جميعنا نعرف مدى جودة هذا المسلسل، الكلام عنه لن يوفيه حقه بالمرة، عندما يتعلق الأمر بالتلفاز، فهذا المسلسل بالذات أعاد تعريف التلفاز بمجمله، أعاد تقديم التلفاز، المسلسل الذي كان البوابة الأولى لشخصيات الـ“آنتاي هيرو“ الذي من الممكن أن نقول أنّها عكس البطل الأسطوري الجيد الخيّر، ديفيد تشايس عام 1997 قرر أن يكتب ذلك البايلوت عن هذه الشخصية الواقعية للغاية بطريقة مبتكرة للغاية ولم يكن يعتقد أبداً أحد أنَّ المسلسل سيصل إلى ما هو عليه، مسيرة ديفيد تشايس ممكن أن تكتفي بـThe Sopranos وحده إن شاء فتلك الأسطورة ستبقى على قيد الحياة طالما التلفاز موجود، هذا المسلسل باختصار كان عبارة عن شيء مختلف للغاية في وقته ومن بعده فُتح الباب لمسلسلات عديدة لتبني عليه، في النهاية اتضح أنَّ الناس تحب أن تشاهد أشياء واقعية وليس مجرد هراء الأبطال الخارقين للعادة، اتضح أنَّ الناس تحب أن تشاهد تلك الشخصيات المعقدة والمكتوبة بحرفية عالية فهم في النهاية يفهمونها وليس مجرد مشاهدين أغبياء، نحن أمام آل سوبرانو مسلسل غيّر التاريخ وسيبقى علامة فارقة في التاريخ، نحن أمام أفضل مسلسل مكتوب على الاطلاق ربما، نحن أمام أرث سيبقى للأبد.

آل سوبرانو 

المسلسل بشكل عام يتحدث عن توني سوبرانو، زعيم العصابات الايطالية في الزمن الحديث في مدينة نيوجيرسي، ولكن المسلسل لا يتمحور فقط حول تلك النظرة الأولية التي سترتسم في مخيلتك عندما أقول عصابات، الأمر معقد أكثر من ذلك بكثير، القصة تتمحور حول عائلة سوبرانو الشخصية وأهله وبنفس الوقت عائلته العصابية، القصة بما فيها تدخل في خلجات نفسية توني سوبرانو الذي يعاني من ما يمكن تسميته بأزمات فزع، بحيث فجأةً قد يغمى عليه كل شيء في جسده سليم، ضغط الدم، القلب كل شيء ولكن مع ذلك هنالك هذه المشكلة، من الطبيعي أن يتم تشخيص الحالة على أنّها نفسية ليذهب توني سوبرانو إلى طبيبة نفسية تدعى جينفر ميلفي لتبدأ من هناك الأحداث، بين حياة توني المعقدة للغاية العائلية مع زوجته كارميلا وابنته ميدو وابنه انثوني جونيور ومع عمه كورادو جونيور وأمه ليفيا وبين حياته مع عائلته الاجرامية بولي وسيلفيو وكرستوفر، القصة تغوص في أعماق الحياة الأمريكية اليومية للبشر قبل هؤلاء ذوي الأصول الايطالية، المسلسل يذهب ليتحدث عن الحياة اليومية للمجتمع الأمريكي بشكل عام ويخصص اولئك ذوي الأصول الايطالية أبطال المسلسل وحياتهم اليومية المعقدة بين الشرطة والتعرض للقتل والمعاناة العائلية التي لا تنتهي.

