بريطانيا لم تبخل قط بتقديم مسلسلات درامية عن فترات زمنية غابرة, بحيث انها تصدر كل سنة عدة مسلسلات تدور حول فترات مختلفة, وكأن ذلك أصبح ماركة مسجلة لديها. داونتن أبي إستطاع أن يبزغ من بين تلك الكومة, ليعتلي عرش المسلسلات البريطانية, للوقت الحالي على الأقل.
داونتن أبي من تأليف و كتابة الممثل/الروائي/السيناريست/المخرج ”جوليان فيلوز“, وقد حاز على معدلات مشاهدة عالية على قناة ITV.
القصة
يدور هذا المسلسل عن دير ”داونتن“ الاسطوري, الذي يقع حالياً تخت إمرة ”روبرت كراولي“, إيرل غراهام. يتوفى وريثا هذا الدير, حيث كانا على متن سفينة التايتانيك, مُجبراً الإيرل على تحديد من يكون خليفته في دير ”داونتن“. بينما زوجة ”روبرت“ الأمريكية, ”كورا“ و والدته ”فايوليت“ (التي تلعب دورها المتألقة ”ماغي سميث“) تقولان ان ”ماري“, إبنة ”كورا“ و ”روبرت“ الكبرى, يحق لها ان ترث ثروة العائلة, لكن ”روبرت“ يظن انه مُجبر قانونياً على ان يُسلم ثروته إلى قريبه ”ماثيو“, الذي له صلة بعيدة بـ آل كراولي.
بينما يتجادل آل كراولي بشأن هذه المعظلة الكبيرة, يواجه الخدم مشاكل هم الاخرون. قدوم الخادم الشخصي الجديد ”جون بيتس“ يعكر صفو الاجواء بعض الشيء, لأنه يعاني من عَرجٍ, مما يصعب عليه أداء المهام المنوطة به. ”كارسون“ كبير الخدم يعترض على وجود ”بيتس“, قائلاً ان وجوده قد يسيء لسمعة دير ”داونتن“, لكن ”بيتس“ صديق قديم لـ“روبرت“ من الحرب, مما يجعله يشعر أنه عليه دين على ”بيتس“. من جانب أخر, بعض الخدم يبحثون عن حياة خارج دير ”داونتن“, وأخرون يقعون في الحب وخارجه, و خادم بغيض يدعى ”توماس“ يخطط لطرد ”بيتس“ من منصبه هذا.
الرأي
داونتن أبي“ من المسلسلات القليلة ‘التاريخية’ التي لا تدور تماماً على حقائق تاريخية أو كتابات أدبية شهيرة, لكن هذا لا يعني ان المسلسل لا يحضى بجوه الحميم الخاص. لو طُلب مني أن أصفه في جملة واحدة, سأقول على الارجح انه ”غريز اناتومي بأناقة أكثر و أرستقراطية أكثر و أطباء أقل“, و هذا راجع لأن المسلسل أعادني تقريباً لفترة كنت فيها جديداً على عالم المسلسلات الأجنبية, أعادني لنقطة البداية, ”غريز اناتومي“ حيث الدراما الراقية و الشخصيات المحبوبة, و الطابع الحميمي الذي يلف المسلسل كله, حيث تجد نفسك مرتبطاً بالشخصيات, تفرح لفرحهم و تحزن لحزنهم, مُجبراً. ”داونتن أبي“ بدون شك تجربة خيالية لا تسعها الكلمات.
”جوليان فيلوز“ جمع كاستاً خيالياً في اعجوبته هاته, علاوة على عدد غير بسيط من الشخصيات الصغيرة التي ستتذكرها مُرغماً. لحسن الحظ, ”فيلوز“ إستطاع ان يجعل لكل واحد من هؤلاء شخصية فريدة تجعلنا نتذكر هذا و نميزه عن هذا. في البداية قد تواجه صعوبة في تذكر الاسماء, و هذا شيء طبيعي و متوقع في البداية مع مسلسل ذو كاست بهذه الضخامة, لكن بنهاية الحلقة الاولى ستتذكر الجميع و أدوارهم و مكانتهم في القصة.
