الكوميديا السوداء، لربما قبل أن نبدأ علينا أن نقول أنّ هذا التعريف يشمل بداخله نوعان في العالم مما يُعرفان بالكوميديا الزرقاء والكوميديا القاتمة كلا هذان التعريفان يُجمعان تحت سقف مسمى الكوميديا السوداء التي تناقش ”تابوهات“ أي مواضيع من المحرم أو من غير المفضل الخوض بها من شاكلة الجنس والدين والأعراق والجريمة والمخدرات والعنصرية والعنف والإرهاب والجنون وأمور آخرى ومع ذلك من المعروف عن هذا النوع من الكوميديا أنّه يحتفظ بنزعة جدية في طريقة الطرح، لربما هذا ما يجعل محل خلاف بين الناس حول هذا النوع من الكوميديا، فمنهم من يفضل النزعة الجادة ومنهم من يرى أنَّ الكوميديا هدفها الاضحاك فقط، في الواقع أنا أميل للجزء الأول أعني الكوميديا إن نظرنا لتاريخها ونشأتها لطالما وُجدت من اجل طرح مشاكل أو أفكار معينة بقالب فكاهي لذا من الطبيعي جداً أن تحتفظ بنزعة جادة عند الطرح، لربما نحن تعودنا على نوع معين من الكوميديا وبات تعريفنا للكوميديا برمتها مختلف ولكن علينا فقط أن نُعيد النظر ونعيش في القالب الذي يخلقه العمل الفني وفي هذا العمل الفني القالب هو فتيات في الثلاثين من عمرهن يبحثن عن الحب في مدينة تُدعى نيويورك والبداية كانت مع الاسم ”الجنس والمدينة“.

الجنس والمدينة

في الواقع هو اسم عمود صحفي تكتبه بطلة المسلسل ”كاري برادشو“ في جريدة نيويورك ستار. الأمر باختصار أنَّ كاري الثلاثينية تعيش حياتها في المدينة التي لا تنام بحاثةً عن احلام تحلم بها كل مرأة عزباء في تلك المدينة هي الحب وتكتب عن هذا الأمر بطريقة كوميدية نوعاً ما بناءً على ما تواجهه في حياتها وما تراه من حولها، وتعتمد كل الاعتماد على حياتها وما تراه حولها في كتابة ذلك العمود.
كمسلسل فهو يتحدث عن الفتيات الأربعة ”كاري برادشو“ وصديقاتها ”ميراندا هوبز“، ”شارلوت يورك“، سمانثا جونز“ سنتحدث عن كل واجدة بالتفصيل، بالطبع المسلسل على لسان الراوية ”كاري برادشو“ حيث تسرد وقائع ما يحدث في حياة اولئك الفتيات الأربعة بحثاً عن الحب.

السيدات

كاري برادشو

كاتبة صحفية ثلاثينية، تبحث عن الحب في المدينة التي لا تنام، بنفس الوقت تحتفظ بعلاقة رائعة للغاية مع 3 فتيات هنَّ شارلوت وميراندا وسمانثا في الواقع هي العنصر الذي يجمعهم فهي من تعرف الجميع وهي التي جمعتهم وهي التي تجمعهم إن حدثت مشاكل ربما أو اختلافات، الرجال يذهبون ويأتون هكذا تقول ولكن الصديقات يبقين للأبد هذا هو الشعار الذي تعلمته كاري بعد علاقات عديدة في المدينة، فقد أصبحت خبيرة علاقات بل تكتب عن تلك العلاقات، لديها حس كوميدي جيد يساعدها بالكتابة، تعيش حياة عادية نوعاً ما ولكن تعشق شيء اسمه ”الأحذية“ وبالبطع الملابس ولكن الأحذية بالنسبة لها العالم الذي تقع في غرامه، الشيء الذي لا تستطيع رفضه، منولو بلانك وكاري علاقة طويلة، مستعدة كاري أن تنفق ما لا تقدر على تغطيته حتى من أجل زوجين من الأحذية، كاري طيّبة القلب وتريد الحب ولكن بنفس الوقت يُمكن أن تقول أنّها متطلبة قليلاً في العلاقات فهي دائماً تبحث عن شيء ما، شيء ما دائماً ناقص بالنسبة لها.

