أفضل مسلسل يُعرض على التلفاز الأمريكي حالياً! جملة كبيرة لبدء مقال ولكن مالبيد حيلة فخلال 5 مواسم مكونة من 65 حلقة أثبت ماثيو واينر أنّه يقدم لنا أفضل مسلسل يُعرض على التلفاز الأمريكي أثبت لنا أن الابداع لم ينقطع بنهاية ”The Sopranos“ و“The Wire“ ماثيو قدم لنا واحدة من أفضل الأفكار ”الأصلية“ في تاريخ التلفاز الأمريكي وصاغاها بقالب يجعل أي امرء يود لو يعيش بتلك الحقبة واستطاع نقل ”الأحساس“ الموجود في تلك الحقبة للمشاهد.

عندما أرادت AMC الدخول لأول مرة في مجال التلفاز حالفها الحظ أن ترفض HBO وغيرها من القنوات سيناريو ماثيو وياله من حظ أن تمتلك المسلسل الأفضل في التلفاز وأنتَ للتو تنوي الدخول في عالم المسلسلات الأصلية واستطاع ماثيو أن يأخذ قضية مهمة جداً في التاريخ العام وبشكل خاص في التاريخ الأمريكي قضية غيرت من الشكل العام للبلاد هي قضية الاعلانات رجال مادسيون آفينو كانوا ملوك تلك المرحلة، غيروا شكل الاعلانات ونقلوه نقلات نوعية كبيرة جداً وهم أحد أهم الأسباب التي نرى بواسطتها الاعلانات كما هي الآن بل هم من ابتدعوا تلك الطرق من البداية ولكن ما هي قصة المسلسل؟

بطبيعة الحال تدور قصة المسلسل حول الجندي السابق ”دونالد درايبر“ وهو أحد (مُتبكري الاعلانات) في وكالة ”ستريلنغ كوبر“ وهو أحد الكبار في مجاله، لديّه كاريزما خاصة تستطيع توفير المطلوب في الواقع الوكالة التي يعمل بها ليست بذلك الحجم الكبير ولكنها قائمة عليه لماذا؟ لأنّه يمتلك الحس الابداعي لا شك لديه الأفكار الاعلانية ولديه الثقة الكافية ليُقنع العملاء بذلك ومن جهة آخرى هنالك حياة دون كما يندونه الشخصية رفقة زوجته ”اليزابيث“ وابنته ”سالي“ وابنه ”بوبي“ بين هذا وذاك وبين العمل في ماديسون آفينو وبيته تتمحور الأحداث وتأخذ حيزها منذ البداية سنة 1960 ويتواصل المسلسل بتناول قضايا كثيرة مهمة منها محلية ومنها عالمية ومنها شخصية مع دون ومع من حوله في الوكالة. 

الشخصيات

  دونالد دريبر يلعب دوره Jon Hamm

دون شخص متزوج ولديه طفلان ولكن مع ذلك حياته مليئة بالعلاقات الغير شرعية لماذا؟ هنالك أسباب عدة منها أن دون شخص ”سكيّر“ ومنها المشاكل التي    تحدث مع زوجته منها ببساطة حبه للهروب من المشاكل، دون من النوعية التي تُحب أن تهرب من المشكلة بدل مواجهتها مباشرةً وهذا الشيء كان واضح من جهة آخرى دون ليس لديه عائلة شخصية وحتى زوجته لا تعرف الكثير عن حياته قبل الزواج وهو كتوم بهذا الشأن لا يُحب التحدث حول نفسه وحول ماضيه، دون شخصية مزاجية فتارةً تجده يقدم لنفسه كل الأسباب لحب العائلة والسكن معها وتارةً تجده لا يستطيع التحكم بنفسه وتجد أن هنالك أشياء كثيرة تقوده منها الغضب والرغبة.