الطاقم

ربما أهم ما يميز هذا المسلسل هي هذه المجموعة الرائعة، كمية الابداع المتواجدة في هذا الطاقم غير طبيعية، الكاستنغ أصر على أن يختار ذوي الأصول الايطالية في الأدوار، فكل ممثل تراه يمثل شخصية ذات أصول ايطالية بالمسلسل له أصول ايطالية في الواقع، بدايةً من نجمة المسلسل ايدي فالكو التي والدها ايطالي الأصول انتهاءً حتى بالشخصيات الجانبية مثل ستيف بوشيمي الذي كان هو الآخر والده ذو أصول أيطالية، هذا الأمر كان بالطبع بسبب أصول ديفيد تشايس مبتكر المسلسل الايطالية، الرجل أراد أن يجعل هذا المسلسل واقعي لتلك الدرجة بأن أبسط الأمور تكون واقعية، انعكاس هذا الأمر على المسلسل بأنَّ طاقم المسلسل واحد من أفضل الطواقم على الاطلاق، تتحدث عن ابداع متناهي بتواجد العبقري جيمس غاندولفيني والمبدعة ايدي فالكو والرائع مايكل امبيرولي والبقية الباقية مثل دريا دي ماتيو ودومينك كيانيسي وستيفن فان زاندت، ذلك الأمر جعل طاقم هذا المسلسل كالعائلة الواحدة مما أستطاع أن يقدم لنا تلك الكتابة الحرفية للمسلسل، كتابة المسلسل الرائعة ما كانت ليتم تمثيلها بشكل أفضل من الشكل الذي قدمه هذا الطاقم الرائع.

جيمس غاندولفيني – توني سوبرانو

هذا الرجل يمكنه أن يمثل مشهد بأكمله بعينيه فقط، لن اكذب إن قلت أنه برأيي الشخصي عندما يتعلق الأمر بالأداءات الذكورية في التلفاز فجيمس غاندولفيني هو أفضل أداء ذكوري على الاطلاق، نعم هو الأفضل، هذا الرجل عينيه بإمكانها أن تنطق لوحدها عن مدى السواد والمعاناة بداخل تلك الشخصية المعقدة للغاية توني سوبرانو، كيف يمكن أن يصل امرءٍ لتلك المرحلة من الابداع، حقاً لا يمكنني تصور ذلك، رغم أنَّ هذه الشخصية عانت من ماضي أليم مع العائلة وحتى مازالت تعاني من حاضر أليم للغاية مع العائلة ترى تلك الشخصية تواصل عيش حياتها وجيمس غاندولفيني يواصل يقدم لك فصولاً من الابداع في ذلك، روبيرت إيلر (انثوني جونيور) يقول أنّه أحياناً كان يكون في الكواليس وليس لديه مشهد يذهب ليشاهد تصوير مشاهد فيها جيمس غاندولفيني وايدي فالكو فعلى حد قوله تلك كانت بالنسبة له أفضل دروس تمثيلية على الاطلاق، جيمس غاندولفيني قدم لنا دورساً تمثيلية عددية جعلت هذا الرجل عبقري متفرد للغاية، يستطيع أن يقدم لك مشاهد الحب ومشاهد الكره، مشاهد الفرح ومشاهد الحزن، مشاهد الغصب ويالها من مشاهد تلك المشاهد التي قدمها لنا جيمس غاندولفيني بشخصية توني الغاصب ومشاهد الهدوء، يمكن أن يمثل مشاهداً كاملاً بدون أن يتكلم وستبقى تعرف ما يود قوله، هذا الرجل عندما جاء في الكاستنغ للمسلسل ترك القراءة في منتصفها وقال (لا لا، هذا غير صحيح، أنا أفعل ذلك بشكل خاطئ) وقام ورحل من مكانه، يال هذا التفاني، يعرف أنَّ لديه الأفضل وبالفعل قدم لنا الأفضل ، مع تغيرات الشخصية عبر المواسم استطاع جيمس أن يحافظ على نفسه وعلى ابداعه ليقدم لنا توني سوبرانو بكل حالاته وبكل مشهد أبدع جيمس أكثر من المشهد الذي سبقه، رحيل هذا الرجل له أثر كبير، فهو على المستوى الشخصي كما يقول زملاءه عبارة عن شخص رائع للغاية، شكراً جيمس غاندولفيني حقاً.

