ربما مقالتي متأخرة بعض الشيء، ولكن هذه عادتي لا أحب أن أسير مع الركب وامشي بسرعة، أحب أن أقيم ما أشاهده بهدوء وبعيداً عن الهبرجة، عنوان المقال يتبعه كلمة الموسم الأول، لأنّه كما نعرف المسلسل سيتمحور كل موسم حول قصة لذا هذه المقالة تقييماً للموسم الأول الذي انتهى عرضه منذ بضعة أشهر، كنا قد وضعناه ضمن قائمتنا لأفضل 15 دراما وكتبت فقرته بنفسي، ومازلت مقتنع أنّه من أفضل انتاجات العام على المستوى الدرامي وأنّه يستحق أن يصنف من ضمن أفضل الأعمال القصيرة في آخر بضعة سنين خاصةً على المستوى التمثيلي.
القصة
القصة بدأت من هنا، من هذا المشهد الذي تراه في الأعلى، الرجل على اليمين يبدو لنا وأنّه شخص مثير للاهتمام حقاً قاتل مأجور يدخل المشفى بسبب حادث سير بسيط والرجل على اليسار مجرد رجل عادي جداً من النوعية التي كان يتنمر عليها الأطفال في صغرهم ومازال رغم انه اصبح رجل متزوج مازال ضعيف، جبان، لا يقوى على فعل شيء، ضربه أحد زملائه السابقين في الدراسة الذي تعود ان يتنمر عليه فدخل المشفى وهناك تقابلا وأصبح الحديث بينهما فسأل الرجل على اليمين سؤال بسيط لـ (ليستر نيغارد) قائلاً لو كنت انا مكانك واعتدى عليَّ ذلك الرجل وقال ذلك الكلام الذي قاله كنت سأقتله، يتداول الكلام حول سام هيس الرجل الذي ضرب ليستر ويفاجئ الأخ الذي على اليمين ليستر بقوله قولي إن كنت تريدني أن أقتله، ليستر يتفاجئ ما بال هذا الرجل؟ هل هو مجنون، ليستر يقول نعم ويتركه ليذهب ليقابل الطبيب ومن هناك تبدأ قصة لورين مالفو – يسار الصورة – الرجل الذي قلب مدينة بيمجي رأساً على عقب في عام 2006.
القصة استوحاها الكاتب نوا هاولي من الفيلم الشهير للأخوين كوين الذي يحمل نفس الاسم، وسأتطرق في فقرة كاملة حول مقارنة بين المسلسل والفيلم والنفحة التي أخذها الكاتب من الفيلم.
الشخصيات
من أكثر ما يميز المسلسل هو هذه الشخصيات والتي لعبها باتقان ممثليها، حديثنا عن المبدع بيلي بوب ثورنتون وعن الرائع مارتن فريمان وعن المميزان للغاية برأيي راسل هارفارد وآدم غولدبيرغ والمميزة آليسون تلومان، من أكثر ما ميز هذا المسلسل هو هذه الشخصيات، رغم أنّها لم تكن مكتوبة بشكل حرفي للغاية ورغم أنَّ التركيز كان على الأحداث نسبيـاً أكثر منه على الشخصيات، ولكن ممثلي هذا المسلسل استطاعوا أن يوصلوا قيمة هذه الشخصيات بشكل عالي للغاية، تمثيل ممتاز من هؤلاء المبدعين، بيلي بوب ثورنتون مثل شخصية القاتل بشكل رائع للغاية، شخص بارد الدم لا يهمه أحد القتل عنده أسهل من شرب الماء ومع ذلك ذكي للغاية ويعرف ما يفعله ويستغل دائماً ابسط الفرص ليثبت انه شخص بدون احساس، عاش حياته كمجرم وسيبقى مجرم، كلمات بسيطة سريعة سلسة، تبين لك مدى بساطة هذا الشخص وما يفعله يجعلك، مجرد شكله وطريقة كلامه وتعابير وجهه تجعلك تخاف منه، على الجانب الآخر فريمان قدم لنا شخصية ليستر بامتياز الجبان الخائف، الذي فجأةً القدر قاده ليصبح شخص مختلف تماماً عن الشخص الذي أراده، أخرج كل معاناته شيئاً فشيئاً وبدأ ذكاءه يعمل بطريقة مفيدة لنفسه وليس مجرد شخص يكمل حياته الروتينية اليومية بكل رتابة، اما شخصية مولي التي قدمتها اليسون فكانت شخصية بسيطة نسبيـاً ومهمة طبعاً للبناء الدرامي تلك الشخصية التي ترى شيئاً ما تعرف انه صحيح ولكن من حولها لا يرى ذلك وحتى تمر الحلقات تستمر القصة وكيف في النهاية نحن جميعاً نعلم انها محقة فكل شيء حدث أمامنا ولكن كيف يمكن أن تقنع من حولها، شخصيات رائعة قدمت لنا كل في قالبه خدمت احداث المسلسل بالدرجة الاولى ولم نستطع ربما الدخول في خلجات كل شخصية على حدى لأنَّ عدد الحلقات كان قليل والمسلسل كان يتمحور حول حدث معين هو ما الحدث الذي رأيناه في البايلوت لذا واكب القصة كلها من أجل ذلك الحدث.
