خاتمة مسلسلك المفضل مُقيتة, رغم رأيك العظيم فيها

مرت عدة أسابيع على نهاية المسلسل-الحدث الذي قلب الإنترنت رأساً على عقب و كان الشغل الشاغل للجميع في مختلف الشبكات الاجتماعية طيلة حلقاته الثمانية, True Detective, لكنني رغم ذلك وجدت نفسي لا أزال أفكر في موضوع النهايات هذا.

مسلسل التحقيقات الذي تابعنا فيه قصة الشريكين (راست) و (مارتي) لم يكن مثيراً للإعجاب لتلك الدرجة (بالنسبة لي على الأقل), ما يثير الإعجاب فيه هو الشهرة التي حضي بها المسلسل خلال فترة قصيرة للغاية, مُختصراً بذلك شهرة يتطلب بناءها سنوات و سنوات عند مسلسلات أخرى في 8 أسابيع (9 أسابيع, إذا أخذنا بالاعتبار ذلك التوقف).

من المثير للإعجاب كذلك كيف إستطاع True Detective , في 8 حلقات فقط, أن يثير غضب الإنترنت كله (وهو شيء أخر لا يحصل سوى مع مسلسلات استمرت سنوات وسنوات على الهواء). يوم الإثنين المشؤوم ذاك, كان الرأي الشائع هو التالي: تلك الخاتمة لم ترق للتوقعات.

المشكل هنا هو أننا لن نستطيع أبداً أن نعجب بأي خاتمة لأي مسلسل بسبب هذه التوقعات و بسب الإنترنت. هذا المقال ليس هجاءاً للإنترنت (أنا أحب الأنترنت, أضيع 99% من وقتي فيه 🙂 ), لأنه في الواقع لولا الإنترنت لما كان True Detective ليحصل على كل هذا الاهتمام. المشكلة هي ان حب الإنترنت لمسلسل معين هو ما يقوده لخرابه.

كيف ذلك؟ عندما تُعجب بمسلسل معين, تبدأ ببناء تلك التوقعات, تقرأ توقعات الأخرين, التي بدورها تقوم بالتأثير على توقعاتك الشخصية لخاتمة المسلسل, و هكذا دواليك حتى تصل إلى ذلك السيناريو الذي يروق لك بشدة… ثم تغضب عندما يحدث سيناريو مغاير لذلك. (هذه الصرعة بدأت بدون شك مع Lost, هذا المسلسل حتى وهو ميت يقوم بتخريب مسلسلاتنا المفضلة! تباً لك يا ليندلوف أيها الأقرع الغبي!)

أحدهم قال مازحاً على تويتر: ”ترو ديتيكتيف, 8 حلقات, 8000 سيناريو على الانترنت“

قلت في نفسي ربما هذا رأيي أنا وحسب, ولهذا سألت بضعة من زملائي بالموقع عن هذا. محررنا الإخباريّ محمد قال: ”توقعنا الشخصي دائما يكون متعلق باشياء نود رؤيتها نحن في النهاية و لما تاتي هذه النهاية مخالفة او مطابقة بعض الشيء لتوقعنا يتحكم ذلك في ارائنا“.

عند الحلقة الخامسة أو السادسة على ما أظن, بضعة من أصدقائي بدأو بتحليل كل لقطة في المسلسل, أي شيء يبدو وكأنه له صلة بالملك الأصفر, أي شيء سواء كان خربشة على الحائط أو قنينات جعة أو طعام العشاء… الخ. أظن ان هذه هي المشكلة الأولى: نبدأ بتحليل كل شيء بطريقة مبالغ فيها, ثم نبدأ ببناء توقعنا و تخميننا للنهاية بناءاً على ذلك التوقع. ثم نصبح متعصبين لتوقعنا, و نبدأ بدحض توقعات الأخرين, ثم ينتهي بنا المطاف بكره الخاتمة الحقيقية للمسلسل.

كُتاب المسلسل أيضاً مُدركون لهذه الأشياء, بعض الكتاب يغامرون و يتحدون توقعات العشاق, و البعض الأخر ينهج الطريق السهل و ينتهي به المطاف بخاتمة عادية. يقول محمد بهذا الصدد: ”جميع المشاهدين يفضلون ان تكون نهاية مسلسلهم متكاملة بينما ذلك يكون بعيدا احيانا خاصة ان الكاتب امام اختبار حقيقي يلزم عليه انهاء المسلسل بطريقة مرضية فقط و النهاية مهما كانت جودتها سترضي البعض و ستخيب امل البعض الاخر“, حتى في عالم المسلسلات رضا الناس غاية لا تدرك.

إنتقدت خاتمة السوبرانوس لأنها غامضة, لكن ذلك الغموض يترك لنا مساحة لتخيلاتنا و توقعاتنا, ”هل عاش؟ هل مات؟ من قتله؟ هل ماتو هم كذلك؟ من دفع الفاتورة؟“. كثير من الناس كرهوا نهاية السوبرانوس, لكن الواقع هو أن المسلسل انتهى منذ 8 سنوات ولازلنا نتحدث عن تلك النهاية. لكن هل نريد حقاً أن تكون خاتمة كل المسلسلات مثل خاتمة السوبرانوس؟ هل نريد حقاً تلك المساحة لتوقعاتنا في خاتمة مسلسلنا المفضل؟

هذا الكلام لا يقتصر على هذين الإثنين, حتى Breaking Bad نال نصيبه من الانتقاد حول نهايته ”المُحكمة“. ”لماذا فعل جيسي هذا؟“ ”لماذا لم يقل والتر هذا؟“ ”ظننت انه كان من الأفضل لو ان النهاية كانت صامتة“ ”لا يعقل ان المسلسل انتهى و لم نر قط نهديّ (ماري), أراهنك أنهما بنفسجيان!“.

سؤال أخر يدحرج نفسه, هل كثرة شخصيات الـAnti-Hero في المسلسلات حديثاً تؤثر على هذه النهاية؟ (لم يفهم أحد من زملائي القصد من سؤالي هذا 🙂 ) ما أقصده هو أن هذه الشخصيات دائماً ما تقوم بتصرفات شريرة لكنها تكسب تعاطف المشاهدين رغم ذلك. بمعنى انه بحلول نهاية المسلسل الكاتب يتوجب عليه أن يختار جهة واحدة من الجهتين, هل هذه الشخصية سينتهي بها المطاف في الجانب الطيب أم في الجانب السيء؟ يعني في الحالتين الكاتب خسران, في الحالتين سيكسب رضى نصف الجمهور و سخط النصف الأخر.

ليست مصادفة أن المسلسلات التي يعشقها الإنترنت أكثر من غيرها (Freaks and Geeks, Arrested Development, Firefly للمثال لا الحصر) هي مسلسلات لم تحصل على خاتمة.

لذلك يسعدني أن أخبرك منذ الآن أن خاتمة مسلسلك المفضل مُقيتة, حتى و إن لم تكن حقاً مقيتة. (آسفين يا مات واينر 🙂 )