قرأت رواية The Leftovers بعد ان سمعت انها ستصبح مسلسلاً من إنتاج HBO بدافع الفضول ولولعي بالقراءة, قلت في نفسي أنها إذا كانت جيدة كفاية لـHBO فستكون بالتأكيد رواية ممتازة, أنهيت الرواية قبل حوالي السنة, أعطيتها 4 نجمات من 5, بمعنى أنها أعجبتني (لمن يريد رؤية الريفيو* القصير الذي كتبته: هنا). و الآن أتيح لي أن أشاهد ما قرأته على الورق على شاشة التلفزيون, هل كانت النتيجة جيدة أم سيئة؟ لا أعلم الصراحة…
قبل صدور الحلقة رسمياً عقدت HBO برميير خاص لها — كما تفعل عادة مع كل مسلسلاتها كل سنة — حضره الصحافيون و النقاد, أراء النقاد بعد البرميير (و أربعة حلقات أخرى أرسلت لهم) قالت لي أن أخفض من توقعاتي (تقييم المسلسل لحد الساعة على MetaCritic لا يزال 65, أي أقل من جيد), لكن في نفس الوقت قلت لنفسي ان هذه الأمور ليست عِلم يعتمد به وإنما مجرد أراء (كما هي هذه المقالة التي تقرأونها الآن) و أن المسلسل قد يعجبني رغم كل شيء..
ما القصة أصلاً؟ The Leftovers يركز على بلدة صغيرة تدعى ”مايبلتن“ وما يحدث فيها بعد أن تحدث ظاهرة عالمية اختفى فيها 2% من البشرية جمعاء. ما أعجبني و شدني للرواية أكثر شيء هو أن التركيز هنا لم يكن على الحدث و مسبباته, بل ظل مجرد مُسبب (أو زِناد, إن صح القول) لعدة أحداث ستتوالى على هذه البلدة الصغيرة و سكانها المسالمين. الرواية تركز بوجه الخصوص على تأثير هذا ”الإختفاء المفاجئ“ على سكان البلدة, رئيس الشرطة (غارفي) و عائلته المشتتة: زوجته (لوري), إبنه (توم), إبنته (جيل) وصديقتها (إيمي), يمكن اعتبار (غارفي) بأنه الشخصية الرئيسية نوعاً ما, لكن المسلسل متعدد الشخصيات مثل الثرونز لذلك لن نقول انه الشخصية الرئيسية بما أن الأحداث لا تتركز حوله, من الشخصيات الأخرى لدينا الراهب (مات جاميسون) و المسكينة (نورا دورست) التي خسرت عائلتها كلها في هذه الحادثة…
من أبرز الأشياء في القصة هي طائفة ”الباقون المذنبون“ الذين أقسموا وعداً بالصمت و هدفهم تذكير الناس, الذين يحاولون المضي قدماً بحياتهم, بأنهم مذنبون. مذنبون؟ كيف ذلك؟
جزئية لم يتطرق لها البايلوت و أظن أنها مهمة, هو أن هذا ”الإختفاء“ المفاجئ يتم تفسيره على أنه هو ”الإختطاف“ (The Rapture بالإنجليزية), و الإنجيليون يصفون ”الإختطاف“ بأنه اليوم الذي يرفع فيه كل المؤمنين الحقيقيين إلى السماء عند الله و يبقى المذنبون وحدهم على أرض. و الشرح بالظبط من أحد المواقع:
الاختطاف هو أخذ المسيح للمؤمنين من الأرض قبل انسكاب غضب الله الذي سيسبق مجيء المسيح للملك ثم الدينونة الأبدية (1تس5: 9، 1كو15: 51 53).
سيحدث الإختطاف عند رجوع المسيح لينزع الكنيسة (جماعة المؤمنين) من الأرض. ونجد وصف هذا الحدث في تسالونيكي الأولى 13:4-18 وكورنثوس الأولى 50:15-54. فالمؤمنين الذين ماتوا ستقام أجسادهم، وسيجتمعون مع المؤمنين الأحياء لمقابلة الرب على السحاب. وسيحدث ذلك في لحظة وغضمة عين. في حين أن مجيء المسيح الثاني سيحدث حتي ينتصر على المسيح الدجال ويدمر الشر، وأيضاً ليؤسس ملكه الألفي. ونجد وصف المجيء الثاني في سفر الرؤيا 11:19-16.
أظن أقرب شيء لهذا في الإسلام هو ”الخسوف“ حيث في يوم القيامة تحدث 3 خسوفات و تقبض روح كل مسلم (الوصف: ”تقبض روحهم كالعطسة“) فلا يبقى على الأرض سوى الكفار. و تهدم الكعبة و ترفع المصاحف… عموماً الموضوع طويل وليس هنا مكانه صراحة.
الآن, لماذا هذه الجزئية مهمة؟ لأنه كما ذكرت من قبل لدينا طائفة ”الباقون المذنبون“ و لدينا الراهب والإثنان سيكون لديهما دور كبير في هذه القصة, لذلك استغربت صراحة عدم ذكر الأمر ولا مرة, أظن أن الأقرع Lindelof قرر ان لا يشير للحدث بأي إسم لسبب معين نجهله, ربما لتجنب ازعاج المسيحيين أو لأسباب اخرى يمكن تفهمها, هذا المسلسل بقصته هذه يبدو (و العياذ بالله!) كتشكيك في وجود الله, او أنه إن كان موجود فإنه عشوائي كأي شيء أخر, وهو أمر خطير تداوله في بلاد تطبع إسم الله على أوراقها النقدية.
