Horící ker الحرية لا ثمن لها

Burning Bushقبل البوعزيزي, كان هناك يان بالاتش. قبل الربيع العربيّ, كان هناك ربيع براغ.

في براغ، أمام المتحف الوطني، نصب تذكاري ليان بالاتش، الذي كان في الحادية والعشرين إبان غزو براغ، والذي أشعل النار في نفسه يوم 19 يناير عام 1969، وخلال الثورة المخملية في براغ، كان يان بالاتش رمزا للحرية. وعندما انتخب فاتسلاف هافل، رئيسا لتشيكوسلوفاكيا بعد 20 عاماً على وفاة بالاتش، قال ذات مرة إن يان هو قائدنا، فقد ضحى بحياته ليعلمنا ألا ننسى الحرية.

ياه, النفس البشرية عندما تثور على الظلم.

تبدأ أحداث مسلسل ”العُلّيقة المُشتعلة“ التشيكيّ الذي أنتجته HBO Europe بإحراق الشاب يان بالاتش لنفسه في مكان عام, تاركاً خلفه حقيبة و رسالة يذكر فيها سبب إقدامه على الإنتحار: إيقاظ ضمير الشعب النائم. لتبدا بعدها قصة تستّر النظام الشيوعيّ الحاكم أنذاك في تشيكوسلوفاكيا على الأسباب الحقيقية لإقدام بالاتش على إحراق نفسه, خشية إنتفاض الشعب في ثورة على النظام.

طيلة 3 حلقات نتابع تبعات فِعل بالاتش الشجاع في إنتاج مُتقن جداً سواءاً تمثيلاً أو إخراجا أو ديكوراً, وجدت نفسي أشعر وكأنني بالفعل في تشيكوسلوفاكيا الستينات. هل تخيلت قط كيف عاش الناس تحت حكم الاشتراكيين؟ (حرق: لا يختلف جداً عن العيش تحت حكم ”الديموقراطيين“) هذا المسلسل أعطانا نظرة عميقة نحو حال الشعب والحياة البئيسة أيام الحرب الباردة.

IMG_0516

شخصيات العمل مركبة و معقدة ولديها عدة أوجه (رغم أن بعض الشخصيات بسيطة للغاية), حتى من شخصية المحقق (جيريس) التي يلعب دورها شبيه Billy Bob Thornton التشيكيّ Ivan Trojan تكسب تعاطف المشاهد معها رغم أنها من المفترض شخصية شريرة لأنها تخدم النظام الاشتراكيّ.

مُخرجة هذا المسلسل القصير ليست غريبة عنا, فالسيدة أنيشكا هولاند قامت بإخراج حلقات عديدة من أحد أفضل المسلسلات في التاريخ The Wire وأيضاً Treme. السيدة أنيشكا ليست غريبة أيضاً عن أحداث المسلسل, لأنها كانت تعيش في براغ في تلك الفترة, بل و تم إعتقالها حتى لفترة قصيرة. أكثر ما أعجبني من ناحية الإخراج هو تصوير الريف التشيكيّ, هناك شيء سحريّ و أخاذ حوله.

Burning Bush

كمية التفاصيل في كل مشهد غير معقول, و أنا لا اتحدث فقط عن الملابس و تسريحات الشعر و كون كل الشخصيات تدخن. المسلسل أعاد تشكيل شوارع التشيك بأرصفتها العتيقة, وكأن المرء يشاهد نسخة ”الستار الحديديّ“ من Mad Men.

لا داعي أن اتحدث عن الجودة التي ترافق إسم HBO, و هذا المسلسل لم يخرج عنها. النص من كتابة الشاب Stepan Hulik الذي فضّل أن تكون القصة حادة أكثر منها مثيرة للأحاسيس (وصدقوني, هذه القصة فيها مجال كبير للاحاسيس). أما موسيقى المسلسل التي ألفها Antoni Komasa-Lazarkarkiewicz تثير فينا أنواع الأحاسيس و تزيدنا حزناً على حزن.

أكاديمية السينما بالتشيك حاولت ترشيح نسخة مختصرة من المسلسل كفيلم لجائزة الأوسكار, الأمر الذي تم رفضه جملة و تفصيلاً لأن قوانين الأكاديمية تمنع ترشح الأفلام التي عرضت على التلفزيون قبل ترشيحها. لكنني شخصياً متيقن أنه لولا هذا القانون الغبيّ لترشح ”العُلّيقة المُشتعلة“ و لربما… ربما كان ليفوز.

”العُلّيقة المُشتعلة“ قصة حزينة, سوداوية, لكن واقعية.

التقييم النهائيّ

الكتابة: حواراتك التشيكية المعتادة, من النوع الذي تقوم به مع صديقك روزيسكي 🙂
التمثيل: تمثيل مذهل من كل الشخصيات, خصوصاً من السيد إيفان الذي نال عن دوره جائزة في مهرجان مونتي كارلو.
الإخراج: ماذا أقول, إخراج متقن للغاية لم أر له نظيراً منذ وقت طويل, أنيشكا هولاند نجحت بدون شك في أسر تلك الحِقبة في 3 ساعات.
رأي شخصي: يستحق المشاهدة بدون شك.
8 / 10 أوروبا بدأت تُري للعالم مقدرتها على مُجاراة الولايات المتحدة في التلفزيون, و "العُلّيقة المُشتعلة" مثال حيّ على هذه المقدرة.