ميراندا هوبز

محامية، ذات شخصية جادة نوعاً ما تبحث هي الآخرى عن الحب كالبقية الباقية، ولكن بشخصيتها تلك لا أعتقد أنَّ الأمور ستكون سهلة بالنسبة لها، تعمل كثيراً، لديها أولويات في حياتها وتمشي كل خطوة بحسابها، جديّتها قد تخلق لها جاذبية خاصة ولكن بنفس الوقت قد تُبعد البعض عنها، فهي محامية قد تُصبح دفاعية بعض الوقت وقد تُهاجم أحياناً، علاقتها بكاري قوية للغاية وكذلك ببقية الفتيات ميراندا قد تكون متسلطة لكنها محبوبة ربما هي من تُمثل صوت العقل أحياناً فهي تتحدث بمنطق وبعقل بعيداً عن لغة المشاعر وذلك أحياناً قد يُزعج أشخاص معينيين ولكن نيتها المساعدة دائماً، هي خريجة هارفارد لذا يُمكنك أن ترّى أنّها مكافحة للغاية وذكية بالطبع.

سمانثا جونز

هي الأكبر بينهم، سيدة أعمال مستقلة تعمل في مجال العلاقات العامة وهي المفتاح السحري للفتيات الذي يدخلهن لكل مكان في كل زمان إلى كل المطاعم والحانات والحفلات حول المدينة، كل شيء حصري اتصل بسمانثا فهي حتماً لديها دعوة، تعرف المدينة بجلّها وتلك ليست مبالغة، علاقاتها غير محدودة، وبنفس الوقت هي حياتها الجنسية غير محدودة، لقب ”العاهرة“ قد يُناسبها لو كانت تقايض الجنس بالمال ولكنّها تفعل ذلك لمجرد فعله، فهي لا تبحث عن الحب على الأقل مما يبدو ربما يوماً ما في داخلها ستشعر بوخزة في قلبها وتُحب ولكن بالنسبة لها هي تبحث عن الجنس والعلاقات الجنسية فقط، سواء ليلة واحدة أو ليالي متعددة المهم هي أن لا ترتبط عاطفياً بالطبع ذلك يعود لتاريخها حيث يبدو أنّها ارتبطت مسبقاً عاطفياً وتم تحطيم قلبها لذا لا تود أن يحدث ذلك ثانيةً، منفتحة للغاية بشأن الجنس والحديث في الأماكن العامة قد تفعل أي شيء فهي مجنونة، قد تسب، تشتم، تتحدث بكلام نابي بأي مكان إن تم ازعاجها هي ببساطة شخصية مختلّة عقلياً ولكن في شلّة مكونة من 4 فتيات أنتَ تحتاج لهذا النوع من النساء :D.

شارلوت يورك

الحالمة، هو أفضل وصف يليق بها فهي حقاً تحلم بالحياة المثالية مع الشخص المثالي في اللحظات المثالية، شارلوت تعمل في معرض فني، لديّها مسيرة عملية جيدة ولكن هذه الفتاة تبحث عن الحب لتعيش الحياة المثالية التي تحلم بها دائماً، تحلم وتود أن تحقق احلامها تود أن ترى حياة وردية لتعيش بها بالطبع أحياناً سيصدمها الواقع المرير ولكن تبقى محافظة في النهاية على شخصيتها الحالمة والمُحبة، تُحب الفتيات حباً جمّاً وهي الأكثر أدباً بينهم قد تستحي حتى من لفظ أي كلمة قد تعتبرها الاخريات بسيطة ولكن هي تعتبرها نابيّة، رقيقة نوعاً ما لذا قد تزعل من بعض الكلام الجاد إن رأته جارحاً، شارلوت طيبة وحنونة للغاية تهتم بالمظاهر تماماً، تود دائماً أن تبدو سعيدة وأن تمتلك الحياة المثالية، فهل ستحضى بها؟ الجواب في المسلسل.

تحولات بين دارين ستار ومايكل باتريك كينغ 

المسلسل مبني على كتاب حوله إلى التلفاز المبدع دارين ستار وكان المسؤول عن المسلسل في أول 3 مواسم ثم أخذ مكانه مايكل باتريك كينغ، لكي أكون منصفـاً المسلسل في فترة دارين ستار كان أفضل بكثير ”فنيـاً“، الكتابة والمحتوى والقصة وطريقة سير الأحداث والبناء كانت أفضل تميل للواقعية وللسواد أكثر من الرومانسية وذلك ما فعله مايكل باتريك كينغ ذلك الأمر ضمن للمسلسل عشاق جدد من النساء العاشقات للرومانسية ودراماتها، رغم أن مايكل قد حول المسلسل في فترة من فتراته عن مسلسل البحث عن زوج ربما وتلك النهاية ”الكلاسيكية“ التي بصراحة لا أراها تليق بمسلسل مثل الجنس والمدينة قدم للتلفاز الكثير وغيّر مفاهيم كثيرة في الكوميديا السوداء وطريقة عرضها على التلفاز ولكن مع ذلك المسلسل حافظ على روحه بوجود الصديقات الأربعة وهذا شيء جيد ويبقى بالطبع ”فنياً“ المسلسل هو أول وآخر مسلسل من الكيبل يحصل على جائزة افضل مسلسل كوميدي في الأيمي حتى الآن، متى كان ذلك؟ بالطبع لم يكن في زمن مايكل باتريك كينغ بل في آخر موسم للمدعو دارين ستار عندما قدم موسماً ثالثاً رائعاً للغاية.