ايدي فالكو – كارميلا سوبرانو

أحد أكثر الامور الرائعة المميزة في هذا المسلسل هي هذه الممثلة، لا أعلم حقاً كيف يمكن لأداء نسائي أن يصل إلى هذه المرحلة من الكمالية، ايدي عكس جيمس حسب ديفيد تشايس، جيمس كان يعاند ويناقش عندما يتعلق الأمر بالسكربت ولماذا توني فعل ذلك ولماذا يقول هكذا وما إلى ذلك، ايدي كانت صامتة للغاية حسب ديفيد تشايس فهي تقرأ السكربت تحفظه وتبدأ بتمثيله، تلك النزعة التي لدى هذه المرأة غير طبيعية بالمرة، من كان يعتقد أنَّ بإمكان ممثلة أن تصل لهذه المرحلة من الكمال التمثيلي، رغم أنَّ شخصيتها قد تبدو أحياناً بسيطة، ولكن تلك البساطة من الصعب جداً أن يتم تمثيلها بتلك الجودة الرائعة، أيدي فالكو أضافت حقاً للشخصية وقدمتها بشكل أفضل من أي أحد آخر، شخصية زوجة زعيم العصابة التي تحاول أن تحافظ على عائلتها وزواجها رغم أنّها تعرف أن زوجها ليس رجل مخلص نوعاً ما، رغم أنّها تعرف من هو زوجها وكيف يقتات عيشه ولكن كل تلك التناقضات الداخلية والمعاناة جعلت من هذه الشخصية، شخصية للتاريخ، مع مرور المواسم وتغير شخصية كارميلا استطاعت ايدي أن تبقى على نفس الوتيرة وأن تقدم لنا واحد من أفضل الاداءات الانثوية بتاريخ التلفاز الأمريكي إن لم يكن أفضلهم على الاطلاق.

دكتور ميلفي

أحد أبرز ما يمثل هذا المسلسل هو هذه الشخصية وهذه الجلسة بين توني والدكتورة ميلفي، هذه الجلسة كانت تبين لنا الجزء الآخر من توني، الجزء الذي لا يعرفه أحد، توني كان أكثر صراحةً من أي مكان آخر مع الدكتورة جينفر، في هذا المكان توني كان يبين لنا وجهة نظره للحياة المعقدة وكيف يعيشها، كان أكثر غضباً من أي مكان آخر في بعض الأحيان وكان الأسعد في أحيان آخرى، هذا المكان أعطى لهذا المسلسل طابعاً خاصاً، فنحن في النهاية لا نرى فقط حياة توني الاجرامية وحياة توني العائلية، نحن نرى ما بداخل توني، معاناة توني، وبنفس الوقت رأي توني في الأحداث العامة التي تحدث من حوله، هذا الأمر جعل لهذا المسلسل ميزة عن غيره من المسلسلات، واستطاعت بجدارة أن تمثل لورين براكو – المرشحة للأوسكار عن دورها في Goodfellas –  شخصية الدكتورة بشكل ممتاز.

ليفيا

ربما يتسائل أخدهم لماذا خصصت لهذه الشخصية بالذات دوناً عن غيرها فقرة خاصة، في الواقع هي أساس المسلسل، فكرة المسلسل نشأت من علاقة سيئة على حد تعبير ديفيد تشايس بينه وبين والدته التي تحمل نفس الاسم بالمناسبة ”ليفيا“، زوجة ديفيد قالت له ذات مرة لماذا لا تكتب عن علاقتك بوالدتك ولكن من سيكون مهتم بمشاهدة شيء عن منتج تلفزي وعلاقته بوالدته في فترة ما جائت فكرة ديفيد أن يضع تلك الشخصية لتكون أم لرجل عصابات هو توني، أهمية هذه الشخصية بالنسبة لي من أهم الشخصيات المركزية في المسلسل فالمسلسل تمحور بشكل كبير حولها ولو لا مرضها لما كنا سنراها تبتعتد شيئاً فشيئاً عن المسلسل حتى وفاتها، ربما كان المسلسل ليتجه نحو مكان آخر بتواجدها فهي دائماً ما كانت نقطة ضعف كبيرة للغاية لتوني، علاقتها به مكتوبة بطريقة ربما لا يستسيغها الكثيرون ولكنها واقعية لدرجة كبيرة للغاية وبنفس الوقت محورية في حياة توني، ذلك الرجل الذي قد يفعل أي شيء يريده أمام أي أحد ولكن عندما يتعلق الامر بأمه فهو ضعيف للغاية وفي النهاية دائماً ما كان يرى في نفسه الخلل ويحاول أن يبرر لأمه خاصةً فيما بعد عندما استمرت الأحداث، هذه الشخصية بالنسبة لي أحد أهم شخصيات المسلسل وناني لعبتها بشكل رائع للغاية.