نوا هاولي – كاتب الأحداث
هاولي هو ذلك الرجل الذي يحمل التمثال، لم يفز بجائزة أفضل كتابة بل استلم جائزة افضل مسلسل قصير بالنيابة عن بقية الطاقم، نوا كاتب جيد جداً، كاتب أحداث جيد جداً، أعني اعطه قصة يستطيع أن يسردها لك بشكل ممتاز ولكن لا تتأمل منه شيء درامي عميق، الكتاب انواع متعددة بعضهم يستطيع أن يشدك للقصة ويبقيك معه ولكن بأحداث سطحية وآخرين يستطيع ان يبقيك معه تتنظر الاحداث القادمة للشخصيات التي قضى فترة طويل يبنياها، هاولي وقعت بين يديه قصة جيدة جداً استطاع أن يحولها لنص تلفزي جيد للغاية ولكن ليس من الأفضل، يبقى المسلسل جيد وقد قدم لنا نوعية معينة جيدة وشكل القصة كان ”أصلي“ بطريقة أو بآخرى والبايلوت كان جيد جداً ولكن كقصة ينقصها بعض الأمور، بعض الامور البسيطة التي تراها دخيلة وواضحة للغاية أنّها وضعت هناك من أجل فقط أن تكون سبب معين لحدث ما، تلك الطريقة التي يدس فيها مشهد معين بطريقة واضحة وصريحة تجعلك تسخر أحياناً وتقول هذا واضح فعل ذلك من أجل كذا، أمور كثيرة حدثت بهذا الشكل في المسلسل، بسيطة للغاية وكان لها تأثير جيد على القصة ولكن طريقة ادخالها للقصة كان بدائية للغاية، أيضاً قصص اضافية جانبية تم ادخالها بشكل واضح فقط من أجل ملأ الفراغ لا لشيء آخر، ربما كانت سبب معين في ابقاء شخصيات معينة ضمن نطاق القصة ولكن مع ذلك اختراع تلك القصص التي لم يكن لها فائدة والتي انتهت بشكل تافه للغاية كل ذلك كان شيء سيء من قبل الكاتب وغير مرغوب به كان من الأجدر به ان يبني القصص الجانبية بشكل أفضل بكثير وجعلها جزء من القصة وعدم ابقاءها جانبية طوال الوقت، لذلك أعتقد أنَّ نوا هاولي كاتب جيد ولكن ليس ممتاز وأنّه نسبياً لم يكن يستحق الفوز بجائزة افضل كتابة لذا كنت راضي نسبياً عن ذلك، ولعدم ابخاس حقه نفحة الكوميديا السوداء في المسلسل كانت رائعة حسب رأيي الشخصي أعجبتني جداً وكانت مميزة لمسلسل درامي بهذه الطريقة، لذا من هذه الجهة احيي هاولي وطاقم كتابه على تلك الطريقة الجيدة جداً في ادخال الكوميديا السوداء ضمن تلك الاحداث ولكن كمسلسل بشكل عام فهو كان متكامل بشكل جيد جداً، الكاست والاخراج وكل شيء كان جيداً بشكل كافي ليجعل المسلسل متكامل.
قصة الموسم
احد اكثر الامور المميزة في هذا المسلسل أنّه مسلسل ذو موسم واحد تنتهي قصته بعد نهاية الموسم هذا جيد للغاية، هذا يعطينا أمل بأننا سنشاهد ونعرف نهاية القصة بشكل مرضي ولن نضطر أن ننتظر المزيد من الوقت من أجل تفاهة كاتب جديد يدخل على الطاقم او انسحاب المسؤول عن المسلسل وتغييره مما يؤدي بالمسلسل إلى الهاوية وإلى نهايات غير مرغوب بها، تواجد الطاقم الواحد في مكان واحد لكتابة عدد حلقات معينة ضمن أحداث معروفة هذا جيد للغاية بالنسبة لنا كمتابعين تلك احد اكثر الامور المهمة بالنسبة لي في هذا المسلسل، ففي النهاية أنتَ تعرف أنَّ المسلسل سينتهي وستجد النهاية ربما لن تكن مرضية بشكل أو بآخر ولكن هنالك نهاية معروفة،.
