المؤسسات وضباط الشرطة المتحمسين. أسلوب الحياة العائلي للنادي وورشة إصلاح السيارات المزدهرة يخفيان خلفهما تجارة أسلحة غير قانونية. تدور الحلقات عن إغراء المال والنفوذ والعائلة. يجسد Charlie Hunam دور (جاكس)، وهو الرجل الذي سيتعرض حبه لرباط الإخوة في النهاية للاختبار حين يزداد إدراكه لأنشطة النادي المحظورة. تجسد Katey Sagal شخصية (جيما)، وهي أم (جاكس) القوية، بينما يجسد Ron Perlman دور (كلاي)، وهو زوج أم (جاكس) ورئيس نادي الدراجات البخارية. سيكشف مثلث الأم والابن وزوج الأم في النهاية أسرار ماضي هذه العائلة الغامضة وإلى أي مدى تمادوا ليخفوا آثامهم.

الرأي

بنفس الدرجة التي ثقفني بها American Gods حول الميثولوجيا و الأساطير التي لم يكن لدي أدنى فكرة عنها قبل قرائتي للرواية, ثقفني Sons of Anarchy عن ثقافة نوادي الدراجين الخارجين عن القانون. لابد أن كل واحد منا مرت عليه لقطة في فيلم او مسلسل (أو حتى في العالم الواقعيّ!) يرى فيها شخصين يرتديين حلة جلدية و يجلسان خارج حانة على دراجتيهما الهارلي, ولا تكون هذه سوى إشارة إلى إقتراب صراع دمويّ بالأيدي و السلاسل.

ستفاجئ لتكتشف أن الأمر ليس بهذه البساطة و أنه أكثر تعقيداً من هذا بكثير, هذه النوادي فيها قوانين و تسلسل إداريّ وليست مجموعة عشوائية من الأشخاص اختاروا ان يشترو دراجة نارية باهظة الثمن, وليس أي معتوه على دراجة هارلي بالضرورة عضواً في نادٍ. كما أنه من الخطأ أيضاً إفتراض ان كل هذه النوادي تتخصص في الجريمة المنظمة, بل إنها كأي مؤسسة أخرى, تبحث عن الربح بأية طريقة ممكنة. هذه النوادي غالباً تنشر فيها قيم الأخوية و الانظباط, لكن طرق الحفاظ على هذه الأخوية و الانظباط لا تكون دائماً مثالية..

وهنا ينقسم Sons of Anarchy. إن هذا النادي هو, بطبيعة الحال, مُتخيل, لكن الوسائل التي يستخدمها و القوانين التي يتبعها مطابقة بشكل كبير لنوادي الدراجين الخارجين عن القانون الحقيقية و التي قد تكون قد سمعت بها من قبل كـHell’s Angels, The Bandidos, The Outlaws. وتماما مثل هذه النوادي المذكورة آنفاً فإنها بدأت كتجمع للتمرد على رتابة البلدة الصغيرة و كمكان للصداقة و المرح, لكنها تحولت مع مرور الوقت إلى مؤسسة تنعدم فيها الأخلاق بدرجة خطيرة. يتسائل (جاكس) في الحلقة الأولى عندما يجد مخطوطة ”حياة و موت سام كرو“ التي كتبها والده قبل وفاته: هل يمكن تحويل كيان يسخّر نفسه إلى استخدام نماذج إيجابية لغايات إجرامية إلى منبع للخير؟

إنها, حسب رأيي الشخصي, فكرة خلاقة و مثيرة جداً للإهتمام. هنا حيث تفشل المقارنة الغبية بين Sons of Anarchy و The Sopranos, فكيف يمكن أصلاً التفكير في المافيا على أنها أي شيء سوى مؤسسة جشعة تهدف إلى كسب المال؟

من جهة أخرى, Sons of Anarchy يمثل أحياناً تلك النماذج الإيجابية التي يدعي أنه مبني عليها. نرى أعضاء هذا النادي و هم يوظفون العنف بطريقة مخزية لنيل مبتغاهم (و سترون الكثير الكثير من العنف في هذا المسلسل, مستويات جديدة من العنف لم يسبق لكم أن رايتموها في أي مكان أخر), لكننا نراهم أيضاً في لحظات صادقة من الكرم و الحب و الوفاء كـ نادٍ. سواء بدعم معنوي لعضو في حالة عائلية صعبة, أو بدعم ماليّ لعضو في وضعية مالية صعبة, حتى لو كان هذا يضر مصالحهم الفردية, إنه ”الفرد من أجل الجميع و الجميع من أجل الفرد“ في أبهى صوره.