 

بيتي دريبر تلعب دورها January Jones                                                           بيتي أفضل وصف لها هي عقل طفلة بجسد امرأة تبلغ مع مطلع المسلسل من العمر 28 عاماً لديها حياتها مع دون المزاجي وهي تعاني من وفاة امها قبل بضعة أشهر فحسب ويبدو أنّها تعاني من علة نفسية معينة فهي من النوع الذي يكبت مشاعره أيضاً ولا يعترف بأنّه يعاني من الداخل ولكن مع ذلك توفر الحياة المثالية ”بنظرها“ لدون فهي أم ترعى له أطفاله وتنتظره حين يتأخر وتسهر وتوفر كل اللوازم للبيت وللعائلة ولكنها مع ذلك قد تصبح صعبة المراس أحياناً وذلك بسبب المزاجية بالتصرف التي تحكمها الظروف من حولها فهي تتأثر جداً بالبيئة التي حولها ولكن مع ذلك بالنظر للناس فعلاقتها مع دون والعائلة علاقة سعيدة والجميع ينظر لدون بالحسد على نيله وتزوجه من هذه الحسناء الشقراء التي تتواجد من أجله بكل مكان وتوفر له كل احتياجاته وتتألق في كل مرة يأخذها معه في اجتماع للعمل أو بشيء من هذا القبيل.

بيغي أولسون تلعب دورها Elisabeth Moss                                             بيغي هي السكرتيرة الجديدة التي تدخل على الوكالة في بداية المسلسل وتأخذ محلها كسكريتيرة دون ولكن بيغي ليست ككل السكرتيرات وليست ككل الفتيات فهي قادمة من عائلة محافظة نوعاً ما وترى الأمور بمنظورها فتجدها محافظة باللباس ولا تتفنن في اظهار مفاتنها وتنظر للعمل بجدية تماة بل يمكنك ببساطة أن تنظر لها على أنّها رجل من كثرة جديتها أحياناً، تنظر لدون نظرة معينة نظرة شخص لتتطلع اليه خاصةً وأنّها تعرف أنه لم يدرس بجامعة معينة بل كون نفسه من الصفر وهي أيضاً فهي خريجة معهد لتدريب السكرتيرات ومع ذلك لا يبدو أنها تنظر لهذا العمل على أنّه مستقبلها بل تطمح للمزيد بيغي ليست بمعتادة على المدينة و“رجال المدينة“ وذلك يُسبب لها الكثير من المشاكل التي قد تجعلها تتسائل مالذي وضعت نفسها فيه ولماذا هنالك أناس يتصرفون بهذه الطريقة؟ هل المرأة مجرد جسد لتقضي معه ليلة؟ تحاول اثبات عكس ذلك ومن يدري ربما تنجح في ذلك.

جون هاريس تلعب دورها Christina Hendricks

جون هي المسؤولة عن السكرتيرات والأعمال المكتبية في وكالة ”سترلينغ كوبر“ يمكنك ان تقول أنّها الصهباء التي لا يمكنك أبداً أن تكرهها، لديها تلك الشخصية الجذابة جداً بالاضافة لجمالها الآخاذ وبالطبع خبرتها بالتعامل مع الناس كل هذه الأمور تجعل لها كاريزما خاصة فهي ربما تبحث عن الاستقرار وتكوين عائلة فهذا حلم كل فتاة في النهاية ولكن يبدو أنّها لم تُحسن اختيار الرجل مع ذلك جون الشركة بدونها قد لا تُصبح على ما هي عليه فهي مختصة بتنظيم المكاتب والحفلات داخل المكتب بالطبع هذا رفقة حياتها الشخصية التي لا تخلو من المشاكل.

 

 

 بيتر كامبل يلعب دوره Vincent Kartheiser

بيتر هو أحد مديري الحسابات وعمله ببساطة يتمحور حول مقابلة العملاء واقناعهم بالوكالة ليتولى دون والبقية عملية اقناعهم بأن الوكالة الأفضل لتمثلهم ويبقى بيتر مع العميل ويوفر له كل سبل الراحة من عشاء في أماكن فاخرة إلى أمور آخرى كثيرة منها توفير النساء وما إلى ذلك، بيتر يبدو على وشك الزواج ويتطلع لتكوين عائلة وذلك يجعله يتطلع إلى المستقبل ويرى في نفسه الامكانية لأن يُصبح مسؤول ربما أو شيء أكبر في الوكالة وبذلك يحاول كغيره التقرب من دون نوعاً ما رغم انه لا يُحبه.