الفيلمان 

عندما انتهيت من المسلسل كانت وجهة نظري في الفيلمان أنّهما مجرد محاولة للكسب من المسلسل لا أكثر وبعد مشاهدة الفيلمان تأكدت من ذلك، ولكن عندما تعتاد على جلسة الفتيات لمدة 6 مواسم تفتقدها ولذلك تهرع لمشاهدة أي شيء من قبيلهم فشاهدت الفيلمان، الفيلمان عبارة عن محتوى مبتعد نوعاً ما عن المسلسل ومحاولة لخلق قصة بحجة اغلاق الأطراف فـ كالعادة بداية الفيلم الأمور بخير ونهايته كذلك وفيما بين هذا وذاك بضعة مشاكل من هنا ومن هناك مثل أي فيلم هولويودي يميل للكلاسيكية والتوقع والدراما الرومانسية التي قد تُصبح مقيتة أحياناً، ربما ذلك قد يُفسد صورة الجنس والمدينة بالنسبة لعشاق العمل ولكن بنفس ذات الوقت جلسة سيدات المدينة رفقة المدعوة سمانثا جونز لا تعوض بالمرة، لذا فقد كانت رحلة جيدة والسيدات يستحقن أنَّ يجتمعن من جديد فقد كان المسلسل رحلة العمر بالنسبة لهن.

لماذا؟

لماذا هو الأفضل في فئة الكوميديا السوداء برأيي الأمر بسيط، المسلسل هو من رسم الطريق الذي مشت عليه من بعده المسلسلات بالطبع هنالك مسلسلات خاضت في الأمر بشكل أعمق ولكن يبقى هو ومسلسل الحاشيّة ~ Entourage بالنسبة لي أفضل من قدم محتوى السواد الكوميدي، شوتايم في مسلسلاتها خاضت في بضعة أمور بشكل أعمق وكانت تميل لأمور معينة قد تراها شاذة عن المألوف ليس وكأن هذا المسلسل لم يقدم مادة شاذة عن المألف بل على العكس تماماً ولكن طريقة تقديم المحتوى في شوتايم والنظرة العامة لطريقة سير القصص هناك والاستنزاف المقرف للمسلسل حتى آخر لحظة أمر يُزعجني للغاية على النقيض مع هذان المسلسلان بالضبط من HBO ليس تحيز فـHBO أنتجت مسلسلات سيئة وأنتجت مسلسلات من شاكلة شوتايم مثل Tell Me You Love Me ولكن بالذات الجنس والمدينة والحاشيّة كانا شيء متفرد للغاية وربما أفضل ما قدمت القناة، فبين الشخوص وبين الأحداث وبين الأماكن بين لوس أنجلوس من هناك ونيويورك هنا، المحتوى باختصار كان للتاريخ.