الآن هذه الجزئية مهمة أيضاً لأنها الغموض الذي يلف هذه القصة كلها, إنها قط شرودينغر الذي تنظر إليه شخصياتنا مستغربة و مُحاولة سبر أغواره: لماذا حدث هذا؟ لماذا الآن؟ لماذا أولئك الناس؟ لماذا ليس أنا؟ ماذا سيحدث عندما نموت؟ لماذا تحدث الأشياء السيئة للناس الطيبين؟
هذا الحدث سيتعامل معه كل شخص بطريقته الخاصة, رجل الدين (1) سيقول انها مشيئة الله, رجل الدين (2) سيشتكي أنه كان يعبد الله طيلة حياته وبقي هنا, العالم الذي قضى حياته كلها في تفسير مكنونات الأشياء يجد نفسه عاجزاً عن تفسير ما حدث, الأم التي فقدت إبنها ستدخل في كأبة لبقية حياتها, البنت المراهقة التي اختفى والداها ستطلق جماحها و تشرب و تتعاطى, أشخاص فقدو عائلاتهم كلها لكنهم يريدون أن يمضو قدماً وحسب… إنها نظرة فريدة نحو النفس البشرية, بكبريائها و غرورها و قوتها وضعفها…
دعوني أقول بأنني لست من كبار المعجبين بالأقرع David Lindelof و لا أحترمه لتحويل مسلسل كان ليصنف من ضمن الصفوة, أي نعم انا اتكلم عن LOST, إلى مسلسل سخيف بتمطيطه لـ3 مواسم أقل ما يقال عنها أنها مُخزية. بما انني ذكرت هذا فيمكنني أن أقول ببال مطمئن أنني كنت منبهر بمستوى الكتابة في الحلقة, ليس ككل و إنما على مستوى النص و الحوارات, الحلقة احتوت على عدة حوارات ممتازة, الموسيقى التصويرية خرافية ومناسبة جداً للعمل وهي أكثر شيء أعجبني في الحلقة كلها, إخراج Pete Berg كان ممتاز و من أبرز الأشياء في الحلقة.
إخراج Berg ركّز جداً على الصورة و الصمت, من الواضح أنه أدرك أنه الصورة مرفوقة بالصمت أحياناً يكون لها وقع أقوى من الكلام, إن The Leftovers لا يخشى الصمت, بل يكتنفه. سنستمتع بإخراجه لحلقة أخرى قبل أن ننتقل إلى مخرجين مختلفين في الحلقات القادمة, أبرزهم Lesli Linka Glatter و Mimi Leder اللتان ستقومان بإخراج الحلقتين الرابعة و الخامسة على التوالي, أي لا خوف على المسلسل من ناحية الإخراج.
إتخذ الأقرع Lindelof منظور تراجيديّ و كئيب للقصة, الرواية رغم انها تركز على حدث تراجيديّ أتذكر أنها كانت تحتوي على بعض الفكاهة, و أنا لا أقول ان هذا أمر سيء, كل ما أقوله هو أن هذا المنظور لا يروق للجميع, ليس الجميع يحبون مشاهدة شيء كئيب و سوداويّ طوال الحلقة لمدة 10 أسابيع (الموسم مكون من 10 حلقات), لكن بشكل عجيب فإن الأقرع قد نجح بشكل كبير في أسر جوهر الرواية في المسلسل, المشكلة أن البايلوت حقاً لم يعطينا الكثير كبداية للإهتمام بالمسلسل, و أرى أن السبب الوحيد حالياً الذي قد يدفع أي أحد للإهتمام بالمسلسل هو كونه على HBO و كذا غياب أي شيء مثير للاهتمام حالياً على التلفزيون.
أي سؤال لديكم عن الرواية أو أي شيء في المسلسل أنا موجود سواء عبر صندوق التعليقات أو على تويتر. مشاهدة ممتعة.
* نعم أنا مدرك أنني كاتب سيء عندما يتعلق بكتابة ريفيو عن كتاب انا اعمل على تحسين ذلك 🙂
التقييم النهائيّ
الكتابة: | حوارات ممتازة, الإقتباس من الرواية ليس حرفيّ لكنه جيد كفاية | |
التمثيل: | التمثيل كان جيد و في مستوى التوقعات, لاشيء خرافيّ | |
الإخراج: | أحياناً الصورة و الصمت أفضل وسيلة للتعبير | |
رأي شخصي: | أحياناً كأبة المسلسل القوية تمنع الواحد من الاستمتاع به | |
7.5 / 10 | تقييم مسلسل كهذا صعب للغاية, فرغم انه مسلسل سوداويّ بقصة و شخصيات مثيرة للاهتمام و إخراج جيد, إلا أنه من نوع المسلسلات التي ليس لديها وجهة معينة أو هدف تصبو نحوه, هذه ليست من قصص "ستيفن كينغ" التي يظهر فيها الفضائيون في أخر القصة ليوضحو كل شيء, لذلك إن كنت تبحث عن شيء كهذا فلا عيب عليك إن توقفت عن مشاهدة هذا المسلسل. |