 

 

 

 روجير سترلينغ يلعب دوره John Slattery

روجير هو أحد الشركاء في ”سترلينغ كوبر“ كما هو واضح سترلينغ تُشير اليه هو شخص متزوج ولديه فتاة شابة ومع ذلك سكيّر لا يمل من الشرب والنساء روجير أيضاً مدير حسابات وهو مدير أهم حساب في الوكالة شركة السجائر ”لاكي سترايك“ ولديه معرفة كبيرة بالتعامل مع العملاء وكيفية اعطائهم اللازم، علاقته جيدة بدون نوعاً ما فهو يحترم ذلك الشخص المبدع الذي يُوفر له الكثير من الأفكار الابداعية التي تقوم عليها الشركة. 

بناء الشخصيات أحد أكثر ما يُميز هذا العمل تشعر وكأن الشخصيات لها تُبنى سنوات قبيل بدأ التفكير بالعمل حتى وكأن الشخصيات لها مغلف لوحدها كل شخص وتاريخه وأسبابه وحياته، بناء الشخصيات أحد أكثر الأمور الجذابة بالمسلسل والتي تجعل المسلسل قريب إلى القلب فتشعر بأن هذه الشخصيات في مرحلة من المراحل مرت بمشاكل يمر بها أي شخص ويقدم لك المسلسل هذا الشيء بطريقة متفردة جداً فاستطاع الكتاب أن يخصصوا جزء كافي جداً لكل شخصية لتقدم لنا نفسها بقوة وتقدم لنا معناتها مع الحياة والفضل كل الفضل لهذا للكتاب وعلى رأسهم بالطبع الكبير ماثيو.

أكثر ما ميّز المسلسل لاشك أنّه هذا المبدع، هذا المبدع ليس لديه أي تجارب ”ابتكارية“ قبل Mad Men أكبر أعماله كان المشاركة كمنتج منفذ وكاتب في الموسمين الأخيرين من السوبرانوس ولكن استطاع هذا المبدع أن يقدم لنا ابداع منقطع النظير في هذا المسلسل قدم لنا حبكة خارقة للعادة مدحها لن يكفي فبين ماديسون آفينو وبين حياة دون وبين ماضي دون ومع كل هذا وجد المساحة الكافية للابداع والامتاع والاقناع والدخول في ماضي الشخصيات واعطائها المساحة المناسبة.

من جهة آخرى كان الابداع منقطع النظير فيها فقدم لنا ماثيو حوارات آخاذة تسحرك بسهولتها وبساطتها عند النظر لها ولكن عند التمعن ستشعر بالابداع في المحتوى ستشعر بالقيمة التي تحويها الحوارات بالقيمة الانسانية التي تمثلها الحوارات، تشعر بنفسك تسبح في محيط كبير ومع ذلك لا تتعب بل أنتَ مُستمتع أشد الاستمتاع بما تشاهده وترى شخصيات قريبة من القلب شخصيات قد تواكبها بحياتك شخصيات قدمها ماثيو بشكل لا يمكن أن يُقدمها شخص غيره بنفس الجودة.

ما يُميز ماثيو أيضاً المواكبة للأحداث العالمية والمحلية من حروب وأزمات والتنقل بالسنوات في البداية كنت أنظر للأمر من جهة معينة ولكن فيما بعد اتضحت لديَّ الرؤية ما فعله ماثيو ليس بالسهل أبداً خلال 5 مواسم عبرنا تقريباً 7 سنوات وهذا شيء كبير جداً استطاع ماثيو أن يخلق التفسيرات المناسبة لاحداث معينة وربطها بالأحداث العامة التي تعيشها البلاد وذلك الربط كان موفقاً بقوة استطاع أن يجعل هذا الشيء قوة للمسلسل لتُزيد من المحاكاة الواقعية للأحداث.