Fargo المسلسل وFargo الفيلم
قصة المسلسل بالأساس مستوحى من الفيلم ولكن بتفاصيل متعددة، يمكننا ربط قصة الفيلم بقصة المسلسل عن طريق محور الحقيبة التي تركها كارل – ستيف بوشيمي – في الثلج والتي وجدها في الحلقة الرابعة ستافروس ميلوز – اوليفر بلات، بقية الاحداث مجرد مستوحى ربما بنفس الاسم وبثيمة قريبة من ثيمة الفيلم ولكن الفيلم احتوى على نفحة كوميديا سوداء أكبر من المسلسل بكثير الذي مال نحو الدراما اكثر، فيلم الاخوين كوين كان رائعاً وجيداً وكل شيء خاصةً تلك الجملة في بدايته التي تدل على أنَّ القصة حقيقية بالمناسبة هي كانت مجرد مزحة من الاخوين كوين وهاولي كاتب المسلسل قرر أن يضعها في كل حلقات مسلسله كنوع من تكملة المزحة، القصتين ليستا حقيقتين بل بعيدتا جداً عن الحقيقة وموضوع الكلام الذي يوضع في بداية الحلقات فهو امتداداً لمزحة الاخوين كوين التي وضعوها في فيلمهم.
إذاً بشكل عام المسلسل قدم نفسه بشكل متفرد قليلاً عن الفيلم ولكن حافظ على ثيمة معينة جعلته مرتبط بشكل أو بآخر بالفيلم، وهذا جيد جداً للمسلسل ولكاتبه نوا هاولي.
الموسم الثاني
فكرة المسلسل ذو الموسم الواحد وقصة الموسم المختلفة، فكرة جيدة جداً، تجعلنا نشاهد أكبر عدد ممكن من الافكار الجديدة ربما في الموسم التلفزي الواحد، كل موسم سيكون هنالك المزيد من المسلسلات التي لا مشكلة ان تحمل نفس الاسم المهم ان تكون تحوي محتوى جديد نسبيـاً، قصة الموسم الثاني ستتمحور حول جريمة في عام 1979 سمعنا عن تلك الجريمة في آخر حلقات المسلسل وسيتناولها المسلسل بشكل متفرد كقصة كاملة له الموسم القادم، بطاقم جديد ونأمل حقاً أن يكون الموسم الجديد بنفس المستوى أو أفضل حتى.
في النهاية يبقى المسلسل قد قدم لنا موسم ممتازاً يجعل المسلسل واحد من أفضل انتاجات الموسم التلفزي 13/14 ويستحق أن يُسمى ضمن قائمة أفضل الانتاجات القصيرة في السنوات القليلة الماضية، ويستحق أيضاً أن نمدحه رغم عتبي على بضعة أمور صغيرة في كتابة المسلسل وبشكل عام المسلسل كان جيداً للغاية ولم يكن سيئاً أبداً بل شخصياً أعتبره أفضل انتاج لـFX منذ سنوات طويلة وأراه أفضل من عديد الانتاجات التي شاهدنها ونشاهدها على FX كل سنة، Fargo كان تجربة رائعة ويستحق المشاهدة جداً
التقييم النهائيّ
الكتابة: | هذه العلامة أراها مناسبة للغاية، الكتابة كان لديَّ عليها تحفظات عديدة ولكن من الاجحاف أن نخسف بتقييم المسلسل فقد قدم محتوً جيد لذا العلامة أراها مناسبة | |
التمثيل: | كان متكاملاً جداً، لولا بضعة شخصيات ربما ثانوية عانت قليلاً في التعبيرات في بضعة مشاهد ولكن كطاقم فقد قدم مستوً رائع للغاية ويستحق علامة جيدة جداً | |
الإخراج: | قدم لنا المسلسل بشكل ممتاز، بدون هبرجة اضافية وبدون مبالغات كبيرة، لم يكن شيء لم نراه من قبل ولم يكن شيئاً سيئاً، لذا هذه هي علامته بالنسبة لي | |
رأي شخصي: | برأيي المسلسل بشكل عام، هذا هو تقييمه المناسب، المسلسل كان من أفضل انتاجات العام ولكن مع ذلك كان لديه بضعة عيوب صغيرة تمنعه من الحصول على تقييم عالي، المسلسل أحياناً ضاع في خلجات قصص ثانوية ومع ذلك لم تكن نافعة جداً في السياق، لذا هذا هو تقييمه بشكل عام | |
7.25 / 10 | تجربة رائعة، قصة مميزة، يستحق المشاهدة بدون أدنى شك، فكرة كان مختلفة ومميزة بنفس الوقت وعشنا معها 10 حلقات مميزة جداً |