ويالها من قصة! محاور عديدة من الحب و الخيانة و التأمر و العدائية, في الطبقات الراقية لإنجلترا مطلع القرن العشرين. طبعاً القصة في بعض حيثياتها تبدو سخيفة (موت الورثة على متن التايتانيك, على سبيل المثال, تبدو طريقة غير ملائمة لإدخال أحداث تاريخية لتلك الفترة في القصة), لكن في غالب الوقت ينجح ”فيلوز“ في جعل المسلسل أفضل فأفضل مع كل حلقة, يجعلك تتسائل ما إذا كان بإمكانه ان يجعله أفضل من هذا, ويفعل بدون تردد!
أداء الممثلين جميل, رغم انهم غير معروفين خارج بريطانيا, إلا انهم نجحو في إظهار المسلسل بأفضل حلة. من بين هذا الطاقم الرائع يبرز ”جيم كارتر“ الذي يلعب دور ”السيد كارسون“. بما أنه كبير الخدم, فهو يبقي عينه على حيوات مُشغّليه و الخدم. أداء ”كارتر“ مثير للاعجاب. ”كارسون“ يهتم جداً بالشرف و المحافظة عليه, و رؤيته وهو يحاول ان يبقيه غير ممسوس تعتبر من أفضل الأشياء بالمسلسل. ”هيو بونفيل“ (”روبرت كراولي“) يضفي بعض الدفئ على شخصية كان من الممكن بكل سهولة ان تكون مصدر إزعاج, بينما الأيقونة ”ماغي سميث“ (الأرملة ”فايوليت“) لا تفتأ تُضفي المرح على الحلقة في كل مرة تبرز فيها امام الكاميرا, بتعليقاتها الساخرة اللاذعة.
هل كل ما سبق يعني انه مسلسل مثالي؟ بالتأكيد لا! لأنه لا وجود لشيء من هذا القبيل. أزعجني بعض الشيء ان جزءاً كبيراً من المسلسل يتمحور حول النساء و مشاكلهم, وهذه ليست مشكلة كبيرة, إذ ان هذا يجعله محبوباً اكثر لدى النساء, بدون ان يكون مسلسلاً نسائياً بالكامل. من جانب أخر, يصور المسلسل عهد بريطانيا ذاك أنه مثالي, حيث كل شخص ”يعرف مكانته“ و يقبل بها, الخادم و المخدوم و تقبل كليهما لمكانتيهما, وأن عالماً حيث كل شخص ”يعرف مكانته“ هو عالم جيد. بالرغم ان هذين النقطتين لم تزعجاني كثيراً, إذا لا تعد سوى تفاصيل صغيرة في ظل هذه التحفة التلفزيونية, تمُر غير ملحوظة وسط كل ذلك الزخم من الاحداث.
و فوق هذا كله, نستمتع طوال حلقات المسلسل بموسيقى تصويرية خيالية, كأنها موسيقى تنبعث من النعيم, بواسطة المبدع ”جون لون“, الذي أجبرني ان اجعل موسيقى المسلسل نغمة لهاتفي.
لقد وقعت في غرام ”داونتن أبي“, وقعت في غرامه بشدة, لدرجة انني أحسست بفراغ كبير بعد ان انهيته, ولم أستطع أن أختار غيره ليكون أول مقال لي هنا.. مشاهدة ممتعة 🙂
التقييم النهائيّ
رأي شخصي: | ||
8 / 10 | أحد أفضل المسلسلات في العقد الأخير, مسلسل متكامل, مابين الكاست المتناغم والحبكة القوية, و الدموع المنهمرة.. ولولا وجود مسلسلات كالسوبرانوس و ذا واير, لأستحق داونتن أبي العلامة الكاملة |