MILDRED PIERCE ,, غشاوة الحب !

للجمال كلفة تأتي معه , وللعبقرية كلفتها أيضاً , ولربما وأقول لربما أنت يا صديقي لن تستطيع ان تتحمل تكلفتها تلك ! لذلك لا تتأسف أو تتحسر كثيراً !

ستتساءل ما الذي أقصده بهذا ,, حسناً دعني أعطيك إقتباساً من العمل ,,

تريفيزو : أنت تبدين إمرأة عاقلة ! هل ذهبت يوماً لحديقة الحيوان وشاهدة تلك الأفاعي الجميلة ! حسناً هل تأخذيها للمنزل لتجعلي منها حيوانك الاليف !  لا أعتقد ذلك , انت أعقل من ذلك !

ميلدرد : ما الذي تقصده ؟ أن إبنتي أفعى ؟

تريفيزو : لا بل – كولوراتورا سوبرانو – أسوء بكثير !

لطالما كانت تصاريف الحياة غريبة , فمن منا يستطيع أن يدعي فهمها ! أو من يستطيع أن يتبئ بها وأن يعرف ما يخبئ له القدر ! ستجرك الحياة نحو مستنقاعتها ساخرة , ستحملك نسمات الريح عابثة بك , ومهما ظننت أنك صلدا لا تكسر , ستتفاجئ بضعفك , وعجزك !

ميلدرد بيرس العمل القصير من سيدة الشاشة HBO , المقتبس من فيلم هوليودي عرض في 1945 ! الذي تناول قصة مرأة متزوجة – ميلدرد – والذي تؤدي دورها أيقونة السينما – كيت وينسلت –  من رجل يخونها و لها طفلتين هما كل ما لديها في دنيتها الصغيرة , أو هكذا ظنت على الأقل ! يبدأ العمل في مشاحنة ومشادة بين الزوجين تنتهي بخرج الزوج من حياتها ,, تاركاً لها عبئاً ثقيلاً عليها ان تهتم به ,, وطفلتين لن يكونا كما كانت تظن !

ميلدرد المرأة ذات الفخر والاعتزاز بنفسها ستفرض عليها الحياة بعد ان يغادرها بيرت بيرس – زوجها – ان تتعلم التواضع ,, أن تتعلم أن تصغر من نفسها وأن تتعلم ماذا يمكن لها أن تتحمله فعلاً  في سبيل أن تحيى ويحيى من تحبه كما تريد ! ستتعلم معنى الفقر , العجز , البؤس !

وستتعلم أيضاً و سترى كيف تدير الدنيا وجهها لك بكل بساطة, ليغدو كل ما ظننته يوماً ملكك , وكل ما إعتقدته , هباءاً منثوراً  ,, تتقاذفه الحياة  فلا يتبقى منه شيء ,

العمل أيضا سيركز على علاقة الأم ميلدرد بإبنتها فيدا ,, التي تعيش فترة نضجها ومحاولة إستقلالها ,, لا أستطيع القول أنه طرح افكار تربوية معينة وإنما هو خاض في حاجات الإنسان بطريقة أو بأخرى ,,

فيدا التي حيكت عظمتها وكبريائها في ثوب بؤس وفشل لم تعرف كيف تنزعه , إنه ذلك الشعور بأنك خلقت لتكون شيئا عظيما شيئاً ما في داخلك يخبرك بأنك لست هذا الإنسان , بإن مستقبلاً ما ينتظرك ,  ومن ثم ترى نفسك في قعر الحياة , ملقى كدمية بالية , لا أهمية أو ذكر لك !

لسبب ما جعلت من امها موطن تنزل فيه سخطها , وتمارس عليه كل انواع التعذيب النفسي ! لربما يكون هذا السبب ان أمها كانت تمثل لها قيمة ما في وقت ما , ثم رات كيف تخلت أمها عن كل شيء , كيف تنازلت وكيف إستسلمت ,, لربما خافت أن ينتهي بها المطاف – ب

ولأن الإنسان ضعيف , واهن , معلق بقلبه أكثر مما هو بعقله , فإن ميلدرد لم تكف عن البحث الحب , لم تستطيع أن تقاوم تلك الحاجة الإنسانية , بأن نجد من نأوي إليه , أن نجد من يأوينا إلينا , وهنا غرابة الإنسان , إنه بحاجة لأن يُحَب – بفتح الحاء –  أكثر من أن يحِب – بكسرها – !

إستمرت تحاول جاهدةً على أن تحظى برضى إبنتها وتقديرها لأنها ترى نفسها بها فهي من قالت في حوارها مع لوسي : لا تخبري فيدا بأني أعمل نادلة ! وعندما أبدت المرأة إعتراضها أخبرتها بأنها لا تفهم فيدا , وبأن الفتاة لديها شيئاً في داخلها , شيئاً إعتقدت ميلدرد بانها تملكه , لكنه الأن تعرف بأنها بواقع الحال لا تملكه ! وهذا كان دوماً السبب لجعلها تتمسك بإبنتها .

وعندما كانت تواجه فيدا مصعابها كانت ميلدرد تحاول بأن تجعلها لا تستلم , ان تتمسك بحلمها وبما تؤمنه عن نفسها , لتعرف لاحقاً بان هذا ليس حقاً هو المهم ! فمن انت لا يحدده ما تملكه من موهبة أو عظمة أو مال , إنه أنت ,, من يحدد مقدار نفسك !

العمل لم يكن مقتصراً على علاقة الأم بفيدا – على الرغم من أنها كانت الأهم – إلا أنه أيضاً تطرق لنقاط أخرى ومحاور مختلفة ! صبت كلها في محاولة فهم هذه الشخصية التي سأعتبرها معقدة بالشكل الكافي !

العمل وإن إحتوى على أفكار مهمة وقصة جميلة لكن إمتلك عدة نقاط ضعف يتوجب ذكرها , فالعمل أولاً تناول فترة زمنية طويلة في مسلسل قصير من خمس ساعات فقط , وهذا اشعرني في أحيان بتفكك حبكة وشخصيات العمل ,

فليس من السهل أن تصور ما يقارب عشرة سنوات في خمس ساعات على الشاشة , هذا بطبيعة الحال سيخلق نوعاً من صعوبة فهم وإدراك الشخصيات التي ستتغير وستمر بمراحل نفسية عديدة لربما لن تجدها مبررة بالشكل الكافي ,

وستجد العديد من الأحداث التي ستحدث بتسارع – مفهوم – بسبب المدة الزمنية التي يعرضها العمل ! ومن ناحية أخرى استطيع القول بأن العمل إحتوى على عيب أخر بأن حبكته تأخرت قليلاً بالظهور ,,  فالاحداث كانت تبدو في منحنى عشوائي لا تخدم غرضاً قصصياً معين إلى حين أخر ساعتين من العمل تقريباً ! العيب الأخير كان أنه وكعمل لقناة كيبل إحتوى على عدد من اللقطات التي تخرج عن النص ولا تناسب المشاهد العربي بشكل عام !

بشكل مختصر وموجز لا أستطيع القول بان العمل قدم كل ما كنت أنتظره منه , ولا أستطيع القول بأن خرجت خائباً أيضاً ,, العمل جيد ويمتلك قوة درامية وفكرية مميزة , ويمتلك أيضاً بعض العيوب , ولكنه بطبيعة الحال وبالتأكيد يستحق المشاهدة .

التقييم النهائيّ

الكتابة:
التمثيل:
الإخراج:
رأي شخصي:
7.5 / 10 هو عمل درامي إنساني , صور الحياة والإنسان , بجانبيهم , الحلو والمر , الجميل والقبيح !