جانيس

شخصية آخرى قد يراها البعض جانبية ولكنني أراها مهمة للغاية في النهاية هذا المسلسل يتمحور بشكل كبير حول العائلة لذا كان من المهم أن نرى شخصية تعوض اختفاء ليفيا الأم بعد أحداث الموسم الأول وجود جانيس كان مهم للغاية، ربما من أكثر الشخصيات الواقعية التي رأيتها في حياتي، لا أعلم لماذا ولكن هذه الشخصية بالذات تمتلك بداخلها كمية واقعية غريبة للغاية، انتهازية، سيئة، تمثل الاهتمام والأهمية كل هذه الصفات موجودة للغاية في شخصيات عديدة نعرفها في حياتنا وربما شخصياً رأيت شخصية في حياتي قريبة للغاية بحيث أول مشهد شاهدت فيه جانيس تذكرت تلك الشخصية، هذه هي جمالية هذا المسلسل أنَّ هذه الشخصيات هي تلك الشخصيات التي تراها في حياتك وتتأثر بتواجدها دائماً فهي موجودة وحقيقية وهذا هو جمالية هذه الشخصية، جانيس مثلت تحدي كبير لتوني في المسلسل وتواجدها كان مهم للغاية وأعطى أبعاداً آخرى للمسلسل ومع ذلك كنا نرى تلك الجلسات بينها وبين توني وتلك النقاشات والجدالات، جودة هذا المسلسل في مثل هذه الأمور التي قد تعتبر صغيرة ولكنها كبيرة للغاية.

عرآب التلفاز

أقل كلمة ممكن تصف بها هذا الكائن، أفضل كاتب ربما في تاريخ المسلسلات الأمريكية بجانب ديفيد سايمون – مبدع The Wire – ولكن الأمر مع تشايس مختلف عن غيره، هذا الرجل كان عبارة عن شخص استطاع أن يكتب شيء ما كان يتوقع أحد أن يكون مقبول لدى الجمهور ولكن استطاع ببساطة أن يكتب عرآب التلفاز، إذا كانت السينما تحتفي بـThe Godfather وأنّه أحد أفضل أفلامها نحن جماعة التلفاز نحتفي بـThe Sopranos أنّه أحد أكثر أعمالنا تكاملاً، هذا الرجل كان جدي بشكل يجعلك ترى الأمور بشكل مختلف عن أي شيء قبله، استطاع هذا الرجل أن يثبت للجميع أن كتابة الأحداث الواقعية هي الأصعب على الاطلاق وأنَّ لا أحد يجيد أن يفعل تلك سوى هو، عن النهاية المشهورة قال ماثيو واينر – مبدع Mad Men – أنّه يعتقد بشكل أو بآخر أنّ النهاية عبارة عن (Fu*k You) للناس التي كانت تشكك بالسوبرانوس يقول وكأنها رسالة من ديفيد تشايس للناس، هاكم لا مزيد من التلفاز بعد الآن، التلفاز انتهى واصبح شاشة سوداء، ربما نتفق فالتلفاز قبل السوبرانوس مختلف للغاية وبعد السوبرانوس أصبح مختلف للغاية، الابداع لم ينقطع بنهاية ذو سوبرانوس ولكن استطاع هذا المسلسل بفضل هذا العبقري عن طريق 6 مواسم أن يقدم رائعة لا مثيل لها، كل شيء جيد فيما سبق كان يفشل في غالب الأحيان لأنَّ الناس لم تفهم محتواه، هذه كانت معضلة كبيرة للكتاب ومحل جدال كبير، ولكن السوبرانوس استطاع رغم أنّه بكل تلك الجودة الكبيرة استطاع أن ينجح ذلك النجاح الرهيب، هذا الشيء الذي ربما سيبقى الناس يتحدثون عنه حتى أمد بعيد، شكراً ديفيد تشايس وأتمنى أن أراك مجدداً في عمل تلفزي آخر قبل أن توافيك المنية.