الواقعية الساحرة بالتصوير بالعودة لذلك الزمن من البيئة العامة بأكملها للأجواء الأمريكية بين حال البلاد وبين التحولات السياسية والاقتصادية وبين دعايات القنوات والشوارع كل هذه الأمور مثلها المسلسل وكتابه بقوة في المسلسل فأعادنا لتلك الحقبة وأمتعنا بها.

الطاقم التمثيلي للعمل كان رائعاً بحق أحد أفضل الطواقم في التلفاز الأمريكي على الاطلاق التنوع بالشخصيات القدرة الكبيرة على التقمص رغم التنوع ورغم التعقيدات كل شخصية كان لها جوانب عديدة ومع ذلك استطاع الطاقم أن يُنفذ ذلك بطريقة ممتازة، أحد الأمور التي قد تتفاجئ بشأنها هي أنه لا يوجد في المسلسل ”بروفات“ للمشاهد كما يقول جون هام التلفاز يختلف عن الأفلام لأنّه عبارة عن قطار يواصل التحرك لا تستطيع أن توقفه بينما تقول كرستينا أن البروفة بالنسبة لهم كانت الجلسة التي يجلسونها مع كاتب العمل قبل التصوير وبعد أخذ السيناريوهات لكي يتناقشوا بالعمل كل منهم كان يؤدي عمله بحرفية كبيرة يدرس الشخصية ويتناقلون من بعضهم البعض بضعة نصائح تجعل الأمر يظهر على الشاشة بتناغم مميز جداً، الطاقم التمثيلي قدم ثيمة الستينات بشكل ممتاز.

خلف الكواليس هنالك عمل كبير جداً من مكاياج وأزياء عمل رائع جداً، عمل يجعلك حقاً تقدره لأن من دونه ما كان المسلسل سيكون كما هو الأزياء تُدخل المشاهد بالأجواء رفقة الديكور الداخلي الخارق للعادة بطبيعة الحال ربما لو كان المسلسل على قناة ”برميوم كيبل“ مثل HBO مثلاً كنا سنرى صرف أكبر من هذا وسنرى أفضل ولكن ما حاجاتنا للأفضل مازال المسلسل يقدم لنا الابداع حتى وهو على قناة ”بيسك كيبل“ ومحظوظة هي AMC بينلها لهذا المسلسل الرائع. 

مهما تحدثت فلن أُعطي المسلسل حقه ولن أُعطي ماثيو واينر حقه، أمام هذا الابداع لا يمكنك سوى الصمت وهذا ما كنتُ أفعله في السنوات القليلة الماضية لا أستطيع التحدث عن مثل هذا الابداع فأنا سأبخسه حقه ولكن مع قرب الموسم السادس من البداية الحنين للماضي عاد والحنين لأفضل مسلسل على التلفاز عاد ولابد من الكتابة عنه، ماثيو واينر واحد من خيرة كتاب التلفاز ومن أفضلهم نشكر ديفيد تشايس على فرصة تقديمه لنا في ذا سوبرانوس ثم نشكر AMC لدخولها عالم المسلسلات الأصلية في الوقت المناسب لتعرض لنا هذه الرائعة، ماثيو كان قد أعلن أنه يرى أن الموسم السابع سيكون الأخير في هذا الشأن لابد عن الحديث عن ماثيو وعن ما يُميزه معروف عنه أنّه عندما يبدأ موسم يفكر في النهاية لأنّه حسب قوله يُريد أن يُعطي الجمهور قصة كاملة وليس قصة ناقصة ولكن بنفس الوقت لا يفكر بالمواسم التالية وهذا الشيء ظهر بالفعل وقدم لنا مواسم متكاملة للغاية، رغم كل التراهات التي نراها كل يوم على التلفاز الأمريكي والأفكار المكررة يقول البعض أن ماد مين أحد الأشياء التي تجعلك تنسى كل ذلك وتُذكرك بمدى الابداع الذي من الممكن أن يقدمه التلفاز الأمريكي وأنا أتفق بشدة مع هذا الكلام

من أكثر المسلسلات المتكاملة في التلفاز الأمريكي على الإطلاق ننتظر بحرقة الموسم السادس الذي سيُذاع الأحد القادم ولا يمكن أن نكون متحمسين أكثر من ذلك.