هذه اللحظات هي ما تجعل Sons of Anarchy مسلسلاً عظيماً. هذه الشخصيات ليست مجرد زمرة من المجرمين يحاولون أن لا يقبض عليهم, بل إنهم يصارعون لإيجاد مكان لهم في عالم يتغير بسرعة أكبر من قدرتهم على التكيف مع هذه التغييرات. هذه الشخصيات كأفراد تبدو لك معقدة وغير مرتبطة ببعضها البعض, لكن بعد أن يحدث حدث يهز كيانهم, تدرك فوراً أن هذه الشخصيات خلقت لبعضها البعض بطريقة تبدو كارثية لكن في نفس الوقت لا مفر منها.

وكل ما تكلمت عنه فوق لا يمكن أن ينجح سوى بكتابة لا تقل عن ممتازة, بقلم (كيرت ساتر) المجنون, الذي يتحدى حلقة بعد حلقة حدود المعقول و ما يمكن أن يحدث على التلفزيون, إن الجُرأة التي يصل لها Sons of Anarchy لم يحصل لي الشرف بعد أن أرى من يفوقها. إن الشخصيات معقدة و متعددة الزوايا, القصص معقدة و متشابكة, و النهايات… آه من النهايات, كل نهاية موسم من مواسم Sons of Anarchy الستة هي بكل معنى الكلمة نهاية واتذافاكية* ستتركك فاغر الفاه مصدوماً مما رأيته للتوّ. كل تلك الخطط و الأسرار و محاور الشخصيات تصل بنهاية الموسم إلى نهاية مذهلة ينفجر فيها كل شيء

عندما شاهدت المسلسل لأول مرة, كنت مصرّاً على أنه أفضل مسلسل في التلفزيون بلا منازع, كان هذا قبل مشاهدتي لبريكين باد وسوبرانوس, الآن و بعد لمشاهدتي لهذين الإثنين ومسلسلات عديدة أخرى, فإن رأيي إختلف كثيراً, لكن قيمة المسلسل لم تنخفض لديّ, إنني أقول بكل ثقة إن هذا المسلسل من بين أفضل 5 مسلسلات على التلفزيون حالياً, بكل ثقة وبلا شك.

قبل أن أنهي هذا المقال, لدي شيء أخير لأقوله, هناك أشخاص يأتون إليّ و يقولون أنهم شاهدو مسلسلات كالسوبرانوس وماد مين ولم تعجبهم لأنها مسلسلة تركز جداً على الشخصيات ولا مساحة للاحداث فيها, فينعدم إهتمامك بالمسلسل بإنعدام اهتمامك بتلك الشخصيات وما يحدث لها. أؤكد لكم أن Sons of Anarchy هو عكس ذلك تماماً, هناك قصص و شخصيات مثيرة للاهتمام, كتابة ممتازة, كوميديا سوداء, و أداءات من أعلى طراز يقدمها Ron Perlman و Katey Sagal وكذا بقية الكاست المتكامل.

نحن على أعتاب الرحلة الأخيرة لنادي ”سامكرو“ في الموسم السابع من Sons of Anarchy, يستحسن بك أن تلتحق بالركب, لأنها (إن كانت المواسم الستة الماضية مقياساً للحكم) ستكون رحلة عنيفة و ممتعة و جد, جد سوداوية.

* مصطلح رضوانيّ, مشتق من ”واط ذا فاك؟“, و يطلق على اللحظات التي تجعلك تقول ”واط ذا فاك“ سواء في نفسك أو بصوت عالٍ.