مع كل سنة جديدة تُنتج مسلسلات كثيرة، وفي كل سنة من هذه السنوات نرى مسلسل تحقيقات جديد، مسلسلات التحقيق التي أصبحت موضة القنوات المفتوحة بالذات، فالمسلسلات التي تحدثت حول الجريمة لا تُعد ولا تُحصى، بل وحتى تم عمل نسخ لبعض مسلسلات التحقيق امثال CSI و NCIS، ولهذا دائماً ما تعد فكرة مسلسل تحقيق جديد، فكرة عادية وغير مبتكرة، وفكرة أصبحت مبتذلة للغاية ولا تقدم الجديد (ليس من الناحية الفنية بالطبع)، لا تقدم سوى شخصيات جديدة في محيط مختلف، وفي العام الماضي برز مسلسل تحقيقات جديد فاجئ الجميع وحصل على جائزة الغولدن غلوب لأفضل مسلسل كوميدي في سنته الأولى، وسترى اني أُناقض نفسي عندما اقول لك بأن هذا المسلسل قدم فكرة مبتكرة وغير مسبوقة، ولكني لا أفعل، لأن فكرة مسلسل تحقيق.. كوميدي، هي فكرة غير مسبوقة.

أتحدث عن مسلسل فوكس الجديد ”بروكلين 9-9 “ او ”Brooklyn Nine-Nine“ الذي تم عرضه في العام الماضي (2013) وهو من إبتكار وكتابة (Daniel J.Goor) و (Michael Schur) الذين انتجوا معاً مسلسل Parks And Recreation الذي يعرض على قناة NBC، تم تجديد العمل إلى موسم ثاني سيعرض لاحقاً في هذا العام، المسلسل لم يجلب نسبة مشاهدات عالية للقناة، إلا أن فوزه بجائزة الغولدن غلوب كأفضل مسلسل كوميدي، وفوز اندي سامبيرج بجائز أفضل ممثل في مسلسل كوميدي، لعبا دوراً كبيراً في إستمراره وقتاً أطول على الشاشة الصغيرة.

تدور أحداث المسلسل في إحدى مراكز شرطة نيويورك ، تحديداً في بروكلين، والذي يرمز له بالرقم 99 او 9-9، ويتبع ويصّور الأحداث التي تقع في هذا القسم، فحلقات العمل واغلب دقائقه تقع في هذا القسم، أو لنقل بأنها تدور حول عمل رجال الشرطة، بطبيعة الحال، لن ترى الجريمة بصورتها الواقعية، ولن ترى رجال الشرطة الجادين، بل سترى شخصيات غريبة وخيالية ومتنوعة وسترى لمسة نسائية حاضرة في القسم، وسترى عدة ثنائيات مثيرة وعلاقات متنوعة، الموسيقى التصويرية هي الأخرى ساهمت بجعل اجواء المسلسل كوميدية وغير ”جدية“، الشخصيات كما قلت تبدو خيالية، تبدو سطحية ”بشكل جيد“ جميع الشخصيات مرحة ومحبوبة، هذه الأمور ساهمت بشكل كبير في جعل المسلسل كوميدي مئة في المئة وغير سوداوي على عكس اغلب مسلسلات الجريمة والتحقيق، وبطبيعة الحال، المسلسل يبتعد بشكل متعمد من أن يحضر لنا اعتى المجرمين، بل اغلب المجرمين تكون تُهمتهم بسيطة لأنه من الصعب او من غير المنطقي، ان يدور المسلسل الكوميدي حول جرائم القتل البشعة.

ما يميز هو انه مكتوب بشكل جيد، فشخصياً اصبح لدي ثقة كاملة قبل ان افتح اي حلقة، بانها ستكون حلقة جميلة، فمستوى الحلقات ثابت وهو ما يوحي لك بان حلقات المسلسل المميزة ليست طفرة، بل هي حلقات من الممكن بشكل كبير ان تتكرر، فالمستوى ثابت والإبتكار موجود، وهو أمر يغيب عن مسلسلات كثيرة خاصةً تلك التي تعرض اكثر من 20 حلقة في الموسم الواحد، بحيث تكثر الحلقات السيئة والمستوى متقلب وغير ثابت، لكن في بروكلين 9-9 اضمن لك بأن المستوى ثابت في جميع الحلقات، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على أن الكتاب لديهم أفكار مميزة لطرحها.

شخصيات العمل كما قلت هي شخصيات جذابة، فتبدأ أحداث العمل بخبر تغيير رئيس مركز الشرطة، فالرئيس السابق كان مرح ومتساهل ولا يأبه للقوانين كثيراً، وكان صديقاً جيداً لجاك بيرالتا (أندي سامبرغ) شخصية جاك شخصية جميلة، شخصية مرحة، شخصية لا تأخذ الأمور بشكل جدي وتقع دائماً في المشاكل مع الرئيس الجديد كابتن راي هولت، والذي يتميز بشخصية مختلفة تماماً عن الرئيس السابق، فهو جدي في اغلب الوقت، يحب الانضباط في العمل، تشكل العلاقة ما بين الاثنين واحدة من الامور الممتعة في المسلسل بحيث تحدث مواقف طريفة، لدينا ايضاً المحقق تشارلز بويل، صديق جاك، شخصيته غريبة لكنه طيب وخبير في الطعام، والواقع في حب محققة أخرى في القسم روزا دياز، العنيفة وباردة المشاعر والتي نادراً ما ترى الإبتسامة على مُحياها، لكنه يخجل من أن يعبر لها عن هذا وهو واقع في غرامها منذ وقت طويل، لدينا ايضاً المحققة إيمي سانتياغو، والتي تشكل ثنائية جميلة مع جاك، هنالك علاقة جميلة بينهما، فهُم يستفزان بعضهما طوال الوقت ويتنافسان فيما بينهما، هنالك علاقة حب بينهما لكن لا احد يريد الإعتراف بذلك، لدينا ايضاً الرقيب تيري مفتول العضلات والذي يخاف من الإفتحامات وإطلاق النيران لأنه يخاف ان يترك اطفاله وحيدين في هذا العالم وهو المسؤول عن المحققين، لدينا شخصيات مثل هيتشكوك وسكالي الكبار بالسن والذين لافائدة منهم في القسم، وايضاً يوجد السكرتيرة جينا التي دائماً ما تراها تسخر من اي تصرف وهي غير جدية في العمل.

الإخراج والتصوير كانوا في صالح العمل، فالصورة مائلة للكمالية والألوان بجميع درجاتها موجودة، فالتصوير بيضاوي، وهو أمر كان مناسب للعمل بدرجة كبيرة، الأخراج ايضاً كان جيد ومقبول. وبما أن المسلسل كوميدي فوجب التذكير بأنه لا يوجد أصوات للجمهور والضحكات عند إطلاق النكت، بقي أن نتحدث عن الطاقم التمثيلي الذي كان جيد جداً خصوصاً أندي سامبرغ وأندريه بروير، والبقية ايضاً، بحيث تقمص الجميع شخصياتهم بالشكل المطلوب وقدموا الشخصية بشكل لائق.