مانهاتن 

لربما بحلول هذا الوقت أصبحت أعرف نيويورك أكثر من مدينتي ”أمزح بالطبع“ ولكن المدينة التي لا تنام تُقسم لما يُسمى بمناطق ادارية أو أياً كان المناطق الادارية أو الأجزاء هذه عددها 5 وهي مانهاتن، بروكلن، ذا برونكس، ستاتن آيلند وكوينز، الأكثر سكاناً هي بروكلن طبعاً ثم كوينز بعدهما تأتي مانهاتن، حديثنا عن مانهاتن الغالية، لا يُمكن ببساطة أن لا تقع في غرام ذلك المكان وأنت تُشاهد هذا المسلسل، أعني هذا المسلسل بالذات يجعلك تنظر لـ لوس أنجلوس بالمدينة الفارهة الغالية التي يتصنع كل من فيها الأدوار بينما المدينة الحقيقية هي نيويورك، المدينة التي تنزف فيها دماً لأجل لقمة عيشك في الصباح وفي المساء تسهر مع الرفاق حتى الصباح لتذهب في اليوم الموالي متأخراً فتُطرد لتُصبح عاطل عن العمل، جمال ذلك المكان أنّه يُعتبر تحدي بالنسبة للأمريكان نفسم، ان تثبت نفسك هناك فأنتَ قادر على أن تُثبت نفسك بأي مكان في العالم، ذلك ما يقولونه، وبعيداً عن هذه النظرة القريبة للمدينة ولما يُقال عنها فالتقديم للمدينة ولمنطقة مانهاتن كان رائعاً للغاية أعني حتى في نهاية المسلسل قد تُصبح ”آنتي بروكلن“ فقط لأنَّ الفتيات يكرهن ذلك الجزء من المدينة، مانهاتن في فترة هذا المسلسل كانت تعيش أياماً مختلفة للغاية بداية عصر جديد لربما ومازالت ربما حتى الآن تعيش في هذا العصر، في الفيلم تظهر بضعة سيدات عربيات فتتحدث احداهن عن نيويورك وعن مناطقها وكأنها كانت هناك، مدينة الحضارة كما وصفتها من كارنيغي هول إلى فيفث آفينو ثم تُنهي بجملة ”شو بدي احكي لأحكي“، أتفق مع الأخت هناك 😀 ماذا يُمكنني أن أتحدث ولكن بعيداً عن كل هذا إن كنتَ تريد أن تقتنع بجمال نيويورك فحتى مع عدم وجود نسخ HD أو Bluray لهذا المسلسل يُمكن للسيدات أن يقنعوك بجمال المدينة التي لا تنام.

مهما حدث تبقى الصداقة 

المسلسل بدأ بهذا المنحنى منذ البداية وأنَّ الصداقة تبقى دائماً ولكن فيما بعد انتهج هذا المبدأ كأساس له وحتى محتوى الفيلمان كان بشكل أو بآخر يدور حول ذلك فالرجال يذهبون ويأتون حسب الآنسة برادشو ولكن الصديقات يبقين إلى الأبد وبالطبع هذا الكلام واقعي للغاية فالصداقة دائماً ما تكون فوق كل علاقة ودائماً ما يكون الصديق موجوداً وقت الأزمات، الرجل بمفهوم العلاقة الأمريكي قد يرحل وقد تنتهي العلاقة أو السيدة أيضاً ولكن في كلتا الحالتان الصديق يبقى ولربما في حالة النساء بالضبط، يحتجن لصديقاتهن أكثر من أي شخص آخر في وقت الأزمات لربما العاطفية التي تمر بها المرأة في أثناء مراحل العلاقة والانفصال قد تكون مشاعر وعاطفة جياشة لذلك تواجد الصديقات أمر مهم للغاية وبالطبع المسلسل قدم ذلك المحتوى وأكد عليه في كثير من الحالات والمشاهد.

ماذا بعد؟ 

لم يبقى شيئاً في الحقيقة، قلت كل ما يجوب في خاطري، بقيَّ أن أقول أنني شخصيـاً أعتقد أنَّ Girls هو حامل راية Sex & The City وربما يتفوق عليه فحتى اللحظة Girls قدم موسمان رائعان جداً وأي شخص يُحب ذلك النوع من الكوميديا سيُحب Girls الذي تفرد بطريقة معينة بعيداً عن الجنس والمدينة ولكن حافظ على السوداوية في طريقة الطرح بوجود لينا دانهم المبدعة كتابياً، بقيَّ أن اقول أن المسلسل اخراجياً كان رائع للغاية وأنّه بالنسبة للتمثيل لا يُمكنني اعطاء الفتيات حقهن إن تحدثت سواء سارة جيسكا باركر أو سينثيا نيكسون أو كيم بتريل أو كرستين ديفيز كلهن رائعات وأيضاً يجب أن أشير إلى أنَّ ويلي غارسون و ماريو كانتوني اللذان لعبا دور ستنافورد وآنثوني كانا رائعان وأيضاً جون كوربيت الذي لعب دور ايدن كان حضوره رائعاً للغاية.
بقي فقط أن أقول أنَّ المسلسل من أفضل المسلسلات الكوميدية التي شاهدتها على الإطلاق، ربما تختلف مزاجات مشاهدين الكوميديا وفقاً للنمط الذي ترعرعوا عليه ولكن بالنسبة لي هذا المسلسل من مسلسلاتي المفضلة على الإطلاق هكذا فقط.