ارث هذا الرجل

جمالية هذا المسلسل أنّه قدم لنا هذان العبقريان برأيي الشخصي، ترينيس وينتر – كاتب Boardwalk Empire – وماثيو واينر – كاتب Mad Men – هذان الرجلان كانا ضمن الطاقم الكتابي والانتاجي للمسلسل واستطاعا أن يتسلقا السلم شيئاً فشيئاً ليصبحوا كتاب مهمين للغاية في المسلسل، كلاهما كان يعرف موضوع النهاية في منتصف الموسم الخامس، ديفيد تشايس أخبرهم عن النهاية منذ ذلك الوقت، هذان الرجلان كان لديهام شغف كبير للعمل مع هذا الرجل، تيري وينتر كان يتناقش مع فرانك رينزولي – أحد كتاب المسلسل في المواسم الأولى – قبل أن ينضم فيما بعد للمسلسل ولطاقم كتابه ويتسلق السلم حتى اصبح منتج منفذ وثاني أكثر كاتب حلقات بواقع 25 حلقة، تيري استطاع أن يفوز بـجائزتين أيمي في فئة الكتابة عن الحلقتين Long Term Parking وMember’s Only، هذا الكاتب المبدع استطاع أن يحمل ارث السوبرانوس معه حتى Boardwalk Empire واستطاع أن يقدم لنا دراما عصابات آخرى فخمة للغاية، والفضل لديفيد تشايس هذا مؤكد، بينما مات واينر هو يقول بنفسه أنّه لو لم يكن قد حصل على مكان مع ديفيد تشايس في السوبرانوس كان سيكون مجرد ”كاتب سيء“ يميل للأشياء المعتادة، ولكن ديفيد تشايس علمه الواقعية أصعب شيء وعلمه كيف يكتب قصة بشخصيات مميزة وهو مدين للغاية لديفيد تشايس، برأيي أن حامل راية ديفيد تشايس هو مات واينر فهو أفضل كاتب يكتب في التلفاز بعد ديفيد تشايس وMad Men عبارة عن رائعة من روائع التلفاز والفضل كل الفضل لديفيد تشايس الذي قدم لنا الرائع مات واينر.
ثم هنالك تيم فان باتين، آلن تيلور، آلن كولتر وآخرين، نحن ندين للسوبرانوس بأنّه قدم لنا كل هؤلاء المبدعين في عديد المجالات، هذه قيمة السوبرانوس أنّه لم يكتفي بتقديم الابداع على التلفاز بل قدم لنا أشخاص قاموا بالعمل مع ديفيد تشايس واستطاعوا بعد ذلك أن يحملوا أرث هذا الرجل وهذا المسلسل ليقدموا لنا مسلسلات بجودة لم نكن لنتخيلها ليغيروا ملامح التلفاز للأبد، شكراً مجدداً ديفيد تشايس.

النهاية اللعينة

برأيي لا تهم النهاية بقدر ما تهم الرحلة، لستُ حقاً من النوعية التي تبحث عن خاتمة، ولكن فقط أقول أنني أتفق مع تيري وينتر ومات واينر هو أنَّ هذه هي حياة توني سوبرانو، لن يستطيع الخروج مع عائلته لتناول وجبة طعام بدون أن يناظر من حوله، ربما يقبض عليه وربما يقتل وربما يبقى حياً، إن لم يحدث ذلك اليوم سيحدث في يوم آخر، هذه هي حياته الآن وستبقى هكذا هي حياته، بالنسبة للأغنية فهي كانت وليدة اللحظة قبل اسبوع من تصوير الحلقة الأخيرة الاغنية سمعها ديفيد تشايس وبقيت عالقة في ذهنه وقال لتيري وينتر عليها وتيري قال ربما هي علامة ووضعوها في المشهد الأخير، الناس تحدثت كثيراً عن النهاية وبرأيي أنّها نهاية ذكية للغاية من ديفيد تشايس فهي باختصار مختلفة بعض الشيء وجعلت المسلسل يبقى حتى بعد سنوات من نهايته الناس تتحدث عنه، هذه أحد الأمور التي ستُبقي ذا سوبرانوس في التاريخ التلفزي.

HBO

أتش بي أو كانت لا شيء بدون السوبرانوس وهي تدين للغاية لديفيد تشايس لما قدمه لها، ولكن بنفس الوقت السوبرانوس يدين لأتش بي أو بأنها وثقت به وقدمته للعالم، هذه العلاقة المميزة بين المسلسل وأتش بي أو كانت مميزة للغاية فالقناة ما كانت لتصبح على ما هي عليه الآن بدون هذا المسلسل ومثل قصة Mad Men وAMC ، لولا هذه القناة ما كان ليكون هنالك مسلسل، أيضاً علاقة القناة بالمسلسل طوال تلك السنوات كانت علاقة رائعة، القناة دعمت المسلسل وطاقمه كما لم يحدث من قبل، المسلسل تعرض لهجوم شديد على المحتوى الذي قدمه بسبب أنّه ربما لم يكن معتاد في تلك الفترة سواء من عنف أو مشاهد معينة أو حتى الشكل الذي أظهر به ذوي الأصول الايطالية وهذا ما أغضب حقاً ذوي الأصول الايطالية في أمريكا لأنَّ المسلسل برأيهم كان يدعم الصورة النمطية المرسومة في الأذهان للشعب الايطالي أنّه مجرم بطبيعته وما إلى ذلك والقناة لم تقف ضد المسلسل أبداً بل وقفت معه في كل تلك الادعاءات ودعمته حتى النهاية، حتى عندما تأخر المسلسل في توفير الحلقات والتوقف الذي حدث بين الموسم الثالث والرابع القناة دعمت المسلسل ووقفت مع ديفيد تشايس فيه وهذا يحسب للقناة بالطبع، في النهاية عندما نتحدث عن اتش بي أو فحديثنا دائماً سيبقى يذكر معه ذا سوبرانوس، هذان الاسمان سيبقيان مقترنان إلى الأبد ببعضهما البعض، شكراً أتش بي أو.

---

في النهاية، نحن أمام أحد أفضل 3 أعمال تلفزية في تاريخ التلفاز الأمريكي برأيي، هذا مؤكد وغير قابل للنقاش، نحن نتحدث عن مسلسل حاز 21 جائزة أيمي 6 منها في فئات الكتابة و2 منها في فئة أفضل مسلسل، 3 منها في فئة أفضل ممثل رئيسي لجيمس غاندولفيني و3 منها في فئة أفضل ممثلة رئيسية للمبدعة ايدي فالكو و2 منها في الفئتين أفضل ممثل وممثلة ثانوية لمايكل امبيريولي ودريا دي ماتيو، في النهاية نحن أمام مسلسل صنفته نقابة الكتاب الامريكية على أنّه أفضل مسلسل في التاريخ كتابياً في قائمتها المكونة من 101 مسلسل، في النهاية نحن أمام مسلسل صنفته الغارديان أنّه أفضل مسلسل على الاطلاق في قائمتها المكونة من 50 مسلسل، في النهاية نحن أمام مسلسلل فتح الباب لعديد المسلسلات مثل Breaking Bad وMad Men و Boardwalk Empire وDexter لتقدم ما في جعبتها دون خوف كبير فهم يعرفون أنَّ المشاهد ليس غبي كما كانوا يظنون وحتى لو أعجبوا بتلك المسلسلات للأسباب الخاطئة، من دون ذا سوبرانوس ما كان ليكون التلفاز على ما هو عليه الآن هذا مؤكد.